أثارت تصريحات وزير الخارجية التركي (تشاووش أوغلو)، حول استعداد تركيا لدعم النظام السوري سياسياً ضد تنظيم قسد؛ استياءً واسعاً لدى جمهور المعارضة السورية، وأكدت تعقيباً على ذلك مؤسسات وشخصيات سورية عديدة بأن النظام السوري ليس أفضل من قسد، فكلاهما قد أجرم بحق السوريين والأتراك معاً.
وفي خضم التفسيرات المتباينة والتحليلات المتضاربة حول الموقف التركي، نحاول هنا أيضاً قراءة تصريحات (أوغلو) الأخيرة على اعتبارها تحولاً خطيراً في السياسة التركية، وكيف يمكننا ربطها مع نوايا أنقرة لإجراء عمل عسكري في ظل مسارات المصالح والحسابات المعقدة للأطراف المعنية على الجغرافية السورية وما يحيط بها من تطورات دولية؟
وجب التنويه هنا أنها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها الوزير (أوغلو) عن إمكانية رسم علاقة مع النظام السوري؛ لأنه دعا في تصريحات سابقة في نيسان من هذا العام إلى التعاون مع النظام السوري لدواعي مكافحة الإرهاب، ومناقشة ملف اللاجئين، وقبلها الكشف عن وجود تعاون استخباراتي مع النظام.
سيناريو التعاون بين أنقرة والأسد ليس شرطاً أن يكون خياراً تركياً نابعاً من مصلحتها فقط، بل يمكن أن تكون هناك حسابات ومساومات مع دول أخرى تؤول بأنقرة لسلوك هذا المنحى بعد تسويات وتقديم تنازلات مع هذه الأطراف التي لها مصالح أيضاً هي الأخرى قد تتعارض مع السياسة التركية.
فالاجتماع الأخير الذي جمع رؤساء تركيا وإيران وروسيا لم يثمر لأنقرة بموافقة على عمليتها العسكرية التي تريد إطلاقها، إلا أن هذا لا يعني الخروج من قمة طهران دون اتفاق مع روسيا وإيران، وتصريحات وزير الخارجية التركية قد تختصر فكرة هذا الاتفاق أو السياسة المتبعة بين الأطراف لإدارة مصالحهم في سوريا.
فأنقرة أكلت العنب الذي تريده دون قتال الناطور من خلال انتشار قوات النظام السوري بغطاء روسي وإيراني في الكثير من المناطق المحاذية والمقابلة لمناطق النفوذ التركي، وذلك من خلال ممارستها لضغوط عسكرية وسياسية على قسد عبر التهديدات المستمرة والتعزيزات التي تدفع بها للداخل السوري، ما سهّل للنظام وحلفائه بشكل أو بآخر ابتزاز قسد ودفعها لتقديم التنازلات وتسليمها للنقاط والمعسكرات، وعبور الأرتال إلى مناطق جديدة على طول خط المواجهة من حلب إلى الحسكة.
وبذلك نكون أمام نتيجة مرضية لكل الأطراف، فروسيا ليست بصدد تعقيد علاقاتها مع أنقرة في ظل غرقها بالمستنقع الأوكراني، وكذلك إيران التي لا تريد فتح جبهة صراع علنية مع تركيا في المنطقة رغم المنافسة الخفية بين نفوذ الطرفين على الشرق الأوسط.
وكذلك أنقرة بدورها بدأت تصل إلى مبتغاها بتحقيق منطقة عازلة أو آمنة دون كلفة بشرية ومادية، مع توفر مجموعة من الأسباب التي تدفعها للتعامل مع النظام السوري، وعلى رأسها ورقة اللاجئين وتأثيرها على الداخل التركي والمحيط الإقليمي.
للأسف فإن الانجرار خلف الحسابات العاطفية في السياسة يؤدي للفشل والإحباط في النهاية، فالدول ميزان مواقفها هو المصالح والمكاسب وليست المشاعر والبواعث، فتركيا التي قتل النظام السوري العشرات من جنودها، وتمتلك إرثاً من الصراع والحروب مع روسيا وإيران، تتعامل اليوم مع هذه الأطراف لأنها تملك أوراق ضغط ومصالح تحتاجها أنقرة لم تجدها في يد حلفائها وأصدقائها.
لا نحتاج اليوم إلى بيانات تنديد وتأكيد إجرام الأسد مع قسد بقدر ما نحتاج إلى مؤسسات وأشخاص قادرين على مقاطعة مصالحنا سياسياً وعسكرياً ومصالح أطراف الصراع الآخرين كما فعلت تركيا اليوم في سبيل مصلحتها القومية والوطنية أولاً وآخراً مع ألد خصومها.
المعاضة السورية ربما تكون أمام تحدٍّ جديد من خلال التغيير الحاصل على خطوط جبهتها، فوجود النظام السوري وحلفائه بدلاً من قسد يتبعه تغير في الموقف العسكري والسياسي بالنسبة إلى حليفها التركي، ولأن الدول في تحالفاتها ودعمها ليست فنادق سياسية تسعى لأفضل خدمة؛ فإن مواقفها تختلف حسب المعطيات، وقسد بالنسبة إلى تركيا ليست كالأسد، فهل يبقى الطرفان في حسابات المعارضة كذلك؟
لا توجد ثوابت في السياسة، وحديث وزير الخارجية التركية يحتمل من التأويل والتحليل الكثير، وتبقى تغيرات الميدان هي اللغة الواضحة التي تعكس مواقف الأطراف التي قد تظهر معالمها بوضوح عقب لقاء أردوغان وبوتين في سوتشي في الخامس من شهر أغسطس/آب القادم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.