تستعد كينيا لماراثون انتخابي جديد، في التاسع من أغسطس/آب الحالي، حيث من المقرر أن يتوجه أكثر من 22 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب الرئيس، وأعضاء البرلمان بغرفتيه "الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ"، إلى جانب حكام المقاطعات وأعضاء مجالس المقاطعات الـ47.
ركن استقرار في منطقة مضطربة
كينيا، وهي الدولة ذات الاقتصاد الأكثر ديناميكية في شرق إفريقيا، تتميز كذلك بتنوع سكانها وكُتلها الانتخابية العرقية الكبيرة، وهي ركن استقرار نسبي في منطقة تواجه مجموعة من التحديات الأمنية: حركة الشباب في الصومال، وعدم الاستقرار المستمر في جنوب السودان، والقمع السياسي المتزايد في أوغندا وتنزانيا، والحرب الأهلية المدمرة في إثيوبيا، إلى جانب الانقلاب العسكري في السودان.
عانت كينيا في السابق من أعمال عنف طائفية ذات دوافع سياسية، ولا سيما بعد انتخابات عام 2007، عندما قُتل نحو 1200 شخص ونزح أكثر من ٦٥٠ ألفاً بسبب العنف المرتبط بالصراع العرقي، نتيجة للاستقطاب وتأجيج العداوات.
لكنّ الكينيين يأملون أن تشكل انتخابات أغسطس/آب قطيعةً تاريخيةً لمرحلة العنف السياسي التي سادت في السابق، في ظل تعهُّد مرشحي الرئاسة الأربعة بالحفاظ على السلام والابتعاد عن خطاب الكراهية أو الإهانات، خلال الحملة الانتخابية قبل الانتخابات المقررة في التاسع من أغسطس/آب، وفقاً لما ذكرته وكالة بلومبيرغ في وقت سابق من الشهر الماضي.
فيسبوك يحذف آلاف المنشورات قبيل الانتخابات
مؤخراً، أعلنت شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، حذفها آلاف المنشورات التي تستهدف المستخدمين الكينيين، بسبب "انتهاك سياسات النشر" التي تفرضها الشبكة.
ومنذ أربع سنوات، تم القبض على مديرين في شركة الاستشارات البريطانية "كامبريدج أناليتيكا"/ بعد تباهيهم بالسيطرة التي مارسوها في الانتخابات الرئاسية الكينية عام 2017، فقد اتُّهمت شركتهم بالتلاعب في بيانات الكينيين الشخصية على فيسبوك، لمساعدة الرئيس المنتهية ولايته أوهورو كينياتا على الفوز.
ويقول فيسبوك في تقرير صدر مؤخراً، إنه قام بسحب أكثر من 37 ألف منشور يروج لخطاب الكراهية، إلى جانب 42 ألف منشور آخر، بسبب انتهاك سياسات العنف والتحريض، ويُضيف أنه رفض نشر 36 ألف إعلان سياسي لعدم امتثالها لقواعد الشفافية الخاصة بالفيسبوك، وأضاف التقرير أن الشبكة دخلت في شراكة مع مدققي حقائق مستقلين في كينيا، لكشف المعلومات المزيفة قبل انتخابات أغسطس/آب.
إذا سارت الأمور على ما يرام في انتخابات كينيا، فإنها ستؤدي دون شك إلى حدثٍ نادرٍ في إفريقيا: ثاني انتقال سلمي للسلطة (بعد الصومال)، في أعقاب إجراء تصويت عادل، لكنّ المخاطر تظل موجودة، حيث يتطلع السياسيون المعنيون إلى حماية حياتهم المهنية ومصالحهم التجارية الهامة من خلال الانتخابات.
الرئيس كينياتا خارج المنافسة
اللافت في الانتخابات الكينية هذه المرة أن الرئيس الحالي أوهورو كينياتا لن يخوض المنافسة، فهو قد جرى انتخابه مرتين من قبل في انتخابات 2013 و2017، وبالتالي لا يسمح له الدستور بالترشح لفترة ثالثة.
