حرك التحقيق الاستقصائي الذي أجرته شبكة "سي إن إن" الأمريكية حول عمليات تهريب الذهب السوداني، والتي تقوم بها شركة "فاغنر" المرتبطة بالحكومة الروسية ورئيسها بوتين، ودور جنرالات الجيش وقائد ميليشيات الجنجويد في هذه العملية الكثير من المياه الراكدة في المشهد السوداني.
ولكن في الوقت نفسه لم يكن مفاجئاً للكثيرين، لأن عمليات تهريب الذهب أصبحت معروفة للمجتمع السوداني، من خلال القصص المتداولة وعمليات الضبط العديدة التي كان مسرحها مطار الخرطوم الدولي، والحدود الشمالية مع الجارة مصر.
ويعرف السودانيون أيضاً أن الحكومة- ممثلة في جنرالات الجيش وقائد ميليشيا الجنجويد- مرتبطة بصورة مباشرة بهذه العمليات منذ فترة طويلة، وبالتحديد قائد ميليشيا الجنجويد الذي كون ثروته الأساسية عبر تهريب الذهب إلى ملاذات آمنة مثل مدينة دبي في الإمارات المتحدة.
تهريب الذهب.. قمة جبل الجليد فقط
حتى الآن لم يخرج خبر رسمي من الحكومة ينفي أو يطعن في مصداقية التقرير، وبعيداً عن الأرقام التي ذكرها التقرير، وهي أرقام قد يتفق معها المرء أو يخالفها، إلا أن ما حواه التقرير كشف للملأ وعلى المستوى الدولي ما يجري في قطاع التعدين في السودان، والذي أصبح قطاعاً جاذباً وذا تجاذبات دولية وإقليمية مهمة يمثل فيها جنرالات الجيش وقائد الجنجويد رأس الرمح فيها.
وقد يجادل البعض بأن توقيت صدور التقرير هو بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وأن هذا التقرير من ضمن الأساليب التي تتبعها الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية لتشكيل ضغط على روسيا وخنقها اقتصادياً، ولكن مع ذلك فإن التقرير كشف للجميع حجم الفساد الذي تشكل في الدولة، وكيفية استغلال قيادات الجيش مورداً هاماً من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، بينما باقي الجيش يرزح تحت وضع اقتصادي مزرٍ للغاية، وغلاء في الأسعار وتضخم لم يسبق له مثيل.
فسادٌ سيحاسب عليه كل من ثبت تورطه في هذه الجريمة طال الزمن أم قصر، بداية من أقل مسؤول وحتى جنرالات الجيش وقائد ميليشيا الجنجويد، الذين لا يتوانون عن حرق البلاد وضرب استقرارها في سبيل أن يستمر حكمهم لحماية مصالحهم ومصالح الدول الداعمة لهم إقليمياً ودولياً.
حميدتي.. وحمى الذهب الذي لا يهدأ
لا يخفى على السودانيين مدى ارتباط قائد ميليشيا الجنجويد بعمليات التعدين عن الذهب وتهريبه في جميع ربوع السودان، حيث أصبح للرجل أذرع في أي مكان يتم فيه اكتشاف الذهب، وذلك من خلال شركاته المتعددة، وعلى رأسها شركة الجنيد التي أصبحت إمبراطورية اقتصادية بحالها يُديرها المقربون منه، وعلى رأسهم شقيقه عبد الرحيم دقلو الذي ظهر على مسرح الأحداث فجأة مع صعود شقيقه الصاروخي في المشهد السياسي والأمني والعسكري السوداني.
وآخر ما رُشح لنا وبحسب مشاهدات على الواقع، فإن اهتمام قائد الجنجويد تحول إلى مورد آخر بعد مورد جبل عامر الذي نضب أو قارب على ذلك، حيث اعتكف الرجل في مدينة الجنينة بغرب السودان منذ أواخر شهر مايو/أيار الماضي بذريعة تحقيق المصالحات بين المكونات القبلية بعد الحرب الأهلية الدامية التي جرت فيها في نهاية العام الماضي.
وبالرغم من أن القتال الذي نشب في هذه المنطقة تم تصويره على أنه نزاع قبلي، إلا أن ما جرى هو عبارة عن عملية تهجير قسري للمكونات القبلية التي تسكن في هذه المنطقة وبالتحديد في منطقة جبل مون الذي هُجّر جميع سكانه من أجل إعداده لعمليات التنقيب التي تقوم بها الشركات المملوكة لقائد الجنجويد، حيث يتواجد قائد ميليشيا الجنجويد بشكل شخصي للإشراف على هذه العملية.
وهذا يخبرنا بأن الرجل ماضٍ في تحقيق حلمه في السيطرة على الاقتصاد السوداني من خلال تحكمه بشكل مباشر في أغلى مورد يزخر به السودان، وهو ما يمكنه لاحقاً من فرض الأمر الواقع للتربع على كرسي الحكم بطريقة أو أخرى، بينما قيادات الجيش يغضون الطرف أو بالأحرى خائفون بشكل شخصي من الرجل الذي أصبح قوة لا يستهان به في المشهد الأمني السوداني وبمساعدتهم، ولكن مع ذلك ما زال الحراك الثوري قائماً، وهو ما لم يتمكن الرجل من كسره حتى الآن، وهو ما يتطلب من الجميع أن يتكاتفوا سوياً لتقليم أظافر الرجل، بداية وحذفه من المشهد السياسي لاحقاً، حتى لا يتحول السودان إلى نسخة من سوريا الأسد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.