إن مواجهة التطبيع مع إسرائيل بحد ذاته وسيلة من وسائل مقاومة العدو الصهيوني والوقوف في وجه مخططاته الاستيطانية والتهويدية لفلسطين والوطن العربي بأكمله، واستمرار ملاحقة المسؤولين الصهيونيين ورفض استقبالهم والتعاون معهم في كل دول العالم.
وتتعدد الأدوات المتوافرة لمواجهة التطبيع، فما يصلح في موضع قد لا يصلح في آخر، وما قد يكون ممكناً بالنسبة إلى أحدنا قد لا يكون ممكناً بالنسبة إلى آخر. لكن الثابت هو أن أي مؤمن بالقضية الفلسطينية لن يعدم وسيلة لنصرتها، ولعل إحدى الطرق إلى ذلك رفض التطبيع ومقاومته.
يمكن القول إن كل خطوة يمكن أن تساهم في عزل "إسرائيل" على أساس جرائمها المتمادية، هي جهد مطلوب، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، وليس من خطوة يمكن النظر إليها على أنها صغيرة ومتواضعة بل هي خطوة تنضم إلى غيرها من الخطوات لتشكل حالة رافضة للاحتلال وللعلاقات معه، ولتكون واحدة من طرق مقاومة الاحتلال، إلى أن تسترجع الأرض والحق والمقدسات.
ويمكن لنا من منطلق متابعة الشأن العسكري والأمني الخاص بالصراع العربي الاسرائيلي أن نضع مجموعة من الأفكار لمواجهة ومقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، وذلك على النحو التالي:
أولاً: مواجهة التطبيع على المستوى الفردي
مقاومة التطبيع يمكن أن تكون عبر وسائل عديدة، من ضمنها التزام مقاطعة بضائع الشركات الإسرائيلية، وتلك الداعمة للاحتلال الإسرائيلي. كذلك، الامتناع عن المشاركة في الفعاليات الثقافية أو الفنية أو حتى ما يروج له من فعاليات تحت عنوان التسامح الديني للجمع بين المسلمين والمسيحيين ويهود من دولة الاحتلال.
وقد شهدت الأعوام الماضية نماذج مشرفة لحالات عديدة رفض فيها لاعبون عرب اللعب ضد لاعبين إسرائيليين، من باب رفضهم التطبيع مع الاحتلال. وفي هذه الحالات، فإن الالتزام الفردي لا يقل أهمية عن الالتزام الجماعي، لأن هذا الأخير يتعزز برفض الأفراد التماهي مع الإسرائيلي الذي يحاول أن يقدم نفسه في قالب إنساني ليرسم مشهداً عن دولة الاحتلال يفصلها به عن ماضيها وحاضرها الدموي ضد العرب والفلسطينيين.
ثانياً: مواجهة التطبيع على المستوى الجماعي
لا شك في أن الأحزاب والقوى الفاعلة على اختلاف أطيافها لها دور كبير في هذا المجال، لا سيما العمل على نشر الوعي على المستوى الشعبي للتعريف بخطورة التطبيع على القضية الفلسطينية والحق الإسلامي والعربي، والمساهمة في تعزيز الرفض الشعبي للتطبيع كجريمة وخيانة، والتركيز على أن التطبيع يبدأ بكسر الحاجز النفسي لدى الرافضين للاحتلال، ليحول هذا الرفض إلى صمت وقبول، وربما دفاع عنه وانحياز إليه.
إن تطور هذا الموقف بهذا الشكل يستدعي من قوى المقاومة الشعبية منها أن تحسم أمرها وتأخذ قرارها بعقد تحالفات عمل قائمة على المصالح المشتركة وفي مختلف المواضيع وكافة المستويات، تبدأ في الشق السياسي ولا تنتهي بالشق العسكري، لأنه من الواضح أن الدول المطبعة مع الكيان لديها الرغبة ومهتمة بتوثيق علاقاتها العسكرية مع إسرائيل، خصوصاً في ظل حالة التوتر التي تشهدها المنطقة مع إيران، مخاطر ذلك أن الاحتلال الإسرائيلي سيستثمر هذا القرار بتوفير القواعد العسكرية في المنطقة العربية، وفتح مياههم وأجوائهم وأرضهم أمام القوات الأمريكية والإسرائيلية، في حال تعرضت "تل أبيب" للخطر، أو قرر الثنائي "الأمريكي-الإسرائيلي" تسديد ضربات أو عمليات عسكرية ضد إيران أو المقاومة.
