تخطف العقول الروسية وتقوم بأعمال استخباراتية.. لماذا جمدت روسيا نشاط الوكالة اليهودية على أراضيها؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/28 الساعة 08:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/28 الساعة 09:27 بتوقيت غرينتش

اندلعت أزمة قانونية سياسية بين روسيا وإسرائيل خلال الأيام الماضية. الأزمة كانت قد بدأت قانونية – إدارية، بعيداً عن الإعلام منذ عام تقريباً، لكنها تدحرجت إلى سياسية ومعلنة بداية الشهر الجاري مع تحويل وزارة العدل الروسية طلباً إلى المحكمة المركزية في موسكو لوقف نشاط الوكالة اليهودية، بحجة تجاوزها القوانين المحلية ورفع إسرائيل السقف السياسي، والقول إن القضية ستترك تداعيات خطيرة على العلاقة بين الجانبين، ما استدعى ردّاً حادّاً نسبياً من الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قبل أن يتدخل زميلها الناطق باسم الرئاسة، دمتري بيسكوف، لتلطيف الأجواء وإبقاء الأزمة في السياق القانوني الإجرائي، وهو نفس ما فعله الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتزوغ في سياق التهدئة وإعادة القضية إلى الكواليس وإبعادها عن التجاذب السياسي الإعلامي.

القصة باختصار أن الوكالة اليهودية شبه الحكومية التي مقرها المركزي في إسرائيل، وكان هيرزتوغ نفسه رئيساً لها منذ سنوات قليلة، تنشط في روسيا، ولكن كمنظمة محلية، وكما هو معروف فالمنظمة التي أسست حتى قبل تأسيس الدولة العبرية تعمل أساساً على تشجيع وتنظيم الهجرة إلى فلسطين المحتلة، ومساعدة المهاجرين على التكيّف والاندماج مع واقعهم الجديد. ومنذ عام تقريباً، أي قبل الغزو الروسي لأوكرانيا أرسلت لها السلطات الروسية رسالة رسمية تلفت نظرها إلى تجاوز القوانين المحلية تحديداً فيما يتعلق بجمع المعلومات عن مواطنين روس بشكل غير قانوني وحتى دون موافقتهم، كما قيامها بتشجيع هجرة الأدمغة والنخب تحديداً من الجيل الشاب إلى خارج البلاد.

الوكالة اليهودية وكعادتها تعاطت بلا مبالاة وغطرسة مع الموضوع وربما ظنت أنها فوق القانون وتستطيع أن تفعل ما يحلو لها في ظل العلاقات السياسية والوثيقة بين الجانبين، والبيئة السياسية المساندة والداعمة بقوة للدولة العبرية في محيط الرئيس فلاديمير بوتين، والنتيجة أنها تجاهلت التحذير ومضت قدماً وكأن شيئاً لم يكن، علماً أنها نجحت في تسهيل هجرة 20000 يهودي من روسيا خلال العام الجاري فقط، مع رقم قريب من أوكرانيا أيضاً في استغلال انتهازي للغزو الروسي والوقائع التي أفرزها.

بالمقابل أيضاً لم يكن هناك أي ردّ فعل من السلطات الروسية، ولم تسعَ لمتابعة القضية، لا قانونياً ولا حتى سياسياً، وظل الموضوع حبيس الأدراج، أو على الأقل في ظل سياقه البيروقراطي الإداري الإجرائي، وبعيداً عن الإعلام طوال عام تقريباً، إلى أن قامت وزارة العدل أوائل يوليو/تموز الجاري، ودون سابق إنذار، بتقديم طلب رسمي إلى المحكمة المركزية في موسكو لحظر نشاط الوكالة، بصفتها منظمة محلية تجاوزت القوانين المرعية. وهنا اختلف التعاطي تماماً، وتحوّلت القضية إلى سياسية وإعلامية بامتياز.

حيث دعا رئيس الحكومة الإسرائيلية، يئير لابيد، إلى اجتماع عاجل ضمّ وزراء من أصول روسية ويتحدثون لغتها بطلاقة (زئيف ألكين وأفيغدور ليبرمان) وموظفين رفيعي المستوى في الوزارات والوكالات المعنية، وحذر ليبد علناً مما وصفه بتأثير القضية الخطيرة على العلاقات مع روسيا، بموازاة تسريبات وتعليقات في وسائل الإعلام الإسرائيلية حول الموضوع أجمعت معظمها على اعتبار التحرك الروسي سياسياً تماماً ومرتبطاً مباشرة بارتفاع سقف الموقف الإسرائيلي تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا.

الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروف، وهي واحدة من أبرز المعبرين عن المواقف الرسمية، ردّت بتأكيد الإطار أو الخلفية السياسية للقضية ومتسائلة في إشارة مباشرة إلى يئير ليبد، هل يعتقد هؤلاء أن نشاطاتهم وتصريحاتهم لن تترك تأثيراً على العلاقات، وهم انحازوا لا إلى الشعب الأوكراني، وإنما إلى النظام نفسه متماهين تماماً مع اللغة الغربية التحريضية والمهووسة، حسب تعبيرها الحرفي؟

وهنا ثمة أمور وملاحظات عديدة يجب أن تقال، حيث ينتمي يئير لابيد إلى إسرائيل القديمة (الكيبوتسية)، التي تعتبر نفسها جزءاً من المنظومة الغربية، ولذلك تبنى عندما كان وزيراً للخارجية، ثم رئيساً للوزراء، مواقف قوية وصريحة ضد الغزو الروسي، أقرب بالعموم إلى مواقف الغرب، وأبعد من المواقف الرسمية للحكومة والمؤسسة الأمنية الحذرة والمركزة فقط على الدعم الإنساني المنافق والانتهازي لأوكرانيا في مواجهة الغزو، دون الانخراط في الأبعاد أو الجوانب السياسية له.

في السياق، لا بد من الإشارة إلى أن لابيد يسعى كذلك إلى تلميع نفسه والتقرب أكثر إلى الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي؛ لتكريس صورته القيادية وعلاقاته الدولية. وعليه كان لافتاً أيضاً أن ما سمى إعلان القدس-صدر على هامش زيارة جو بايدن لفلسطين المحتلة-  أشار إلى الأزمة في أوكرانيا مع تأكيد على دعم سيادة ووحدة أراضيها، وبدا الأمر، ولو من حيث المبدأ، رفعاً لسقف التعاون والتنسيق الإسرائيلي مع أمريكا والغرب، وهو ما أزعج الروس بالتأكيد، إضافة إلى رفع مستوى المساعدات الإنسانية أو الإغاثية الإسرائيلية لكييف؛ لتشمل مساعدات ومعدات "غير فتاكة" مثل الخوذ وسترات الإنقاذ لفرق الطوارئ، وما إلى ذلك.

الوكالة اليهودية في روسيا
رئيس الوزراء الإسرائيلي لابيد/رويترز

في هذا المسار بدا لافتاً أيضاً دخول وزير الدفاع، الجنرال بيني غانتس، على الخط فيما يشبه التأنيب لرئيس وزرائه عبر تأكيده على استمرار التنسيق الأمني مع روسيا في سوريا، الذي لم يتأثر بإطلاق صواريخ روسية في مايو/أيار الماضي لمرة واحدة ضد الطائرات الإسرائيلية، ولو بعد مغادرتها الأجواء السورية فيما اعتبر مجرد رسالة تحذيرية إلى تل أبيب.

والآن تسير الأزمة نحو سياق واضح للتهدئة، حيث تدخل الناطق باسم الرئاسة الروسية، نافياً الطابع السياسي لها، بينما حاول الرئيس الإسرائيلي سحب القضية من التداول والسجال السياسي والإعلامي وإعادتها إلى السياق القانوني الإجرائي والعمل دبلوماسياً خلف الكواليس لإنهائها.

 التهدئة حضرت أيضاً في موافقة روسيا على استقبال وفد تكنوقراطي يضم خبراء وقانونيين من إسرائيل، ما اعتبرت إشارة أولية على الرغبة في حلّ الأزمة، واعتبار الرسالة السياسية قد وصلت لتقليص الدخول الإسرائيلي على خط الأزمة الأوكرانية.

وبالعموم ثمة احتمال كبير لتغليب فرضية التسوية والحل الوسط والهدف الروسي الأهم تمثل بكبح جماح يئير لابيد عبر الانصياع للمؤسسة العسكرية الأمنية الحذرة تجاه الأزمة الأوكرانية والتي تتحاشي الانخراط السياسي فيها كي لا تغضب موسكو، بينما حاول لابيد استغلالها لتقوية حضوره وعلاقاته مع الزعماء الغربيين مع الانتباه إلى أن أول زيارة خارجية له كانت إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وأول لقاء رفيع المستوى له بتل أبيب كان مع الرئيس الأمريكي جو بايدن.

في الأخير باختصار وتركيز، لاشك أن الأزمة أكدت تمسك الجانبين الإسرائيلي والروسي بالعلاقات الوثيقة والعمل الهادئ والحثيث لحل المشكل الطارئ بينهما، ولكنها أكدت من جهة أخرى العبارة الشهيرة والصحيحة لهنري كيسنجر، القائلة إن إسرائيل لا تملك سياسة خارجية، بل داخلية فقط، كما أكدت في السياق حقيقة هزال وتراجع المؤسسة السياسية والحزبية برمتها لدرجة أن الرئيس هيرتزوغ المفتقد أيضاً للكاريزما والقدرات، والذى انهار حزب العمل تحت قيادته، بات بمثابة وزير أعلى للخارجية، ومندوب سياسي ودبلوماسي، ليس فقط تجاه تركيا وإنما روسيا أيضاً، في تعبير جلي عن عمق الأزمة القيادية في الدولة العبرية والتي تضاف إلى المؤشرات والتناقضات البنيوية فيها كمستعمرة غريبة وطارئة وبالتالي حتمية زوالها ولو بعد حين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ماجد عزام
كاتب وإعلامي فلسطيني
تحميل المزيد