قراءة في ملف المحبوسين احتياطياً

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/26 الساعة 08:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/26 الساعة 08:49 بتوقيت غرينتش

منذ أن بدأت الدعوة الكريمة التي حملها الرئيس عبد الفتاح السيسي للناس في نهاية شهر رمضان الماضي بالحوار الوطني حول القضايا المختلف عليها، لم يغفل كل المعنيين بالحوار تقريباً عن المطالبة أو الرد على دعوات الإفراج عن الموقوفين، سواء بالنسبة لمن يقضي من هؤلاء عقوبة السجن بعد الأحكام الصادرة بحقهم، أو المحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا مختلفة.

وكان كل الحديث تقريباً منصباً على جهة واحدة وهي الموقوفين في قضايا الرأي، وغير المتورطين في جرائم أخرى؛ كالسرقة والقتل أو خلافه. وبالطبع كان ذوو الموقوفين من هؤلاء قد أفعمهم الأمل بوجود مناسبة من هنا أو هناك للإفراج عن هؤلاء؛ لذلك تلقف الكثيرون الدعوة للحوار للإفراج عن هؤلاء، خاصة وقد أعيد تشكيل لجنة للعفو عن هؤلاء منذ عدة أسابيع، وكانت هناك مناسبات عدة مردت الدولة فيها على الإفراج عن الموقوفين كعيدي الفطر والأضحى وشهر رمضان وذكرى أحداث 30 يونيو 2013. 

وحتى يكون الأمر محدداً ومعروفاً، فإن المقصود بالموقوفين في قضايا الرأي المعنيين بالحديث، هم أولئك الذين تم توقيفهم من قبل أجهزة الأمن السياسي بسبب رأي مكتوب أو رأي مذاع عبر وسائل إعلامية تقليدية أو وسائل تواصل اجتماعي، يضاف لهم كل من شارك في موقف احتجاجي سلمي كالتظاهرات أو الاعتصامات أو الإضرابات. داخل تلك الفئة، فإن المقصود بالإفراج عن هؤلاء، هو الإفراج عن كل من لم يتورط منهم عملياً في أية أعمال عنف مباشر أو دعوة مباشرة وصريحة لممارسة العنف، والخروج عن إطار السلمية، وهؤلاء عددهم كبير، ولكنه غير معروف بدقة، وتتوارد فيه تصريحات كثيرة بين السلطة كبضعة آلاف قليلة، أو عشرات الآلاف، كما تصف المعارضة على اختلاف مشاربها. 

بالنسبة للشق الخاص بالذين صدرت بحقهم أحكام قضائية من سجناء الرأي وفق التعريف السابق، فهؤلاء في ذمة الأحكام الصادرة بحقهم، أو ذمة رئيس الدولة الذي بيده حق العفو الدستوري عنهم، وهؤلاء رغم كثرتهم، إلا أن عددهم يبدو أقل بكثير من عدد المحبوسين احتياطياً. فوفقاً للمادة 155 من الدستور "لرئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مجلس الوزراء العفو عن العقوبة، أو تخفيفها ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون، يقر بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب". وقد نظم قانون العقوبات في الباب 11 منه بالمواد 74 و75 و76 كافة أمور العفو الرئاسي، سواء بالعفو الكامل عن العقوبة أو تخفيفها. 

أما بالنسبة للشق الخاص بالمحبوسين احتياطياً في قضايا الرأي وغيرها من القضايا، فيحكمهم في التشريع المصري ثلاثة تشريعات؛ قانون الإجراءات الجنائية، وقانون الإرهاب، وقانون الطوارئ.

