لقد بِتنا نعيش في عصر يمكن لأي شخص كان فعل ما يريد، لا حسب ما يمتلكه من موهبة ودراسة وخبرة، بل حسب ما يملك من الأموال والعلاقات والنفوذ.
وأتحدث هنا تحديداً عن برامج التوك شو التي أصبحت تُقدم بمقابل مادي، فكل ما عليك فعله هو الدفع لحجز استوديو بمدينة الإنتاج الإعلامي، والقنوات ما أكثرها، كاميرا مع القليل من المعدات أصبحت على الهواء، ولك كل المساحة في أن تقول ما تريد وفي أي مجال.
هناك أيضاً شركات الإنتاج المسؤولة عن عرض وتسويق برنامجك بالإذاعة والتلفزيون، ومجلات، وبوسترات، وكل هذا بعرض خاص جداً، 3 آلاف جنيه بدل 6، و"الحق عرض اليوم الواحد".
باتت شركات كثيرة تقدم مثل هذه العروض، بعدد حلقات معينة مقسمة بين راديو وتلفزيون، وعليك اختيار فكرة البرنامج وإعداده، ويقال إن هناك إشرافاً على المحتوى الذي تقدمه.
وأمامنا للأسف نماذج كثيرة لإعلاميات وإعلاميين ليسوا أهلاً لهذه المهنة، ورغم ذلك يتواجدون على الساحة الإعلامية والقنوات الفضائية.
ليس هذا في الإعلام فقط، بل يحدث ذلك أيضاً في الأعمال الفنية التي تعرض لنا، فقد تجد أعمالاً فنية بلا قصة ولا رسالة ولا حتى تمثيل!
لا أنكر مواهبنا الشابة، ولا فكرة المحاولة والاجتهاد، فمصر غنية بمواهب وطاقات وكوادر شابة مؤمنة بنفسها وبقدرتها على صناعة الفارق وإثبات النفس وتقديم محتوى ينافس وبقوة، ولنا في المخرج محمد دياب خير مثال على ذلك، ووصوله للعالمية واقتحامه لشركة مارفل العالمية، وإخراجه مسلسل moon knight بتكلفة 160 مليون دولار.
لكن حديثي هنا عن الإفلاس في التقديم والسعي وراء الشهرة أو التواجد على الساحة لمن هو بطبيعة الحال مشهور وله جماهيرية كبيرة.
ودعوني أذكر هنا فيلم "بحبك" لتامر حسني، والذي عُرض في مصر، ورغم تحقيقه إيرادات عالية فإني أراه فارغاً، بلا قصة جديدة، بلا سيناريو واضح، يخلو من عنصر المتعة والإثارة والتشويق، وإذا صُنف على أنه فيلم رومانسي فأين هي الرومانسية، هل الأحضان المبالغ فيها والتي لا علاقة لها بالسياق الدرامي هي الرومانسية بالنسبة للمؤلف تامر حسني.
لا أحد ينكر خفة ظل وموهبة تامر، ولعل فيلمه "مش أنا" خير دليل على أننا أمام موهبة جديدة تضاف لمواهب حسني، وهي التأليف، فقصة فيلم "مش أنا" إنسانية هادفة ذات معنى، وهو مَن كتب السيناريو والحوار، وفيه حاله وفيه حدوتة وحكاية، لكن ما حدث في فيلم "بحبك" حتى لا يليق باسكتشات أو ستاند أب كوميدي.
تامر حسني الذي ظهر بأربعة وجوه في الفيلم، الممثل، والمؤلف، والمخرج، والمطرب فشل من وجهة نظري في وجهين "التأليف والإخراج"، ولم يحسن توظيف الرابعة "الغناء" أما الأولى، وهي التمثيل فكانت for fun لمتعته الشخصية لا غير.