إن مقاومة التطبيع تحتاج منا إلى جهد كبير ووقت كثير من أجل الانتصار على العدو، وسلاح مقاطعة "إسرائيل" سلاح قوي ومؤثر في مواجهة التطبيع العسكري والاقتصادي والثقافي والفكري، وقد بذلت حركة مقاطعة "إسرائيل" جهوداً ونشاطات كثيرة في بلاد العالم كافة، واستطاعت التأثير من خلال المؤتمرات القوية التي عقدتها في أوروبا، واستطاعت الإضرار بالكيان من خلال تفعيل المقاطعة الاقتصادية والمقاطعة الفكرية والثقافية في أوروبا، حيث تم وقف استيراد منتجات المستوطنات ووقف التبادل الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية، ولقد شاهدنا الكثير من الرياضيين الأجانب والعرب يرفضون اللعب مع الرياضيين الصهاينة، كما شاهدنا تأثير سلاح المقاطعة في الكثير من المحافل الفكرية والثقافية التي شكلت صدمة في إسرائيل عندما واجهت الوفود الصهيونية الطرد والغضب ووصفهم بقتلة الأطفال؛ هذه الجهود وغيرها هي مقاومة شعبية وفكرية تأتي ضمن جهود المقاومة من أجل تحرير أرض فلسطين.
ثالثاً: ما السبيل لمواجهة التطبيع الأمني والعسكري
أبرز ما يجمع عليه أحرار العالم بمختلف أطيافهم السياسية، هو العودة إلى المقاومة ضد الاحتلال، في أشكالها المختلفة. لقد بات الاحتلال يسيطر على أجزاء واسعة من أرضنا من خلال سياسات الاستيطان ومصادرة الأراضي، مما يحتم علينا استنهاض شعبنا وإعادة صياغة وسائل الصراع ولفظ أوسلو ومخلفاته، واستنهاض القواعد الشعبية ضد المشروع الصهيوني التوسعي. بات إنقاذ المشروع الوطني الفلسطيني ضرورة في ظل التعقيدات والمؤامرات التي تحيط بنا، لا سيما التطبيع العربي الرسمي المتسارع مع دولة الاحتلال، في ظل استمرار الصمت الدولي على الجرائم التي تنتهجها "إسرائيل".
لذا، يجب إبراز الأصوات الرافضة للتطبيع من دول وجماعات وأفراد، وشجب أي شكل من أشكال التعامل مع الاحتلال ورفض الاعتراف بدولة الاحتلال على أي جزء من أرض فلسطين من خلال الخطوات التالية:
1. تشكيل جبهة عربية إسلامية لمقاومة التطبيع وتوحيد القوى الجهادية في المنطقة في كل الساحات، وإعادة الاعتبار للصراع مع إسرائيل كأولوية، يمكن أن تضم هذه الجبهة قوى ودولاً عربية وإسلامية رافضة للتطبيع، تقودها إحدى الدول الإسلامية معلنة الخطوة، عبر مؤتمر يضم الأعضاء المفترضين، وموجهة دعوة عاجلة للأنظمة والشعوب للالتحاق بهذه الجبهة التي تعمل للحد من التطبيع ووقف خطره على الأمن القومي العربي والإسلامي وكشف مخططات الاحتلال العدوانية على الأمة العربية والإسلامية.
2. تأسيس وحدات داخل المؤسسات البحثية مختصة بدراسة مخاطر ومستويات التطبيع مع دول العالم العربي، وتوضح الأهداف التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها في العالم العربي، من خلال الترويج الواسع لحجم علاقاتها مع العالم العربي، وإبراز المخاطر التي تترتب على التعاون الأمني والتكنولوجي بين الدول العربية وإسرائيل، بهدف تقديم الحلول والبدائل وشرح المخاطر.
