تتحكم فيه “الشللية” وتحت رحمة “اليوتيوبرز”.. لماذا يحتضر الأدب العربي؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/02 الساعة 08:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/02 الساعة 08:59 بتوقيت غرينتش
بيع الكتب في سور الأزبكية بمصر/ رويترز

خمسون نسخة مقابل خمس طبعات كاملة، هذا ما سمعته وأثار دهشتي من ناشر عربي عن متوسط بيع الكتب العربية مقابل متوسط البيع للكتب المترجمة داخل حساباته، تنضم لقوله عدة تغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي لناشرين آخرين يؤكدون الملاحظة ذاتها، فيما تعطينا إحدى المكتبات في وسط البلد بالقاهرة، من واقع حساباتها، تأكيداً على الحالة مع استثناءات نادرة، يثير هذا سؤالاً مُلحاً: لماذا يُقبل القارئ العربي على الأدب المترجم بذلك النهم، وفي المقابل لماذا يُعرض عن الأدب العربي خاصة الجديد منه؟! أين تكمن المشكلة بالضبط؟ سيقول أحدهم: وهل هي مشكلة بالفعل؟ حسناً لنناقش هذا الأمر قبل أن ندخل دوامة النشر العربي.

الأدب العربي.. ضرورة أم اختيار؟

لو قلنا إن الأدب العربي مجرد اختيار بالنسبة للقارئ العربي من بين آداب عدة، منها المترجم والمقروء بلغته الأم، فستكون مشكلة قلة الإقبال عليه هنا مشكلته الخاصة، إذ إنه يفشل في منافسة الآداب الأخرى على ذوق القارئ، أما لو قلنا إن الأدب العربي بالنسبة للقارئ العربي ضرورة لا بد منها ليمر بتجربة أدبية أصيلة تعبر عنه وعن مجتمعه وينطلق منها نحو النهل من الآداب الأخرى مترجمة أو غير مترجمة ففي ذلك مشكلة عامة تواجهنا جميعاً، تواجه هذا الأدب الذي بات عاجزاً عن المنافسة حتى على ذوق القارئ بلغته ضد آداب أجنبية، وتواجه القارئ العربي الذي بات رهين تجربة أدبية مرتحلة نحو الآخر، منفصلة عن ذاتها، ومبتورة من بيئتها وجماليتها الخاصة، وسواء آمنا بالرأي الأول أو أقنعنا الثاني، فنحن أمام مشكلة يجب البحث عن أسبابها وتوصيفها.

أدب محتضر.. الحصار من الداخل

لو أردنا وصف حالة الأدب العربي حالياً، فلن نجد أبلغ من وصفه بأنه مُحاصر من الداخل، إذ يتقوقع حول اتجاهات محدودة أو يتخذ مسارات مرسومة سلفاً من آداب أخرى، فما بات ينتجه ذلك الأدب هو سيل جارف من التكرار الممل لموضوعات وأشكال أدبية كانت سائدة يوماً في الغرب أو ما زالت، دون التجديد فيها أو التحليق بها لاكتشاف مساحات أرحب للعمل، وللمفارقة فقد كان أدبنا العربي القديم منفتحاً على الدوام في مساحات شتى، فالأدب في ذلك العصر كان سمة كتابية قبل أن يكون فرعاً، سمة يخط بها العالم والجغرافي والفيلسوف، والفلكي وموظف الدواوين، وناقل الأخبار والمتصوف وغيرهم، وهذه السمة موجودة في آداب الغرب الآن وحاضرة بقوة في كل ما ينتجه من معرفة، ومن المُلاحظ أن من بين الكتب المترجمة التي يقبل عليها القراء العرب تلك التي تهتم بتقديم المعارف والعلوم والفلسفة والمهارات في قالب أدبي تحريري، أو من خلال خيال إبداعي، مثل كتب آلان دو بوتون وجوستاين غاردر.

