بعد اندلاع الحرب الأوكرانية بدأت الأزمة في العلاقات الروسية- الإسرائيلية تظهر إلى العلن، خصوصاً بعد تسلم يائير لابيد رئاسة حكومة تصريف الأعمال في إسرائيل، حيث إنه ما زال أسير ذكريات الحقبة السوفييتية، وطريقة تعاملها مع الهجرة اليهودية، وبالتالي يعتبر روسيا صديقاً غير موثوق به كونها الوريث الطبيعي للاتحاد السوفييتي.
لذلك اتخذ قراره في الاصطفاف التدريجي مع التحالف الغربي المناوئ لروسيا في الحرب الأوكرانية، ما أثار حفيظة الروس، فبدأوا باتخاذ إجراءات تحذيرية، منها دعاوى أقامتها وزارة العدل الروسية ضد الوكالة اليهودية "سخنوت"، إضافة إلى ما جرى سابقاً من فلتة لسان مقصودة من وزير خارجية روسيا، لافروف، حول الأصل اليهودي لهتلر، قابلها دعم إسرائيل لقرار تعليق عضوية موسكو في مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، بسبب غزوها لأوكرانيا واتهام روسيا بارتكاب جرائم حرب في بوتشا الأوكرانية.
وهناك من يروّج الآن إلى أن العلاقات الإسرائيلية الروسية دخلت في مرحلة حرجة، وأن إسرائيل باتت مستعدة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد روسيا، إذا ما أصرت موسكو على حظر أنشطة الوكالة اليهودية على أراضيها، حيث هددت إسرائيل علانية بالانضمام إلى العقوبات الغربية.
بالمقابل، ورداً على ذلك، تستطيع روسيا التوقف عن مراعاة المصالح الإسرائيلية في سوريا، وبعد ذلك ستجد القوات الإيرانية نفسها على مقربة من مرتفعات الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل (مغطاة إما بالدفاع الجوي الإيراني أو الروسي)، وفي هذا السياق كشفت وكالة "تنسيم" الإيرانية، المقربة من الحرس الثوري الإيراني، عن اتفاق بين الجيش السوري والإيراني والروسي، لوضع منظومات الدفاع الجوي الروسية إس- 300 وإس-400 تحت سيطرة السوريين. ولكن ينبغي القول إن معلومات الوكالة الإيرانية لم يتم تأكيدها رسمياً من قِبل روسيا أو سوريا.
فما مدى صحة هذه التكهنات؟ وهل بات تبادل اللكمات بين روسيا وإسرائيل أمراً لا مفر منه؟
في الحقيقة الأمور لم تصل بين الطرفين إلى خط اللارجعة، خصوصاً أن حالة توازن القوى بين الأطراف الدولية المنغمسة في الحرب السورية فرضت أن تكون سوريا بالإجمال كرة تتقاذفها هذه الأطراف، وليس ملعباً تتبدل عليه خريطة توزيع النفوذ، وذلك نتيجة توافقات أمريكية روسية سابقة، وإن باتت هشة بعد حرب أوكرانيا، وبالتالي أي إجراء من أي طرف لا يحترم هذه التوافقات سيؤدي إلى خلل ينذر بانفجار عواقب كارثية، وهذا ما لا يرغب به أحد.
من هنا تُجمع هذه القوى على أن يكون الحل الوحيد المتوفر حالياً للاستثمار في هذه الحرب هو بتأجيل الحلول، والحفاظ على الوضع القائم.
وبالتالي فإن المسار المستقبلي للعلاقات الروسية الإسرائيلية مرتبط إلى حد كبير بنتائح الانتخابات الأمريكية النصفية القادمة، ونتائج الانتخابات المبكرة في إسرائيل، فإذا ما فاز الحزب الجمهوري في هذه الانتخابات وحاز الأكثرية في مجلسي الشيوخ والنواب، فسيتم لجم جموح الرئيس بايدن، بحيث سيعود شعار أمريكا أولاً إلى الواجهة، وبالتالي تصبح إسرائيل بحاجة ماسة لترميم علاقتها مع روسيا من أجل تأمين هجرة اليهود الروس بسلاسة، نتيجة حاجة الحركة الصهيونية لأصواتهم في المستقبل، حيث يعتبر هؤلاء مبدئياً من الجناح العلماني.
وتزيل هذه النتيجة الإحراج أمام إسرائيل، حيث تصبح أكثر تحرراً في موقفها من الحرب الدائرة في أوكرانيا، أما فوز جناح نتنياهو فسيكون عاملاً إضافياً يساعد على إعادة الدفء إلى العلاقات الروسية الإسرائيلية، بحيث يبقى الصراع على أسواق الغاز بين روسيا وإسرائيل مشكلة مؤجلة إلى عدة سنوات قادمة.
ومن يتخيل يوماً أن إسرائيل ستقف بالمرصاد لروسيا، بحيث تمنعها من استباحة الأجواء السورية، وقصف أي هدف داخل سوريا مهما ساءت العلاقات بينهما تكون تخيلاته بالتأكيد نوعاً من الهذيان الذي لا شفاء منه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.