"أنا عاوزه آخد إجازة بقى".. في اتصال هاتفي بإحدى صديقاتي قمت بالإجابة عن سؤالها عن أحوالي بالجملة السابقة، كانت المكالمة بالكامل في اليوم الأخير من إجازة عيد الأضحى، التي دامت لتسعة أيام متواصلة، تفاجأتْ صديقتي بطلبي، لم أُبرر الأمر لها، ولكنني فيما بعد عرفت أن ذلك الشعور سببه الأصلي أني لم أشعر بالإجازة من الأساس، ليس كسلاً أو طمعاً في أيام جديدة من الراحة، أو حتى عدم الرغبة في الانتظام في العمل من جديد، كما يمكنني الاعتراف بأن شعوراً دائماً بالضغط والتوتر لازمني طوال أيام الإجازة، بل قبل بدايتها بيومين على الأغلب.
في الإجازات لا وقت للروضات أو المدارس، ما يعني غياباً تاماً للأوقات التي يخلو فيها عليك المنزل، فلا يمكنك شرب كوب من الشاي الساخن، أو الاستمتاع بمشاهدة فيلم هادئ، أو حتى إمكانية غسل البوتاجاز في هدوء دون مئة سؤال وألف شجار بين الإخوة، أو طلب كوب من الشاي من زوجك.
أو حتى الذهاب لعملك لتحقيق بعض الإنجاز الشخصي والخروج من قوقعة المنزل والبيت والأولاد.
بقي هذا الشعور يراودني إلى أن بدأت بالبحث عن سبب شعوري بالضيق طوال أيام الإجازة، عندما قرر الكثير من أصدقائي مشاركة كلام يعكس نفس مشاعري عبر صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، من أنهم لم يستمتعوا بأيام العطلة، لأعرف أنني لست وحدي، وأتخلص من شعوري بتأنيب نفسي بأنني امرأة "نكدية".
في الواقع إن الشعور بالتوتر والاكتئاب في أثناء الإجازات يشعر به الكثير من سكان العالم، ويعود ذلك الإحساس إلى أسباب مختلفة، منها ما أصابني شخصياً، ومنها ما أشعر أنه منطقي جداً حتى لو لم أمر به.
لا أتمنى أن أمر به على أية حال.
في السطور القادمة أوضح لك كل تلك الأسباب، وأُبين لك طرقاً للتعامل مع ذلك الشعور، كما سنوضح نوعاً آخر من الاضطرابات التي تأتي دائماً بالتزامن مع الإجازات، وهو اكتئاب ما بعد الإجازات أو holiday blues.
أسباب الشعور بالضيق والاكتئاب أثناء الإجازات الطويلة
رغم أن الإجازات جُعلت لكي يشعر الناس بالاسترخاء والراحة، وليتخلصوا من أعباء وضغوط الحياة العملية، وليقوموا بشحن طاقاتهم مرة أخرى لمواصلة الحياة، فإنها تتحول بالنسبة للكثيرين إلى شعور بالضيق والاكتئاب والرغبة في انتهاء الإجازة، فما الأسباب وراء ذلك؟
1- الإرهاق الزائد
وُجدت الإجازات ليشعر الناس بالراحة، فكيف الحال مع أُم من طبقة متوسطة لديها طفلان اثنان في سن صغيرة، هل يمكن أن تشعر بالراحة والاسترخاء في إجازة طويلة؟
الإجازة الطويلة نسبياً تعني إقامة كاملة في دور الزوجة والأم، في الأوقات العادية تقوم كل امرأة من الطبقة المتوسطة إلى الطبقات الأقل بدور الزوجة والأم بدوام كامل تقريباً، ولكن لنتمتع ببعض الصدق فهناك أوقات قليلة يمكنها أن تنفرد بنفسها قليلاً، حتى ولو كانت ستنفقها تفكر في أولادها وزجها. مثل أوقات ذهاب الزوج إلى العمل أو أوقات التمارين والروضات أو المدارس، أو حتى أوقات تواجدها نفسها في عملها.
تأتي الإجازات لتهدم كل تلك الأوقات، وتبقى دائماً في دور ربة المنزل.
2- بعض الأعباء المادية
تحتاج الإجازات الطويلة إلى أموال، لا تعرف السبب تحديداً، ولكنه على الأغلب لأنه يكون الوقت الوحيد المتاح للقيام ببعض النزهات، لذا إن لم تكن قد حددت ميزانية سابقة خاصة بالإجازات فسيداهمك الشعور بالقلق والضغط بسبب الأمور المادية، إما لعدم قدرتك على الاستمتاع بسبب عدم توافر النقود، أو لأنك ستنفق كل ما لديك من أموال فتشعر بالقلق فيما بعد الإجازة.
3- عدم القدرة على إظهار حالتك النفسية الحقيقية
كانت تلك النقطة فاصلاً تحديداً بالنسبة لي، كنت أشعر أحياناً بالتعب والضيق، لكنك لا يمكنك التعبير عن مشاعرك السلبية في الإجازات، تحديداً لا تقوم الأمهات بذلك.
