ربما كان من المستحيل أن يقدم على حين غرة بائع أحذية إلى كرة القدم، ويعلن تمرده على "الكاتيناتشو"، المدرسة الدفاعية السائدة آنذاك في إيطاليا من الستينيات، من أيام صراعات قطبي ميلانو، إنتر ميلان وآي سي ميلان، بقيادة المخضرمَين نيريو روكو وهيلينيو هيريرا، المدربَين اللذين أضافا للدوري الإيطالي ذاك الطعم التنافسي المحض، وقضوا على الهجوم، مركزين على "الكاتيناتشو" التي أصبحت لاحقاً تسمى المدرسة الإيطالية التقليدية.. لكن ذلك المستحيل لا ينطبق على أريغو ساكي.
في تلك الحقبة كانت الأفكار الدفاعية المعتمدَة في إيطاليا هي نظام دفاع رجل لرجل، مع مدافع متأخر يسمَّى "الليبرو"، واستطاعت المدرسة الإيطالية القديمة تحت لواء إنتر ميلان حصد لقبين من دوري أبطال أوروبا ولغريمه الميلان اثنان كذلك، ولإيطاليا كذلك لقبا كأس العالم.
لكن كان لابد من أفكار جديدة ثورية تفضل تضييق ومراقبة المساحات عن تلك التي تستعين بمراقبة لاعبي الخصم والمدافع اللصيق للمهاجم وللاعب الخصم.
لا شك أن تبني هذه الأفكار قضت على الكثير من الصرامة الدفاعية والقتالية لدى اللاعبين الطليان، وخفضت من مفعول قوة المدافع نسبياً.
"الكاتيناتشو" كانت نوعاً أسود من كرة القدم، كرة دفاعية تفتقد للمتعة، همجية أكثر من كونها مسلية، أريغو ساكي قدم كي يضيف للكرة الإيطالية طعم المتعة، نقلهم من التكتل الدفاعي أمام المرمى إلى الفرقة التي تلعب ككتلة واحدة، منظومة متناسقة، دون تلك التي وصفها بكرة الخوف، قائلاً:
"كرة القدم الإيطالية هي كرة الخوف، نهاجم بلاعبين وندافع بعشرة، الشبّان يبقون على مقاعد البدلاء، والناس لا تأتي إلى الملاعب".
وصول أريغو ساكي لميلان كان يعني بداية ثورة في عالم كرة القدم، ميلان أمتع فريق مر على كرة القدم، كرة القدم الهجومية و الدفاعية كرة جماعية، حيث المتعة، أكثر شيء أثار الانتباه في فترة الميلان الضغط العالي ومصيدة التسلل.
كرة القدم ساكي كان عنوانها الجماعية والتناسق بين الهجوم والدفاع والقضاء على المدرسة الإيطالية التقليدية السيئة. حين وصل للميلان من بارما تم تقزيمه من قبل الإعلام الإيطالي، مشيرين إلى أنه كيف لهاوٍ لم يمارس كرة القدم ولا يحمل شهادة أن يحمل زمام أمور البيغ على عاتقه، فرد عليهم بجملته الشهيرة:
"لم أكن أعرف أنه كي تصبح فارساً، يجب أن تكون في السابق حصاناً".
كانت فترة ساكي مع ميلان استثنائية للغاية، تجربة عكس التيار المعروف، تمرد كلي على الطليان، فريق يقال عن أنه أعظم من لعب كرة القدم.
ساكي فاز بكل ما هو ممكن مع البيغ، قاده لكل شيء ممكن، قدم درساً لإيطاليا، نجح في كل شيء، غيَّر مفهوم كرة القدم، قاد اللعبة من مرحلة بائسة لأهم مراحلها اليوم.
الحديث عن هذا المدرب يتطلب سلسلة مقالات، فحياة ساكي متشعبة بالأحداث، مدرب قلَّ نظيره في كرة القدم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.