عندما قرأت في شهر يونيو/حزيران الماضي خبر تعيين رئيس هيئة الاستعلامات ضياء رشوان منسقاً عاماً للحوار الوطني في مصر، بالتزامن مع حديث عضو لجنة العفو الرئاسي كمال أبو عيطة عن وجود صراع بين تيارين في الأجهزة السيادية بخصوص التعامل مع ملف الحوار؛ إذ يسعى تيار للإفراج عن السجناء السياسيين، بينما يريد التيار الآخر الاستمرار في التوسع بالاشتباه والقبض على المواطنين، حسب تعبير أبو عيطة، قفز إلى ذاكرتي تقرير هام ورد في المجلد الثاني من الأوراق الخاصة بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والتي نشرتها ابنته هدى في خمسة مجلدات عام 2015، حيث تطرق التقرير إلى خلفيات تأسيس هيئة الاستعلامات في عام 1954.
تقرير سري من حسن التهامي لعبد الناصر
تحت ديباجة "سري للغاية وشخصي"، أرسل ضابط المخابرات العامة حسن التهامي تقريراً إلى جمال عبدالناصر في 7 ديسمبر/كانون الأول 1969 تناول فيه نشاط الاستخبارات الأمريكية في مصر عام 1953، خلال تعليقه على ما نشره ضابط الاستخبارات الأمريكي مايلز كوبلاند عام 1969 في كتاب نشره بعنوان "لعبة الأمم". وبحسب التقرير، فقد عمل التهامي في بداية انقلاب الجيش عام 1952 ضابطاً بالمخابرات الحربية تحت قيادة زكريا محيي الدين قبل تأسيس المخابرات العامة في عام 1954.
يقول التهامي إنه في أغسطس/آب 1952 حضر إلى مصر مايلز كوبلاند رفقة الملحق العسكري الأمريكي السابق في إيران، وطلبا مقابلة المشرف على أجهزة المخابرات "زكريا محيي الدين" بهدف فتح قناة اتصال سرية مع النظام الجديد بعيداً عن أعين البعثة الدبلوماسية الأمريكية في القاهرة، ووقع الاختيار على حسن التهامي ليقوم بمهمة ضابط الاتصال عبر تأسيس مكتب سكرتارية للمعلومات برئاسة التهامي يتبع قائد مجلس قيادة الثورة محمد نجيب، ويؤكد التهامي أنه رفع تقاريره بالأساس لزكريا محيي الدين وليس لنجيب، وهو ما حدث في ظل الصراع على النفوذ بين نجيب من طرف وعبد الناصر وزكريا من طرف آخر خلال تلك الفترة.
يضيف التهامي أن كوبلاند زار مصر لاحقاً رفقة مسؤول الشرق الأوسط في المخابرات الأمريكية كيرميت روزفلت، والذي أحضر خبيراً أمريكياً ليعطي للمصريين دورة قصيرة في الدعاية وأصولها، فضلاً عن دورة أخرى لكيفية بناء أرشيف معلومات، وبناء على دورة الدعاية المذكورة تأسست مصلحة الاستعلامات بقيادة ضابط المخابرات العامة عبد القادر حاتم، وخضعت مصلحة الاستعلامات إدارياً لإشراف وزارة الإرشاد القومي، سلف وزارة الإعلام.
أما ضابط المخابرات العامة عبد الفتاح أبو الفضل، فيضيف في كتابه "كنت نائباً لرئيس المخابرات" تفاصيل أخرى لما ذكره التهامي؛ حيث يؤكد أن المخابرات المصرية استفادت في تشكيل قدرتها على إعداد تقرير استخباري يومي لعبد الناصر من مساعدة رئيس قسم التقديرات الوطنية بالمخابرات الأمريكية تشارلز كريمانس، ويضيف أن برج القاهرة بُني بأموال أمريكية بلغت 3 ملايين دولار؛ حيث احتوى على منظومة متطورة للتنصت، ويضيف أن حسن التهامي كان هو المشرف على مشروع التنصت، لكنه أُزيح من المخابرات في عام 1957 بعد اكتشاف تسجيله مكالمات عبد الناصر نفسه.
ويُفهم من تقرير التهامي أن مصلحة الاستعلامات بمصر تأسست وفق نموذج "وكالة الولايات المتحدة للإعلام" التي نشأت عام 1953 في عهد الرئيس إيزنهاور، وتخصصت في الدبلوماسية العامة، ثم حُلت عام 1999 مع نقل مهامها إلى وزارات ووكالات أخرى.