لذلك، يُحسب للرئيس المنتهية ولايته "كينياتا"، أنه تقبّل فكرة مغادرة السلطة ولم يسعَ للالتفاف على الدستور، كما فعل العديد من رؤساء الدول في المنطقة، وآخرهم الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو، الذي حاول تمديد بقائه في السلطة لعامين آخرين، قبل أن يتخلى عن محاولاته للبقاء في السلطة، منحنياً بذلك للضغوط المحلية والدولية بعد اشتباكاتٍ في العاصمة مقديشو، أدّت إلى انقسام قوات الأمن على أسس عرقية.
لكنّ الرئيس كينياتا لم يبتعد تماماً عن المشهد السياسي، إذ ألقى بثقله خلف زعيم المعارضة المخضرم رايلا أوديغا، الذي يخوض جولته الرئاسية الرابعة، هذه المرة ضد نائب الرئيس روتو، والأخير يقود حملة ضد آلة الدولة الموالية للرئيس كينياتا ومرشحه المفضل، أودينغا.
4 مرشحين بينهم نائب الرئيس الذي تعهد بطرد الصينيين
يتنافس على الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في كينيا بعد أيامٍ، 4 مرشحين، أبرزهم نائب الرئيس الحالي، وليام روتو، الذي كثيراً ما وجّه انتقادات لاذعة للسياسات الاقتصادية للرئيس أوهورو كينياتا، أما المنافس الآخر الأوفر حظاً فهو زعيم المعارضة المخضرم رايلا أودينغا، الذي شغل سابقاً منصب رئيس الوزراء، ويدعمه الرئيس المنتهية ولايته كينياتا، كما ورد بالأعلى.
وإلى جانب المرشحين الرئيسيين، هناك منافس ثالث هو ديفيد موور وويهيغا، محامٍ ذو خبرة تزيد عن 35 عاماً في مجال عمله، ومنافس رابع "البروفيسور جورج لوشيري"، وهو أكاديمي وضابط شرطة سابق، وعد خلال برنامجه الانتخابي بأنه إذا فاز سيقوم بإضفاء الشرعية على الماريغوانا، ويقول إنه سيتم تصديرها لتحسين اقتصاد البلاد!
مرشحو الانتخابات الرئاسة الكينية من اليسار إلى اليمين "رايلا أودينغا، وليام روتو، ديفيد وويهيغا، جوروج واجاكوياه".
في حين أن روتو وأودينغا هما الأوفر حظاً، فإن واجاكوياه وويهيغا من الطامحين للرئاسة، لكن فرصتهما في اجتياز المرشحين الأوفر حظاً ضئيلة للغاية أو منعدمة كلياً.
نائب الرئيس روتو استطاع استمالة العديد من الناخبين الناقمين من تكاليف المعيشة المرتفعة، بانتقاداته العلنية لسياسات الرئيس المنتهية ولايته "كينياتا"، وقد تعهد بإلغاء ديون البلاد التي تقدر بحوالي 70 مليار دولار، إذا فاز في الانتخابات.
تعد الصين ثاني أكبر دائن لكينيا بعد البنك الدولي، وقد موّلت العديد من مشاريع البنية التحتية، حيث أقرضت كينيا 5 مليارات دولار لتنفيذ أكبر مشروع بنية تحتية منذ استقلال البلاد عام 1963، وهو القطار الذي يربط مدينة مومباسا الساحلية بمدينة نيفاشا في منطقة الوادي المتصدع عبر العاصمة نيروبي.
كان يصاحب هذه الاستثمارات وصول عمال صينيين، وهي النقطة التي استغلها روتو في حملته الانتخابية، إذ تعهد بطردهم من البلاد، موضحاً أن "المواطنين الصينيين يشوون الذرة ويبيعون هواتف محمولة، سنرحلهم جميعاً إلى بلدهم، كل هذه الأعمال للكينيين".
وأضاف خلال حديثه في منتدى اقتصادي، الشهر الماضي، "لا تقلقوا بشأن الأجانب الذين يمارسون هذه الأعمال، لدينا ما يكفي من الطائرات لترحيلهم"، مضيفاً أنه سيقوم بنشر تفاصيل العقود التي وقعتها حكومة كينياتا مع الصين، فهذه العقود لم يتم نشر تفاصيلها، وقد رفعت بعض المنظمات الكينية دعاوى قضائية في محاولة لفرض الكشف الكامل عن الصفقات.