ينحصر الأدب العربي بدرجة كبيرة في الخيال الإبداعي الذي يتنوع بين الرواية والقصة القصيرة، وينقسم هنا إلى نوعين، نوع من الآداب الرائجة مثل أدب الرعب والجريمة والفنتازيا، وتلك الآداب رغم أنها تخطف لب العديد من القراء الجدد إلا أنها تتوارى بعد فترة من الزمن وكأنها لم تكن يوماً، ونوع آخر من الآداب التجريبية التي ما زالت تدور في فلك البطل الكافكاوي المنسحق والمغلوب على أمره وباتت متيبسة عند هذا الحد؛ مما صرف نظر القراء عنها وأفقدهم الثقة فيها.

الفضاء الثقافي.. حيث ينمو الطلب 

على اعتبار أن هناك المئات بل الآلاف من الكتب والروايات العربية تُنشر سنوياً، ففي النهاية يجب أن يبرز من هذا الكم طلب على مجموعة محدودة، يساعد الفضاء الثقافي الذي يتمتع بالحرية والاستقلالية على خلق زخم جاد حول تلك المجموعة التي من المفترض أن تبرز من خلال تنافس حقيقي على أذواق القراء وتقييمات النقاد، فضاء ثقافي لو تمتع بالجدية والنزاهة سيكتسب ثقة القراء ويستطيع أن يكون بيئة داعمة للنشر والأدب العربيين، لكننا وللأسف الشديد نُلاحظ أن هناك عطباً شديداً أصاب الفضاء الثقافي العربي، وأصبحت تتحكم فيه الشللية و"البوكتيوبر" الذين يضعون أنفسهم تحت الطلب لمن يدفع، كما أن النقد العربي قد تقلص وتكلس وأصبح عاجزاً عن مجاراة حركة النشر، أجزم أن هناك أسماء عربية تستحق الاحتفاء والقراءة أكثر من المترجم لا يحجبها عن القارئ سوى هذا الفضاء الثقافي الذي فسد.

غواية مفقودة

لا شك أن في الآداب الغربية غواية ونشوة مفقودة في الأدب العربي، وأظن أن من أسباب ذلك عدم نضج المادة العربية المكتوبة المتسبب فيه إهمال العمل عليها برصانة وجدية في البحث والتخطيط، وأيضاً بسبب إهمال وظيفة المحرر الأدبي الحاضرة بقوة في النشر الغربي، فالمحرر الأدبي يبرز غوايات النص الأدبي ويجعله أكثر خفة ودلالاً وسحراً، ويمنحه قدرة على خطف لب القارئ واكتساب ثقته، ويحد بشكل فعال من عيوب العمل.

الأسهل والأسرع

لا شك أنه وبعد أن أدركنا أزمة الأدب العربي وجوانبها المختلفة، سنوقن أن إعادة ثقة القارئ في هذا الأدب وإخراجه من أزمته ليس مستحيلاً على الإطلاق، لكنه أمر صعب للغاية ويحتاج الكثير من الجهد والتعاون والتخطيط، هنا تأتي الحلقة الأهم في الأمر، الناشر الذي يلجأ للحلول الأسهل والأسرع، فلن يضيع وقته وجهده في ترميم ثقة القراء في أدب يحتضر، وبدلاً من ذلك سينظر حوله، يميناً وشمالاً، عله يجد بديلاً لا يكلفه الكثير، فيظهر الأدب المترجم بأسمائه اللامعة ونشوته الحاضرة لدى القارئ، فيتسبب هذا في تعميق أزمة أدبنا العربي.

إننا ونحن نُلقي تلك الإضاءات في بركة آسنة، نأمل أن نلفت النظر قبل أن يضيع ماء البركة للأبد في وحلها، ولا نجد ما يروينا ويروي أجيالنا القادمة غير آداب الآخرين ومعارفهم، بعدما كنا النبع الأصيل لكل خيال وفن.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
عبدالله عثمان
محرر وباحث في الأدبيات الاجتماعية
تحميل المزيد