أتحدث عن أم من طبقة عادية في مصر، فالأم يجب أن تتحمل صراخ الأطفال المتواصل بسبب الشجار على قطعة ورق ملقاة على الأرض قرروا جميعاً فجأة أنها ملك لهم، أو الإجابة بابتسامة سمجة عن سؤال "نتغدى إيه النهاردة"، بينما لا تزال أطباق وجبة الإفطار في حوض المطبخ.
4- بعض الواجبات العائلية
يمكن أن يشعر بعض الأفراد بالضيق أو التوتر، وصولاً للاكتئاب في إجازات الأعياد تحديداً، لأنها تفرض بعض التجمعات العائلية التي يمكن أن ينفر منها البعض.
في المجتمعات الشرقية، وأياً كان ما تؤمن به من ديانات فإننا نرى أن صلة الرحم واجبة، وأن الإنسان الذي يقطعها سيغضب منه الإله، ولأن الحياة مشاغل كما نعلم فهيا بنا لنتجمع في أيام الإجازات الرسمية، وهو الأمر الذي قد يثير اضطراب بعض الأشخاص، بسبب عدم توافقهم مع أشخاص بداخل العائلة أو غيره من الأمور.
5- صعوبة الموازنة بين الحياة العملية والحياة الشخصية
تشكو صديقتي التي تعمل بأحد المواقع الإخبارية، وهو الأمر الذي يضطرها للعمل يومياً حتى في أيام العطلات الرسمية، من أنها تشعر بضغط مضاعف، خاصة في أيام عطلات الأعياد، بسبب وجود أطفالها وزوجها، واضطرارها للعمل في تلك الأيام، مع احتمالية وجود زيارات عائلية في نفس أوقات عملها، ما يجعلها تشعر باستحالة تحقيق التوازن.
الأمر نفسه كنت أشعر به بشكل آخر، أنا شخص يحب العمل، الكتابة هي الشيء الوحيد الذي أقوم به لأشعر بوجودي، في أيام عطلات الأعياد تفوت أيام لا يمكنني الكتابة فيها؛ ما يعني الشعور بالقلق والتوتر.
طرق فعالة لتجنب التوتر والاكتئاب أثناء العطلات
رغبةً مني في عدم قضاء كل إجازاتي القادمة وأنا يراودني القلق، بحثت عن عدة طرق يمكن من خلالها تفادي ذلك القلق، أو الوصول به إلى أقل معدلاته، من بين تلك الطرق:
1- لا بأس بقليل من الفوضى
إحدى المشاكل في الإجازات هي وجود أعمال لا تنتهي، لا بأس من الاسترخاء والتمتع بالإجازة حتى ولو ترك الصغار خلفهم بعض الفوضى ولم أتمكن من ترتيبها في الحال.
2- تحديد ميزانية من قبلها
للتخلص من كل الضغوطات المادية سأقوم بتحديد ميزانية منفصلة مستقلة للإجازات، خاصة عند الترتيب للسفر أو قضاء عدة أيام خارج المنزل، يجب توفير الميزانية وتحديدها قبلها بمدة كافية.
3- تعلَّم قول "لا"
يجب ألا تضطر للقيام بأي تواصل مع شخص يسبب لك أذى نفسياً، لا ندعو بالطبع لقطيعة الرحم، لكن عليك أن تضع في الحسبان إن كانت زيارة خالتك ستسبب لك ضرراً فاكتفِ باتصال هاتفي، أو قم بالزيارة وحدد مدةً معينة لها، بحيث لا تقضي مثلاً أكثر من 20 دقيقة مع ذلك الشخص.
4- حاول أن تفكر فيما يجلب لك المتعة
اختَر كتاباً لطيفاً لتقرأه في أثناء سفرك، ارتدِ ملابس مريحة بألوان مبهجة مختلفة عن شكل ملابسك في الأيام الروتينية العادية.
هل أعاني من اكتئاب بعد الإجازات أو ما يسمى holiday blues؟
اكتئاب ما بعد الإجازات أو متلازمة ما بعد الإجازات هي ضائقة قصيرة الأمد، يمكن أن يشعر بها الإنسان بعد الإجازات الطويلة، كما يمكن أن يشعر بها بشكل أسبوعي بعد الإجازات الأسبوعية، وهذا هو الفرق الأوضح بينها وبين ما شعرت أنا به في أثناء الإجازة، فالمصاب باكتئاب ما بعد الإجازة يشعر في أيام عطلته بالفرح والانطلاق، ويصاب بالتوتر بعد قضاء الإجازة والاضطرار للعودة للعمل.
من أهم أعراضه: التوتر العصبي، القلق، الحزن، شعور بالرهبة من الرجوع للعمل مرة أخرى.
يجب الانتباه إلى أن تلك المشاعر طبيعية ومقبولة ما لم تدُم أكثر من أسبوع على الأكثر، وإن دامت أكثر من ذلك فيجب عليك التعرف على الأسباب بعقلانية أو استشارة مختص.
تعود holiday blues لأسباب أهمها معرفة الضغط المنتظر في العمل بعد فترة من الإجازة، كما أن العودة للعمل والتخلي عن الراحة والاستمتاع يمكن أن تصيب بعض الأشخاص بالاضطراب.
في النهاية، سواء أكنت تشعر بالتوتر أثناء الإجازات أو بعدها، فلا تشعر بالضيق أو أن بك خللاً ما، فنحن كثيرٌ يا صديقي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.