في الحوار الوطني الذي بدأت إجراءات التحضير له، لكنه لم يبدأ بعد على أرض الواقع، لم يكف كافة المشاركين تقريباً عن المطالبة بعمل لجنة العفو بسرعة، مع مناشدة رئيس الدولة بإصدار قرارات العفو عن سجناء الرأي الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية. لكن كما ذكر في المؤتمر الصحفي للمنسق العام للحوار ضياء رشوان يوم 19 يوليو/تموز 2022، فإن القسم الآخر، وربما الأهم أي المحبوسين احتياطياً، هو دستورياً ليس بيد رئيس الجمهورية، بل بيد النيابة العامة. جدير بالذكر أن النيابة العامة هي بالفعل من يقدر الأمور ويحكم القانون لا السياسة، وتستطيع أن تكيّف وتوازن وتدرك مدى جدية الأعمال المطالبة بتجديد حبس هؤلاء، من قبل الجهات الأمنية، بدعوى طلب بقاء أو تجديد الحبس على ذمة قضايا أخرى، وذلك كله كلما تم استنفاد مدة أو مدد الحبس الاحتياطي في القضايا الأساسية التي تم إيقاف الناس بسببها.

واقع الأمر أنه قد ظن البعض أن أمر المحبوسين احتياطياً متروك للنيابة، أو لتدخل محامي المحبوسين احتياطياً فقط أمامها. لكن يبدو أن ثمة سابقة مهمة وخبراً أعلن في الماضي، يشي بخلاف ذلك. 

بالنسبة إلى السابقة، فقد قام بها الرئيس المؤقت للجمهورية عقب أحداث 30 يونيو/حزيران 2013 عدلي منصور، وهو الرئيس الأسبق للمحكمة الدستورية العليا، بمعنى أنه رجل ذو شأن وخبرة قانونية كبيرة. فعندما كان يتولى الرئيس "منصور" مهمة الرئاسة بشكل مؤقت، ناشد النائب العام التدخل للإفراج عن المحبوسين احتياطياً. ففي 27 يناير/كانون الثاني 2014، وتحت عنوان "الرئيس يناشد النائب العام إعادة تقييم موقف الطلاب المتهمين" قالت جريدة الوطن (قال مصدر قضائي بالنيابة العامة إن مناشدة الرئيس عدلي منصور للنائب بالنظر في أمر المقبوض عليهم خلال الأحداث الأخيرة، خاصة الطلاب، يعني إعادة تقييم موقفهم وفقاً للتحقيقات وليس توجيهاً باتخاذ أي قرار تجاههم). وقال المصدر (إن تلك المناشدة تعني الإسراع في إجراء هذا التقييم الذي تقوم به النيابة في جميع التحقيقات التي تباشرها فيما يتعلق بالأحداث الأخيرة).

أما بشأن الخبر المعلن في الماضي، فيظهر من خلاله وجود طريقة أخرى للتدخل للنظر في أمر المحبوسين احتياطياً؛ إذ أعلنت إدارة التوجيه والتواصل الاجتماعي بمكتب النائب العام في يوليو/تموز 2020 ما أسمته بالخطوات الكفيلة بالتقدم ببلاغات للنائب العام دون الحاجة لتوكيل محام، وأعلنت عن رقم هاتف لتلقي المظالم عبر تطبيق واتساب، وأرشدت بأن هناك 5 خطوات لتقديم الشكاوى بشكل تفصيلي. كما أشارت إلى أن المتقدم بشكوى سيحصل على رقم يتابع من خلاله الرد على شكواه. 

وهكذا يتبين أنه بخصوص المحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا الرأي، فإنه من السهولة بمكان رفع شكوى إلى النائب العام، فالأمر لا يحتاج إلى محامٍ، ولم يشترط على ما يبدو أن من يقوم بذلك جهة طبيعية فقط. بعبارة أخرى، إنه من الممكن أن من له صفة اعتبارية كمجلس أو حزب أو هيئة أن يتقدم بشكوى أو أن يرفع مظلمة؛ حيث سيتم تلقي الشكوى والرد عليها بشفافية وإنصاف. والمؤكد أن تدخل أية جهة اعتبارية في مثل هذه الأمور لن يكون إلا كما طلب في مناشدة الرئيس عدلي منصور السابقة، بمعنى أنه لن تعني التدخل في شؤون العدالة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمرو هاشم ربيع
نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية
تحميل المزيد