ظلت مصلحة الاستعلامات منذ تأسيسها بمصر عام 1954 تتبع وزارة الإرشاد القومي إلى عام 1967؛ حيث تحول توصيفها الإداري إلى هيئة بدلاً من مصلحة بقرار من عبد الناصر، ثم مع تغيير اسم وزارة الإرشاد إلى وزارة الإعلام، قرر السادات في عام 1972 نقل تبعية هيئة الاستعلامات إلى وزارة الإعلام. وعقب ثورة يناير/كانون الثاني، وبالتحديد في عام 2012 أصدر د. محمد مرسي قراراً بنقل تبعية هيئة الاستعلامات إلى رئاسة الجمهورية، وما زالت كذلك حتى الآن.
خلال مسيرتها، نجد حضوراً قوياً للمخابرات العامة في هيئة الاستعلامات، ففضلاً عن تولي ضابط المخابرات العامة عبد القادر حاتم رئاسة الهيئة في بداياتها، فقد تولى رئاسة هيئة الاستعلامات أيضاً أمين هويدي (1965-1966) الذي تولى لاحقاً منصب رئيس المخابرات العامة عام 1967، وكذلك تولى ضابط المخابرات العامة ووزير الإعلام لاحقاً صفوت الشريف منصب رئيس مجلس إدارة هيئة الاستعلامات في عام 1978.
دور هيئة الاستعلامات وموازنتها المالية
يشير الموقع الإلكتروني لهيئة الاستعلامات إلى عدة مهام تقوم بها من أبرزها: الاضطلاع بدور (جهاز الإعلام الرسمي والعلاقات العامة للدولة، وتعميق أواصر الصداقة والعلاقات الوثيقة بين مصر والعالم الخارجي، بالإضافة إلى كونها مركزاً للدراسات السياسية والإعلامية، وبنكاً للمعلومات). وبجوار تلك الديباجة الرسمية، تشرف هيئة الاستعلامات على عمل المراسلين الأجانب بمصر، ولذا نجد أنها في أبريل/نيسان 2021 سحبت اعتماد مراسلة صحيفة "الغارديان" البريطانية في مصر، ثم أُجبرتها على المغادرة، كما وجهت تحذيراً لمراسل جريدة نيويورك تايمز بحجة نشره أخباراً مغلوطة عن انتشار فيروس كورونا داخل مصر.
وتملك هيئة الاستعلامات 9 مكاتب إعلامية بالخارج لرصد ما يقال عن مصر في الإعلام الأجنبي، وبالأخص في الدول ذات الأهمية من المنظور المصري، كما تشرف الهيئة على أنشطة مكاتب الإعلام الملحقة بالسفارات المصرية، أما داخل مصر، فتملك الهيئة 66 مركزاً للإعلام الداخلي بالمحافظات تختص برصد وقياس الرأي العام، وهي مهمة حساسة أمنياً.
يعمل بالهيئة نحو 2000 موظف، وتجاوز إجمالي ميزانيتها في العام المالي 2019-2020 مبلغ 346 مليون جنيه، فيما طالب ضياء رشوان برفع ميزانية الهيئة في العام المالي القادم 2022-2023 إلى 455 مليون جنيه، وهو ما يشير إلى أهمية الهيئة داخل دولاب الدولة بمصر.
توضح تلك الإطلالة الموجزة هوية الجهاز السيادي الذي تُحسب عليه هيئة الاستعلامات، والجهة الداعمة لضياء رشوان الذي يجمع حالياً بين منصب رئيس هيئة الاستعلامات منذ عام 2017 ونقيب الصحفيين منذ 2019، ومنسق الحوار الوطني فضلاً عن توليه سابقاً رئاسة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وبذلك نفهم بشكل أعمق تصريح عضو لجنة العفو الرئاسي كمال أبو عيطة عن الصراع بين الأجهزة السيادية حول ملف الحوار الوطني. أما النقطة الأخرى التي تحتاج لمزيد من البحث فتتعلق بمدى تقاطع المؤسسات المصرية التي نشأت منذ عام 1952 مع التوصيات الأمريكية، ومدى تلبيتها لمصالح الدولة لا مصالح النظام.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.