سِمة النفاق انتشرت في مجتمعنا كالهشيم القاتل، تدهس القيم بأحذيتها القذرة، تشعر بأن كل البشر اجتمعوا على أن يكافئوا المنافق الأكبر، فالموظف يتلذذ بالنفاق على مديره للحصول على رتبة أو مكانة ما، الصديق يتملق صديقه لإنجاز مصلحة ترضيه، الأنفس أصبحت تعمّ بالنفاق حتى أُغرقت القلوب في غيابات الجب، التقدير الحقيقي تبدل بالتقدير المادي، المنافسة باءت على أحرّ من جمر.. من يأخذ المركز الأول في التملق والنفاق على من حوله؟! إذا خدعت من حولك صرت ناجحاً وذكياً.. هذا إذاً زمن النفاق!
الحلول مخفية للأعين، لا نرى غير الضلال والكذب، الكره والحقد في النفوس أصبح السمة السائدة، عيون تنظر نحو أرزاق غيرها، قلوب تتحدى القدر، صدور تعج بالحروب، حياة كئيبة تملؤها المادة التي تقتل النفوس الطاهرة لتفسد الفطرة السليمة التي من المفترض أن تنعم بالسلام والحب والطيبة، على الرغم من تلك التغيرات التي حدثت في السنوات الأخيرة على كوكب الأرض في نفوس البشر، التي كانت التكنولوجيا وتطورها من أهم الأسباب التي أثرت على هذا التغير القاتم المؤلم، فإن لدى كوكب الأرض بعض الفئات المتمسكة بالروح الإنسانية فتبتعد عن المادة، لكنها للأسف ليست بذات التأثير الذي طلقيه الفئة المادية المنحلة من أي جزء روحاني، لكن ما هو السبب الحقيقي في ابتعاد الناس عن طريق النمو الروحاني الذي يؤدي إلى الله، الذي يوصل إلى الجنة التي من المفترض أن أي إنسان عاقل يبتغيها لتكون نهايته إليها، تساؤلات وأفكار وأقاويل لا نعلم مدى صحتها وأحقيتها، فالأسباب ليست مرئية للأعين، فالإنسان لا يرى غير الذي يريده فقط.. إلا لمن أراد أن يتصف بصفات ذي الألباب والعقول الواعية المستنيرة.
أسباب المادية
- الوضع الاقتصادي
من الطبيعي أن ينحدر الفكر الإنساني، وينظر النظرة المادية لمن حوله عندما يجد صعوبة في إيجاد لقمة العيش التي من المفترض أن تكون شيئاً بديهياً أمام الإنسان الآدمي، فحينها يتغلغل الفكر المادي في عقل المحتاج للمال ليعيش يومه، ومن المؤسف أنه حينها لا يستطيع التدبر والتفكر في أي شيء آخر.
- الشهوة الكامنة داخل النفوس
خُلق الإنسان وفي داخله شهوات كثيرة، ومن إحدى تلك الشهوات.. شهوة الأموال والتملك، لكل امرئ درجة متفاوتة عن غيره في حب تلك الشهوة، وما يجعل ذلك الحب يكبر أو يقل عدة أشياء، وهي:
أ- النشأة والتربية
ب- المستوى الاجتماعي
ج- العقيدة المنبثق منها الإنسان
- المشاهير ووسائل التواصل الاجتماعي
زَرعت فكرة التطور التكنولوجي وظهور السوشيال ميديا لدى كثير من المشاهير حب إظهار ما يمتلكون من بيوت أو سيارات أو ملابس أو أشياء أخرى للعلن لجماهيرهم، ما سبب تلك المعضلة الكبيرة التي أدت إلى أن تصبح المادية جزءاً مما يتمناه متابعو هؤلاء المشاهير، ما نلاحظه أيضاً أن الأطفال والمراهقين والأجيال الجديدة هم الفئة الأكبر استهدافاً للمادية، حيث من السهل أن يصبحوا أكثر مادية من الفئات الأخرى؛ لأنهم أقل نضجاً وخبرة في الحياة، ودائماً إذا لم يُربَّ النشء على القيم والأخلاق والدين سينجرف إلى ما لا يحمد عقباه.
- القدوة المزيفة
عندما يشار بالبنان إلى من يمتلك مالاً أكثر على كوكب الأرض بالنجاح والقيمة والإنجاز والتقدير.. فذلك يولد في قلوب من ينظرون لتلك الأمور بعيون قاصرة شعوراً بالقلة وعدم الثقة إذا كانوا لا يملكون الثروة الباهظة والضخمة التي يمتلكها أثرى أثرياء العالم، فالقدوة التي يشير إليها معظم وسائل الإعلام أنها نجاح ما هي إلا قدوة مزيفة لا فائدة لها غير أن تجعل الشباب هدفهم وشغلهم الشاغل هو الحصول على القدر الكافي للحصول على المال ليصبحوا أثرياء، ليقال لهم في آخر المطاف ناجحون ومنجزون وذوو أهداف سامية، والعكس هو الصحيح فهذا ما يزيد الإنسان انحطاطاً وبُعداً عن الأفكار الصحيحة.
- عدم ملء خزان الروح
الإنسان إذا كان دائماً يهمل روحه ولا ينميها بما أمر الله به من أوامر ونواهٍ، ثم يقع في مصيدة المادية، وستظهر أمام عينيه ستارة لن يستطيع أن يرى من خلالها الحق الذي يصلحه فيأخذه إلى الطريق الصحيح، وسيكون عبداً لنفسه، وستجره نفسه إلى كل الطرق الخبيثة للحصول على أموال، فالإنسان عليه دائماً أن ينمي روحه، فروحك مصدر سعادتك.
مهما تعددت الأسباب التي تؤدي للمادية فدائماً هناك حلول للفرد مهما ضاقت النفوس، فكلامي القادم ليس للفقراء والمحتاجين الذين لا يجدون قوت يومهم، بل سأقصد هنا من يمتلك ما يجعله يعيش عيشة كريمة ولا يمتلك الثراء الفاحش كالأغنياء، إذا لم يضع كل فرد هدفاً يستمر به على مدار حياته سيملّ ويفقد شغفه الذي يدفعه للعيش، وفي آخر المطاف سيودي بنفسه إلى التهلكة، أما إذا كان الإنسان دائماً يضع صوب عينيه أن الله يراه وأن ما يتمناه هو الوصول للجنة، وأن كل الحياة على وجه الأرض فانية ببيوتها وأموالها وبكل ما هو مادي، والباقي فقط الأمور المعنوية والصلاح والأعمال التي سترفع الميزان يوم القيامة أو تخسف به الأرض على حسب ما يقدمه الإنسان لآخرته.
إذا كان أحد أهدافك أن تظل بدون مال وتكون عالة على غيرك فهذا خطأ أيضاً، فالعمل والعبادة أساس خلقك على الأرض، فالتوازن هو الحل الأصوب في كل شيء، قال تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات – 56).
وقال تعالى: "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الجمعة – 10).
فنستشهد بالآيات السابقة أن العبادة والعمل مقترنان ببعضهما، ولا يصح شيء دون آخر، فكلاهما مهم ليقام إنسان صالح، فإن استحوذ أي شق على الآخر سيفسد الإنسان ويتوه في الدنيا، فإذا كان الإنسان يعمل ليصبح رجل أعمال ثرياً فيجب أن يكون داخله نية بأن يفيد مجتمعه وأمته ودينه، فالأعمال يحاسب عليها الشخص بنواياه الحسنة أو السيئة، ما علينا فقط أن نعطي للنوايا أهمية أكثر من ذلك، قال رسول الله ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى).
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.