السّم في العسل.. هل استحق مسلسل “وش وضهر” كل هذه الضجة التي أُثيرت حوله؟

عدد القراءات
1,646
عربي بوست
تم النشر: 2022/08/01 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/01 الساعة 12:17 بتوقيت غرينتش
مسلسل "وش وضهر" / الشبكات الاجتماعية

قليلة هي المسلسلات التي تتركك داخل "حالة" مختلفة، وتخلق داخلك شغفاً لزيارة أماكن جديدة، وفضولاً لتجربة أشياء لم تجرّبها من قبل. مسلسل يخطفك ويجبرك أن تكمل حلقاته الـ 10 بفضول واستمتاع بكل تفصيلة، ليس هذا فحسب، بل إنك سوف تنتهي منه وتجدك تكتب عبر صفحتك الشخصية بمواقع التواصل عن مدى إعجابك بهذا العمل "الجميل"، لكن هل هذا كل شيء؟ إليك تجربتي في مشاهدة مسلسل "وش وضهر".

هكذا خطفتني الحلقات الأولى

بداية رائقة للمسلسل، تبدأ مع صوت جمال -الراوي والبطل- ذلك الموظف البسيط في واحدة من شركات الأدوية، والذي يترقى من مهمة لأخرى داخل الشركة التي يقتله الملل داخلها، فيقضي وقته يطالع نشرات الأدوية يتعرف على التراكيب ودواعي الاستعمال، والأعراض الجانبية والأسعار، ويتابع أيضاً سرقات زملائه للمواد المخدرة من المخزن، والتي يقيدونها في الدفاتر باعتبارها "توالف"، حتى تأتي اللحظة الفارقة، حين يفوت أتوبيس الشركة، ويجلس في تلك المنطقة الصحراوية القاحلة في انتظار أي أمل، ليظهر له شخص في سيارة ويمنحه -بالخطأ- مبلغاً مالياً كبيراً، ويرحل تاركاً جمال الذي يصير لاحقاً "جلال" في حيرة شديدة من أمره، هل يبلغ الشرطة، أم يخبر زوجته مايسة، أم ماذا، هكذا يسارع إلى المنزل كي يخبرها، لكنه وبمجرد أن يفتح الباب حتى تعاجله بقفص فيه فأر، تلقيه في أحضانه وتخبره أن يأخذه بعيداً، ليس في الشارع، ولا حتى في المنطقة، فقط عليه أن يبتعد قدر الإمكان..
هكذا تعاجله الإجابة فيسارع عبر السلالم التي تحمل رسم "طائرة" ليحرر الفأر ويتحرر هو أيضاً، يركضان معاً بعيداً لتبدأ رحلة جديدة بطلها جمال الذي يصير عقب تزوير بطاقته "دكتور جلال- طبيب الباطنة" وبصحبته "ضحى" العاملة التي يغريها المال فتصير راقصة أفراح شعبية درجة ثالثة، لتتراجع عقب حادث تحرش بها وتصير ممرضة مزيفة لدى طبيب مزيف.

لماذا كل هذا الضجيج؟

من وقت لآخر، تجد مسلسلاً ما، يحتل اهتمامات الأصدقاء على الصفحة الرئيسية لموقع التواصل الاجتماعي، فجأة يصير الجميع معجباً بذات العمل الذي يشاركون آراءهم حوله، حتى يتحول اسم العمل "هاشتاج" يضم عشرات الآراء المؤيدة والمعارضة، المعجبة، والغاضبة، حتى إن البعض صار يعتبر الغاضبين من المسلسل "مرضى نفسيين".

لم أنتبه لـ "وش وضهر" حتى صار "تريند" يتحدث عنه الجميع من حولي، حتى النقاد يشيدون به، ويعتبرونه من أهم ما تم تقديمه في الدراما التلفزيونية مؤخراً. هكذا قررت أن أشاهده أخيراً، لأرى هل يستحق الأمر كل هذا الضجيج؟

منذ اللحظة الأولى في المشاهدة أدركت أنني أمام عمل مميز، ولأن  "الجواب بيبان من عنوانه" بدا المسلسل واضحاً بداية من التتر الملغز الذي يخبرك أنك بصدد عالم متداخل، لتبدأ رحلة من المتعة البصرية الصافية، صار معها كل موقع تصوير "متعة للناظرين" هكذا تحول المصنع إلى كادر جمالي، وصارت "العيادة في طنطا" حميمة وقريبة جداً لنفسي كمشاهدة، كادرات الشوارع والغيطان، الداخلي والخارجي، كان العمل كاملاً، بالنسبة لي، مناسبة لراحة عيني، تصالحت مع كل زاوية وشعرت كأنني عثرت على ضالتي أخيراً.