محاربة الفقر والجهل
المرشح البارز الآخر رايلا أودينغا بنى حملته الانتخابية على معالجة قضايا التعليم والفساد والفقر، مشيراً إلى أن "هناك أربعة أعداء تواجههم كينيا: سوء الرعاية الصحية والجهل والفقر والفساد".
كما تعهّد أودينغا بتأسيس تعليم مجاني من الطفولة المبكرة إلى الجامعة، موضحاً أن مجانية التعليم ستنهي الجهل، ووجّه زعيم المعارضة انتقادات ضمنية لنائب الرئيس، متهماً إياه بإنفاق أموال دافع الضرائب على الحملات الانتخابية، في وقتٍ ترتفع فيه تكلفة المعيشة بشكل كبير.
القضاء الكيني يتميز باستقلاليته
دائماً ما تكون الانتخابات الكينية محل نزاع ساخن، لكن الاقتراع المقبل الذي سيجري في 9 أغسطس/آب سيشكل معركة مريرة بشكل خاص، فالرئيس المنتهية ولايته أوهورو كينياتا، على خلافٍ كبيرٍ مع نائبه ويليام روتو، الذي كان له دور فعال في دفع كينياتا للفوز في انتخابات 2013 و2017.
بدلاً من دعم نائبه روتو كما وعد سابقاً، ألقى كينياتا بثقله وراء زعيم المعارضة المخضرم رايلا أودينغا، وهذا يُعد اختباراً صارماً للمؤسسات الكينية، خاصة السلطة القضائية التي عُرفت باستقلالها، حيث ظهر ذلك في تصديها للسلطة التنفيذية عدة مرات، كما لفت القضاء الكيني أنظار العالم برفض المحكمة العليا في 2017 نتائج الانتخابات التي أُجريت آنذاك، بسبب مخالفات في فرز الأصوات، الأمر الذي تطلب إعادة الانتخابات.
لتجنب حدوث أزمة، دعت مجموعة الأزمات الدولية، النخب السياسية الكينية إلى الالتزام بقبول نتائج الانتخابات -أو اللجوء إلى القضاء للتحكيم في النزاعات- والاتفاق على معاملة الخاسر بإنصاف، وحثّت كذلك المراقبين المحليين والخارجيين على حماية نزاهة الانتخابات، بما في ذلك من خلال جدولة الاقتراع الموازية، للمساعدة في تجنب التصويت المتنازع عليه والتداعيات التي قد تأتي معه.
ولفت تقرير للمجموعة إلى أن نائب الرئيس روتو ومرشح المعارضة أودينغا المدعوم من الرئيس كينياتا يحظون جميعاً بدعم كبير من الناخبين، ولا يبدو أن أياً منهم مستعد لتحمل الإقصاء والهزيمة الانتخابية، وقال التقرير إن المؤسسات الانتخابية في كينيا لا تزال ضعيفة، وإن اللجنة المستقلة لشؤون الانتخابات والحدود تعاني من نقص التمويل.
إذاً، جميع الاحتمالات متوقعة بالنسبة للانتخابات الكينية، بما في ذلك سيناريو عام 2007، الذي شهد أعمال عنف عرقية أدت إلى مقتل أكثر من 1000 شخص، فالخطر الأكبر على انتخابات كينيا الشهر القادم هي العلاقة المقطوعة بين الرئيس كينياتا ونائبه روتو، حيث تشكل حالة العداء تهديداً محتملاً كبيراً لانتخابات أغسطس/آب.
وبينما يخوض السياسيون الكينيون معاركهم الشرسة قبل أسبوعٍ من الاقتراع، يعاني نحو أربعة ملايين شخص بشمال كينيا المنسيّ، جوعاً شديداً، في ظلّ أسوأ فترة جفاف منذ 40 عاماً، وللأسف لا تجد هذه القضية الملحة اهتماماً وطنياً كافياً في خضمّ الحملة الانتخابية، إذ لم يُذكر الجفاف في الأجندات السياسية التي قدمها المرشحون للانتخابات الرئاسية، الذين يجولون البلاد لحصد أصوات الناخبين، فخلال هذه الجولات، طغت تكاليف المعيشة المرتفعة على المخاوف التي عبّر عنها سكان الشمال من الجفاف المتزايد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.