“زعيم المختارة” يثبت دهاءه مرة أخرى.. هكذا حصّن وليد جنبلاط البيت الدرزي

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/27 الساعة 08:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/27 الساعة 11:25 بتوقيت غرينتش
القيادي الدرزي اللبناني وليد جنبلاط/رويترز

مهما اختلفت في السياسية مع وليد جنبلاط، زعيم المختارة؛ فلا بد من التسليم بدهاء الرجل الذي خبر السياسة اللبنانية في مختلف مراحلها، وها هو اليوم يسلم الشعلة لتيمور في أصعب الظروف اللبنانية، ولكن في أفضل وضع ممكن بالنسبة للحزب التقدمي الاشتراكي.

أجواء ما قبل الانتخابات

دخل الحزب التقدمي الاشتراكي الانتخابات مطوقاً، فقد استطاع حزب الله جمع كل أعداء المختارة في لائحة واحدة، وتجمعت قوى المجتمع المدني التغييرية في لائحة رئيسية واحدة، وهي المجموعات التي تحدث عنها وتخوف منها جنبلاط مراراً. إضافة لفقد جنبلاط عدة حلفاء في الدائرة، بداية من الوزير السابق ناجي البستاني الذي انتقل إلى الدفة المقابلة، وخسارة دعم الجماعة الاسلامية في إقليم الخروب، وأهمها خسارة دعم تيار المستقبل الذي أردف اللائحة بـ15 ألف صوت في الانتخابات الماضية.

تحصين البيت الدرزي

في ظل هذه الظروف تصرف جنبلاط كعادته ببراعة كبيرة عن طريق الميل مع الريح. أولاً، سلم جنبلاط بخسارة معقد، ووضع هدف أساس وهو عدم خسارة مقعد مروان حمادة، وهو ما كان، فلم يرشح نعمة طعمة، ووزع أصواته ببراعة على تيمور ومروان، وهو ما كان. فقد نجح الحزب بتوزيع أصوات طعمة باحترافية عالية، كما حشد التقدمي كل طاقته في إقليم الخروب، وقسّم أصواته بين مرشحين ثلاثة، واستعمل في الحشد كل الوسائل الممكنة، المشروعة منها وغير المشروعة، ليحقق هدفه في النهاية بوصول حمادة إلى رقم الأمان، وهو تخطي عتبة الـ11 ألف صوت، وهو ما كان. وعليه حقق جنبلاط الهدف الأول بتحصين البيت الدرزي.

الاستفادة من العاصفة

ثانياً، أبلغ جنبلاط من قبل خبراء إحصاء بأن حظوظ مارك ضو بالفوز في عالية على حساب أرسلان، فما كان منه إلا أن استغل الريح العاصفة ليميل معها ويستخدمها ويقوى اندفاعاتها ليخلي ساحة الجبل أمام تيمور من التهديدات الدرزية الثقيلة، ويتركه ينافس أقرانه من المجتمع المدني، فيكون بذلك جنبلاط الأب قد استفاد من الموجة ليحقق هدفاً لم يكن قبل عدة أشهر بالحسبان.

الحظ يساعد

ولأن لكل مجتهد نصيباً، ولأن الحظ لا يأتي إلا للمثابرين، نجا جنبلاط من انقلاب السحر على الساحر وفقدان المقعد السابع في الدائرة. فلائحة توحدنا للتغيير لم تكن بعيدة عن حاصلها الرابع الذي كان سيجعل جنبلاط يخرج منكسراً من الساحة السنية في الجبل، وهي سابقة لم يشهدها جنبلاط من قبل، ولم يشهدها في هذه الدورة بالاجتهاد الأقصى من جهة، وبالحظ من جهة أخرى، ليخرج من معركة الجبل محققاً أهدافاً أغنته عن خسارة مقعد كان متوقعاً.

مسار مشابه في ضواحي الجبل

لم تقتصر مجهودات المختارة على الجبل، بل تعدتها للبقاع والجنوب وبيروت؛ ففي الأقضية الثلاثة كان دور الحظ أعلى بكثير من دور الخطط؛ ففي البقاع الغربي خرقت لائحة المجتمع المدني لائحة جنبلاط بالمقعد السني، وهو ما أفاد جنبلاط؛ لكون المقعد السني كان سيؤول للنائب المستقبلي السابق محمد القرعاوي وليس لجنبلاط، إلا أن هذا الخرق من المجتمع المدني جعل الحاصل الثاني على لائحة جنبلاط من نصيب غسان سكاف عن المقعد الأرثوذوكسي، وهو من المرجح أن يكون ضمن كتلة جنبلاط البرلمانية على عكس القرعاوي.

بيروت تخطيط وتوفيق

في بيروت، وبغض النظر إن صح الحديث عن الصفقة مع الرئيس بري أم لا، فقد عرف جنبلاط في أي لائحة يضع نائبه؛ فقد أودع الصايغ في لائحة يُتوقَّع لها حاصلان: الأول لسني والثاني للأول بين الطوائف الأخرى. عمل الصايغ جاهداً ليكون هذا الموقع من نصيبه، ولكنه فشل في ذلك؛ لكون ميشال فلاح حل أولاً بين الطوائف غير السنية على اللائحة. لكن لحسن تدبير أو لحسن حظ الحزب التقدمي الاشتراكي فاز ملحف خلف من لائحة بيروت التغيير على حساب ميشال فلاح، ليؤول الحاصل تلقائياً للصايغ.

إفراغ الساحة

أخيراً، في دائرة الجنوب الثالثة، تحت مظلة التفاهم الدائم بين عين التينة والمختارة، وافق جنبلاط على مروان خير الدين مرشحاً توافقياً في الدائرة المذكورة، وهو صهر أرسلان والوجه المصرفي المعروف، وهو ما لم تفهمه ولم تتقبله القاعدة، إلا أن النتيجة شهدت لجنبلاط. فقد أرخى جنبلاط الحبل بعدم الالتزام بالقرار، وهو ما جعل خير الدين لا يصل للألفي صوت ويخسر المقعد في مقابل دعم حركة أمل لجنبلاط في الجبل وربما بيروت.

في المحصلة، حصد جنبلاط 9 مقاعد نيابية، ليجلس بين كتلتين في أمس الحاجة إليه في كل قرار في البرلمان، فيعود بذلك بيضة القبان التي لا يمكن الحسم دونها، ويخلي الساحة لتيمور من أقطاب لها وزنها داخل الشارع الدرزي التاريخي.

في هذه الرحلة صمدت المختارة بكثير من الدهاء ومثلها من الحظ، إلا أن أي لعبة لها تبعاتها السلبية، فقد فقدت المختارة الحلفاء السنة في إقليم الخروب، وغزت زعامة درزية جديدة نشيطة شبابية ومدعومة في الجبل، كما أوقدت الأحقاد بين اليزبكية و"الجنبلاطية"، وهو ما يضع بين يدي تيمور فرصاً ونقاط قوة عديدة، ويضع تحديات وازنة في الوقت نفسه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد فواز
كاتب وباحث سياسي
مهندس مدني، حاصل على ماجستير في العلاقات الدولية
تحميل المزيد