دعونا نتذكر معاً، ولا أنصح بمشاهدة الفيلم على الإطلاق، من شاهده يتذكر معي، ما هي قصة الفيلم؟ شاب أربعيني، جان، محبوب من بنتين (هنا الزاهد، وهدى المفتي)، تتصارعان عليه، تتبادلان معه الأحضان من وقت لآخر، تتغزلان في جماله طوال الوقت.
صديق طبيب سمنة (مدحت تيخة) ليس له أي دور يذكر، السيناريو الخاص به لا يتعدى صفحة مكتوبة، فدوره غير ملموس، غير مؤثر، غير واضح من الأساس.
حمدي المرغني قنبلة الكوميديا الموقوتة، أين قصته في الفيلم؟! دوره لا يصنف بطولة ثانية، ولا ثالثة، وقد كان الأفضل له ولتاريخه أن يكون ظهوره كضيف شرف أفضل من ظهوره على الأفيش ودوره بهذا الشكل غير المفهوم بالنسبة لي.
أما دور البطل "تمورة" في الفيلم، وهو محور القصة من "ساسها لراسها" إن جاز التعبير، فهو الشاب الغني الجنتل، ابن الناس المتربية، نعم تخيلوا معي مشهداً في الفيلم بينه وبين هدى المفتي ومعهما صورة الشيطان.. حصل.. بوستر للشيطان كان من ضمن المشهد وتحدث معه تامر حسني، وأكد علينا نحن كمشاهدين أنه أقوى من الشيطان، وحافظ على البنت التي معه في نفس الغرفة، والتي أصرت هي على دخولها وترك غرفتها بحجة أنها خائفة، وفي مشهد في منتهى العبث ليثبت لنا الفنان أنه على قدر الثقة والمسؤولية، وأنه "الراجل قوي".
مشاهد الأحضان المتكررة، والسيناريو المكتوب لخدمة وتلميع شخصية "علي" رغم أن عمر تامر حسني الحقيقي تجاوز الخمسة والأربعين عاماً، لكنه ربما أراد أن يثبت لنفسه أنه ما زال شاباً ينجذب إليه البنات، مع العلم أن تامر حسني متزوج بالفعل من فتاة جميلة، ولديه 3 أطفال، ومشهور وغني ووسيم، ولا يحتاج لتلميع نفسه مثل ما حدث في الفيلم.
أعتقد أيضاً أنه ربما التصابي الذي يصيب الرجال في الأربعينيات، هي تلك الفترة من أزمة منتصف العمر، حيث تركيز الرجل على شكلة وتفاصيل جسمه ومظهره، مثلما أظهر لنا تامر حسني في الفيلم تماماً.
ففي أحد المشاهد خلع حسني قميصة ليظهر للجمهور السكس باكس، وبدا وكأنه ناحت جسمه وكأنه موديل في كليب إعلانات.
من وجهة نظري، كان على تامر أن يصور فيديو كليب أو أكثر من واحد بنفس بطلات الفيلم، لأن افتقار الفيلم لعناصره بداية من السيناريو الخاص بكل أبطال الفيلم، وسيطرة تامر على الحوار في تهميش صريح لزملائه عدا هنا الزاهد، وهي البطلة أمامه، مروراً بالمونتاج والنقلات الغريبة التي تحدث بين كل مشهد والثاني، حتى الموسيقى التصويرية لم تكن كما يجب أن تكون، فكان الأفضل له ما دام أدخل في الفيلم أغاني جديدة وعرضها ضمن السياق الدرامي أن يكتفي بهذه الأجزاء في فيديو كليب واحد أو أكثر، لكن فيلم بحبك هو أبعد ما يكون عن فيلم مكتمل العناصر، ولعل من أسباب نجاحه ثقة الجمهور في خفة ظل تامر حسني في جميع أعماله، لكن "قلشت" منه هذه المرة.
معاك فلوس هتبقى شاعر كبير ومؤلف أيضاً، ولنا في شخصيات أخرى عربية خير دليل على ذلك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.