بدأ الرئيس بايدن رحلته إلى الشرق الأوسط بالاجتماع مع القادة الإسرائيليين، لتوسيع العلاقات الأمنية مع الكيان الصهيوني، ومناقشة الجهود والتحركات الإيرانية في المنطقة، ثم ذهب بعد ذلك إلى جدة في المملكة العربية السعودية، حيث حاول طمأنة القادة الإقليميين- وبقية العالم- بأن إدارته لا تزال ملتزمة بالانخراط النشط في الشرق الأوسط، وعدم السماح لروسيا أو الصين بتوسيع نفوذهما الجيوسياسي فيه. وكان أحد الأهداف الأساسية من الزيارة إعادة ضبط العلاقات مع السعوديين، في سبيل البحث عن طرق لخفض أسعار الغاز والنفط المرتفعة في الولايات المتحدة، والتي أسهمت في انخفاض كبير في شعبية بايدن.
وبدأت عملية إعادة الضبط بانتقادات إعلامية واسعة، بعد اجتماع بايدن بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي اتهمته الولايات المتحدة بالضلوع في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي. وقال بايدن إنه ناقش مقتل خاشقجي مباشرة مع ولي العهد السعودي، حيث شدد على التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان. وظل محمد بن سلمان غير آبهٍ بالاتهامات، ولم ينحنِ في وجه الضغط الأمريكي، وقال لبايدن إن الولايات المتحدة ارتكبت أخطاءً وجرائم أيضاً.
ورغم أن بايدن غادر الشرق الأوسط دون الحصول على تعهد فوري من السعودية بزيادة إنتاج النفط، أو دعم الجهود الأمريكية من أجل تأسيس محور أمني إقليمي يشمل إسرائيل، إلا أن الرحلة لم تكن خاسرة بالكلية.
قبل الزيارة انقسم مسؤولو البيت الأبيض حول مكافأة محمد بن سلمان بزيارة رسمية للسعودية، وتذمروا من أنها ستزيل عزلة السعودية الدولية، وقد تستغل إعلامياً من طرف المملكة، لكن في النهاية قرروا أن الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع السعودية التي تجاوزت 80 عاماً أهم من خلافات الماضي وحقوق الإنسان، في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية.
اتخذت الرياض عدة خطوات مهمة لتمهيد الطريق للزيارة، بما في ذلك دعم هدنة بوساطة الأمم المتحدة في الصراع اليمني، وهو نصر كبير لبايدن، الذي سحب دعم الولايات المتحدة للعمليات الهجومية التي تقودها السعودية. كما ساعدت الأخيرة في تسريع الزيادات المعتمدة بالفعل في إنتاج النفط من خلال "أوبك +".
جاء بايدن إلى السعودية على أمل إقناع صاحبة الوزن الثقيل في أوبك بزيادة إنتاج النفط، لكن المملكة تمسكت باستراتيجيتها بضرورة العمل في إطار تحالف "أوبك +"، الذي يضم روسيا، وعدم التصرف من جانب واحد. ما يعني بقاء أسعار الوقود مرتفعة، ما يعني زيادة التضخم في الولايات المتحدة، ما يؤدي إلى انخفاض شعبية بايدن والديمقراطيين مع اقتراب انتخابات الكونغرس الحاسمة، في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
ومع ذلك، فإن مسؤولي البيت الأبيض واثقون من أن جهودهم الدبلوماسية قد تُثمر عن تغيير في استراتيجية "أوبك +" في اجتماعها المقبل. وشهدت الرحلة تحسناً طفيفاً في العلاقات بين السعودية وإسرائيل، بعد أن قالت الرياض إنها ستفتح مجالها الجوي أمام جميع شركات النقل الجوي، ما يُمهد الطريق لمزيد من التحليقات الجوية من وإلى إسرائيل. وكانت هناك أيضاً صفقة بوساطة الولايات المتحدة بين إسرائيل ومصر والسعودية، والتي بموجبها ستنسحب وحدة حفظ سلام دولية صغيرة بقيادة الولايات المتحدة من جزيرة تيران الاستراتيجية، التي تنازلت القاهرة عنها للرياض في عام 2017.
وتأمل الولايات المتحدة وإسرائيل أن تساعد هذه التحركات والقمة في بناء زخم نحو مزيد من اندماج إسرائيل في المنطقة، بما في ذلك مع السعودية. ولكن وزير الخارجية السعودي صبّ الماء البارد على أي تطبيع وشيك مع إسرائيل، قائلاً إن هذا ليس مقدمة لخطوات أخرى. وقال إن الرياض ليست طرفاً في أي مناقشات بشأن تحالف دفاعي خليجي-إسرائيلي لمواجهة إيران.
وخلال الزيارة وقّعت الولايات المتحدة وإسرائيل تعهداً مشتركاً بحرمان إيران من الأسلحة النووية، في إظهار للوحدة من قبل الحلفاء المنقسمين منذ فترة طويلة حول الدبلوماسية المنتهجة مع طهران. وكان الإعلان جزءاً من جهود بايدن لحشد الحلفاء الإقليميين حول جهود الولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران. ولم تكن السعودية وإسرائيل راضيتين عن الاتفاق النووي الأصلي الذي توسطت فيه إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، واحتفلتا عندما انسحب دونالد ترامب سلف بايدن من الاتفاق.
والآن، يطلب بايدن الصبر، مؤكداً لهما أن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام القوة كملاذ أخير إذا فشلت المحادثات وواصلت إيران تطوير أسلحة نووية، وهو ما تنفيه طهران. بينما تريد السعودية والإمارات حلولاً جذرية لبرنامج إيران الصاروخي الذي يهدد أمنهما القومي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.