علمت السر حين ظهر فجأة اسم عبقري الديكور عاصم علي، أذهلني أن أعرف أن العيادة لم تكن سوى "ديكور" وليس منزلاً قديماً حقاً في طنطا. تأملت تفاصيل "البلاط" والجدران، والمساحات، فشعرت بأجواء طنطا التي أعرفها جيداً. عاصم سبق له الإشراف الفني وإعداد الديكور لأعمال مثل "ليه لأ" و"الآنسة  فرح" و"أبو صدام".

ما الجميل في هذا المسلسل؟

يتضمن مسلسل "وش وضهر" عدداً من التفاصيل الاستثنائية التي صنعت منه -برأيي- مسلسلاً استثنائياً، أضعها في نقاط مثل:

اختيار طنطا وتسليط الضوء باعتبارها مدينة "جميلة"، ربما للمرة الأولى تظهر  تلك المدينة المصرية المهمة والاستثنائية، والتي ارتبطت في أذهان كثيرين من قبل بشخصيات شهيرة؛ مثل الكاتب أحمد خالد توفيق، وطبيب الغلابة المصري محمد مشالي، وغيرهما من الشخصيات الحميمة، مع إبراز سمات المدينة وما تتميز به من طعوم؛ مثل "حلوى المولد" و"حلوى المدلعة" وهي عبارة عن "كنافة وبسبوسة وفي النصف قشطة وعليها كراميل وشيكولاتة وبندق ولوز".

منح مساحة للتصوير في براح الأراضي الزراعية بطريقة لم تدخل قلبي هكذا ربما منذ شاهدت الفيلم الشهير "خرج ولم يعد".

ظهور وجوه منسية مثل ميمي جمال ومحمود قابيل، مر وقت طويل على ظهورهما الأخير على الشاشة، كذلك ظهور شريف دسوقي -سبعبع في مسلسل 100 وش- جالساً على كرسي متحرك، عقب بتر قدمه في الحقيقة، في إشارة إلى ضرورة منحه فرصاً أكبر للتمثيل.

وش وضهر

تقديم شخصيات من ذوي الهمم مثل كريم لؤي، ونوجا عزام بطريقة مميزة دخلت القلوب. 

وش وضهر

التناص مع أعمال قديمة مثل فيلم "الأفوكاتو" في المشهد الأخير من المسلسل؛ حيث الظهور الوحيد لمحمد ممدوح، في دور محامٍ تشبه طريقته "حسن سبانخ " الشهير، وهو يقول: "سيادة القاضي، حضرات المستشارين، إحنا قدام قضية سهلة وبسيطة"، ليرد القاضي: "بقولك إيه يا أستاذ حسن يا ريت تخش في الموضوع على طول، من غير مقدماتك المعتادة".

فن الإقناع شديد

صار اسم مريم أبو عوف مقترناً بالأعمال المتقنة، التي يمكن للمرء أن يشاهدها بثقة وهو يعلم جيداً أن صاحبة الشأن لن تخذله، مخرجة تبحث عن تفاصيل حقيقية، تراها منذ اللحظة الأولى سوف يلفت نظرك كم كل شيء "حقيقي" ويشبه الواقع إلى حد بعيد، بداية من شعر ريهام عبد الغفور- صاحبة الأداء المذهل– فاقع الصفرة، والذي ظل غير مقنع للمخرجة، فراحت تصبغه مرة بعد أخرى، وتوافقها في ذلك ريهام، حتى جاءت اللحظة التي اقتنعت فيها أخيراً أن اللون "بلدي" بما يكفي، مروراً بملابس وإكسسوار الممثلين والتي تشبه الواقع حتى إنني، ربما للمرة الأولى، لم أشعر بغرابة، تلك هي ملابس الناس في الأماكن التي يمثلها العمل، هكذا يعيشون وهكذا ينسقون ملابسهم، هذا عمل حقيقي جداً، وعلى غرار "المخرجة الثقة" يأتي دور "الكتابة الموثوقة" لورشة سرد، تلك التي تتمكن من بناء جمل وحوارات قوية تمتع المشاهد وتتركه سعيداً منتشياً، حتى صار نجاح المسلسل، متخطياً لـ "توقعات أبطاله".

