تشبه دبلوماسية أرباب نظام المحاصصة الطائفي في تعاملهم مع بعضهم البعض دبلوماسية المافيا الإيطالية، وهي بالتعريف "داعب الكلب بحنوّ حتى تتمكن من ضربه بحجر".
وتظهر هذه الدبلوماسية مع كل استحقاق دستوري أو سياسي في لبنان؛ حيث يتربص كل طرف بالطرف الآخر لتسجيل نقاط لصالحه، كأنهم يعيشون في العالم السفلي، أي عالم الجريمة.
ولتعريف كلمة مافيا في سياقها اللبناني لا بد من ذكر مصدرها؛ حيث هي تشكل الأحرف الأولى من الشعار الذي رفعه الطليان إبان الغزو الفرنسي لصقلية في القرن الثالث عشر، "Morta alla Francia Italia anela"، أي: "إيطاليا تتوق لموت فرنسا".
ويعود السبب في رفع هذا الشعار إلى أن جندياً فرنسياً اختطف فتاة إيطالية في ليلة زفافها؛ مما أشعل الغضب والغيرة في صدور الطليان، أما في السياق اللبناني فكلمة "مافيا" تعني مجازاً "موت اللبنانيين هي صرخة الطائفية".
الطائفية التي اختطفت روح لبنان منذ تأسيسه، وتستمر عبر أربابها في تدمير أي أمل لبقاء أي لبناني في بلاده، خصوصاً بعد أن دخل الرئيس عون معترك السياسة، وما زال يخوض غمارها ومبدؤه الأول هو "معاقبة من لا ذنب له"؛ حيث عاقب المسيحيين بشكل خاص إبان ترؤسه الحكومة العسكرية، وهو حتى اليوم يعاقب الشعب اللبناني بأكمله منذ توليه رئاسة الجمهورية. وهناك تخوف من أن يتشبث بالبقاء في قصر بعبدا بعد انتهاء مدة ولايته، خصوصاً أنه يعرقل تشكيل الحكومة؛ كي يختلق ذريعة عدم تسليم الحكم إلى حكومة تصريف أعمال عبر هرطقة دستورية ما.
لكن هذا التخوف ليس في محله؛ لأنه لا أمل له بالبقاء لحظة واحدة في قصر بعبدا بعد انتهاء مدة ولايته؛ حيث إن الدستور ينص صراحة على ضرورة مغادرته القصر الجمهوري فور انتهاء مدة ولايته، وهناك عرف بات ثابتاً يؤكد ذلك؛ حيث غادر الرئيسان إيميل لحود وميشال سليمان القصر الجمهوري بعد انتهاء ولايتيهما دون قيد أو شرط. الأحرى به أن يتمثل سلوك من سبقه حتى ولو حصل بعده الطوفان؛ لأن الطوفان ألطف بكثير من جهنم معه رئيساً.
مصطلح الفراغ الرئاسي لا وجود له في الدستور اللبناني؛ حيث هناك نصوص توضح كيفية التصرف إزاء الشغور في مركز رئيس الجمهورية، ولا اجتهاد في موضع النص.
وإذا كان الرئيس عون لا يرغب في شغور طويل في منصب الرئاسة، فعليه ألا يكرر خطأ الرئيس ميشال سليمان الذي وقع فيه باليوم الأخير من ولايته في 24 مايو/أيار 2014 على مرسوم رقم "11996" دعا فيه مجلس النواب إلى عقد استثنائي فاتحاً المجال أمام المجلس النيابي من أجل الاستمرار بالقيام بدورة التشريع بشكل عام، وبالتالي فتح المجال القانوني والسياسي أمام المجلس النيابي من أجل إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية، علماً أن الدستور ينص على تحول المجلس النيابي إلى هيئة ناخبة في الأيام العشرة الأخيرة من ولاية الرئيس.
هذا المرسوم هو الذي فتح الباب لشغور منصب رئيس الجمهورية لمدة سنتين ونصف، وأكبر موقف وطني للرئيس عون يكون بعدم التوقيع على مرسوم مشابه؛ لأن شل أعمال المجلس النيابي خلال الشغور الرئاسي ضروري من أجل إلزام هذا المجلس بانتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت. علماً بأن الدستور اللبناني والنظام الداخلي للمجلس يمنعان النائب عن التغيب عن الجلسات لمرتين خلال العقد الواحد، وبما أن النظام الداخلي لم يشتمل على عقوبات على المخالفين؛ لذلك نشهد حالة تسيُّب في عمل المجلس النيابي وتلاعب في تحديد نصاب جلساته وفق الأهواء السياسية السائدة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.