3. تشكيل المجلس الإعلامي العالمي لمواجهة التطبيع والذي يتبع قيادة هذه الجبهة ويضم إذاعات وقنوات وصحفاً ومواقع وغيرها من المنصات الإعلامية، تحدد مسار عمل للقيام ببرامج توضح مخاطر التطبيع العسكري والأمني، وما تسعى إسرائيل إلى تحقيقه من خلال الترويج والمبالغة في موضوع التطبيع، وتشكيل منتدى من السياسيين السابقين المناوئين للتطبيع، حيث هناك الكثير في العالم العربي، مهمته توضيح الآثار السلبية التي تترتب على التعاون الأمني والتكنولوجي بين إسرائيل وبلدانهم. وتسعى لكشف مخططات التطبيع وأدواته وأساليبه وفضح أغراضه الأمنية والاستخبارية والعسكرية في العالم العربي والإسلامي وصولاً إلى كل مكان توجد فيه الجاليات العربية والإسلامية.
4. تطوير أداء محور المقاومة وزيادة زخم الفعل والتأثير على الأرض بحيث يسعى هذا المحور للتمدد والسيطرة لمنع توسع السرطان الصهيوني الأمريكي، بمعنى جعل كلفة التطبيع باهظة، فالدول التي تطبع وتفتح مطاراتها لطائرات العدو والتي تكون لاحقاً منطلقاً لهجمات على الأراضي العربية والإسلامية يجب أن تعلم أنها أصبحت في دائرة الاستهداف عند أي محاولة للسماح بالعدوان انطلاقاً من أراضيها هذا من جانب، كما يجب العمل بالبعد الاستخباري المضاد بشقه الدفاعي لتحصين العرب والمسلمين من الاختراق والإسقاط، والشق الهجومي بضرب أذرع الاحتلال الاستخبارية.
5. توفير كل سبل الدعم المالي وفتح قنوات وخطوط إمداد جديدة؛ لأن أي فعل مناهض سيمارس دوراً سياسياً وإعلامياً وعسكرياً يحتاج إلى دعم كبير ومتدفق، تساهم فيه القوى والمؤسسات والدول القادرة ضمن الجبهة الموحدة لمقاومة التطبيع.
6. تبني رؤية موحدة حول الأمن القومي العربي والإسلامي تسعى نحو إقامة منظومة فاعلة للأمن القومي العربي والإسلامي، تمكن الأمة العربية من الدفاع عن أمنها، وحقوقها وصيانة استقلالها، وسيادتها على أرضها وكل تراب وطنها العربي الكبير الممتد من المحيط إلى الخليج العربي وحماية منجزات الأمة، وقيمها من التهديدات الموجهة للأقطار العربية وللأمة العربية مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لا وجود للأمن القومي العربي طالما أن هذا السرطان الصهيوني الخبيث مستقر في قلب الوطن العربي.
الخلاصة
إن نجاح الخطوات السابقة والتي يمكن أن تكون لبنة في بناء فكرة ومشروع أكثر عمقاً قد يكتب لها النجاح حال استطعنا التحليق بعيداً خارج الجغرافية الفلسطينية، وبدأنا في نسج خيوط التحالف الجديد، وحشدنا لها وأقنعنا مراكز الثقل في العالم الإسلامي والعربي بتبنيها، وجيّشنا الشعوب لاحتضانها، وقررنا التوقف عن العمل العشوائي المشتت الذي يفتقد مقومات النجاح، ويتجرد من القدرة على التأثير.
لأن الناتج العام للتطبيع العربي الإسرائيلي سيصب في وعاء المكاسب الإسرائيلية على المستوى الاستراتيجي، ويحقق لها على هذا المستوى تفوقاً وتميزاً لا يمكن قياسه بأي معيار مادي أو اقتصادي، بينما يعرض سيادة الأقطار العربية مجتمعة ومنفردة، وأمنها القومي لاختراقات تكلفهم مصيرهم ومستقبلهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.