وش وضهر
المخرجة المصرية مريم أبو عوف

ثغرات غير منطقية 

نعم عمل جيد جداً، لكنني لم أستطع أن أفوّت بعض الثغرات، اعتبرتها إهانة لذكاء المشاهد، فمثلاً، كيف لطبيب شهير وموثوق أن يسمح لطفل بقياس نبض المرضى، من المريض الذي يمكن أن يقبل بوجود طفل في مكان الكشف؟

كيف يمكن لطفل بهذا الذكاء الشديد، أن يرسب في الثانوية العامة، وبناء على القاعدة ذاتها، كيف يمكن لشخص  لديه هذا القدر من الشغف بالأدوية والأسماء الطبية والأعراض الجانبية والمواد الفعالة ان يكون فاشلاً في حياته؟

المشكلة الحقيقية في شخصية جمال/جلال أنها غير منطقية من الألف للياء، الساكنون من تلك النوعية لا يبادرون بشيء في حياتهم يستسلمون لأمثال مايسة -الزوجة الحانقة- ولا يحركون ساكناً، ويعجزون عن الإتيان بأحداث كبرى في حياتهم من النوعية التي قام بها جمال في حياته. التحول الجذري في الحياة من النقيض للنقيض بحاجة لشخصيات مغامرة وليست تلك النوعية المستسلمة الخانعة التي تهرب وتختبئ باستمرار.

السم في عسل "وش وضهر"

وش وضهر

حسناً، عقب كل هذه العظمة، هل تم استغفالنا جميعاً؟ سأروي القصة من البداية، مرة أخرى، منذ الحلقة الأولى، ورغم إعجابي الشديد بكل التفاصيل، وجدتني أشعر بصدمة بذلك الانتقال المفاجئ لشخصية ضحى، الفتاة القروية الطيبة، التي تنصر الحق دائماً، من العمل في مصنع حلوى إلى العمل في الرقص الشرقي بالأفراح، بالرغم من المنطقية الشديدة في كل الأحداث، لكن هذه النقلة بالذات لم تكن طبيعية مهما تم التمهيد لها بتفاصيل من عينة حاجة عائلة ضحى للمال بعد وفاة الأب، وكونها المسؤولة عنهم، وكل تلك الأشياء.

تذكرت الشابة المكافحة التي تساعدني في تنظيف منزلي، كيف تلتزم بغطاء الرأس حتى ونحن معاً دون رجال، كيف تحرص على بنطال أسفل العباءة، هل يعلم صناع المسلسل أن أغلب فتيات الريف "المحافظات" من عينة ضحى يخشين ارتداء "البنطلون" باعتباره أمراً غير مستساغ، يلتزمن دينياً بطريقة -في رأيي- تفوق أمثالهن في الحضر، كيف إذا حدثت تلك النقلة فجأة بهذه الطريقة.

الأدهى أنني حين حاولت أن أعبر لوالدتي عن إعجابي بالمسلسل، بدأت أحكي لها تفاصيله فوجدتني أقف عند تلك التفصيلة وأنا أقول لها "اشتغلت رقاصة بس كانت محترمة وبتحافظ على نفسها" تلك هي النتيجة النهائية التي قادتني لها الحلقة الأولى من المسلسل، لتتوالى النتائج لاحقاً، عقب حالة الانبهار والاستمتاع والسعادة بالعمل المتقن، الجيد جداً في الحقيقة، وجدت مجموعة من الرسائل حملها العمل ضمناً لآلاف المشاهدين:

  • لا بأس بالسرقة .. حرامي سرق حرامي، إذن براءة للجميع.
  • لا بأس لرجل أن يترك زوجته معلقة ويتركها دون كلمة لأنها لم تكن توليه اهتماماً واحتراماً.. إذن هي تستحق الهجر والتعليق.
  • لا بأس بتزوير البطاقات الشخصية إن كانت ستشكل بداية لحياة جديدة.
  • لا بأس لطبيب مزوّر أن يمارس عمله في علاج الناس بناء على معلومات عامة.. سيتدبر أمره وسيشفى الناس فعلاً.
  • لا بأس بطبيب وممرضة مزيفين أن يقوما بتوليد سيدة دون أي معرفة سابقة بالأمر.
  • لا بأس أن تنتقل فتاة ريفية من النقيض للنقيض لأجل زيادة راتبها.
  • لا بأس في عمل الراقصة فهي امرأة تكد وتشقى وتبذل مجهوداً كبيراً.
  • لا بأس بالزنا والحمل سفاحاً إن كان الزواج سيتم في النهاية.
  • لا بأس بالسجن.. سينتهي سريعاً، ونخرج في كامل لياقتنا لنستأنف حياتنا من جديد، كأن شيئاً لم يكن.
  • لا بأس بانتحال صفة ووظيفة واسم؛ لأن حكمها خفيف؛ عامان حبساً أو غرامة 300 جنيه، أو كلاهما في حال تكرار الجريمة!

هذه ملاحظات ربما يراها البعض "مبالغة" أو "إغراقاً في المحافظة"، لكنني أراها حياداً عن المنطق والجودة التي التزمها المسلسل، والتي أردت لها كمشاهدة أن تستمر للنهاية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رحاب لؤي
كاتبة صحفية متخصصة في الفن
كاتبة صحفية، عملتُ في العديد من الصُحف والمواقع الإلكترونية، أحب الرسم والقراءة والأداء الصوتي
تحميل المزيد