لماذا تتحالف إيران “الشيعية” مع حماس “السنية”؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/19 الساعة 08:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/19 الساعة 08:40 بتوقيت غرينتش
مسيرة لحركة حماس في قطاع غزة، أرشيفية/ صفا

تبذل إيران ووكيلها في المنطقة المتمثل في حزب الله منذ فترة طويلة جهوداً كبيرة لتقريب وجهات النظر بين حماس والنظام السوري، في ظل رعاية ومباركة إيرانية. 

كشف هذه التحركات تصريحات من قادة داخل الحركة؛ حيث نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين داخل حماس أن الحركة قررت استئناف علاقاتها مع النظام السوري بعد 10 سنوات من مقاطعة قيادتها دمشق بسبب معارضتها لحملة الرئيس السوري بشار الأسد ضد انتفاضة الشعب السوري في عام 2011. 

وقال مسؤول بالحركة طلب عدم الكشف عن هويته لرويترز إن "الطرفين عقدا لقاءات على مستويات قيادية عليا لتحقيق ذلك". وقال مسؤولان بالحركة إن حماس "اتخذت قراراً بالإجماع لإعادة العلاقة مع سوريا".

أبدت حماس مرونة ظاهرة بعد الضغوط الإيرانية عليها لكي تتصالح مع النظام السوري، بعدما أضحت تعتمد حماس بشكل كبير على الدعم المقدم لها من إيران، كما أظهرت تصريحات مسؤوليها أنها ترغب في إعادة العلاقات مع النظام. 

تمثل علاقة إيران بحزب الله اللبناني قاعدة أساسية انطلقت منها حركة حماس لوضع البنية التحتية في علاقاتها مع طهران. فحزب الله الذي أعلن الأمين العام له حسن نصر الله على الملأ ولاءه للمرشد الإيراني ونظام الملالي في طهران، يعد حلقة الوصل بين طهران وحركة حماس لتوصيل المساعدات المادية والعسكرية.

وتتلقى حركة حماس دعماً مادياً وسياسياً وعسكرياً من النظام الإيراني الذي يدعم بدوره النظام السوري في حربه الأهلية منذ سنوات.

أسباب التقارب

يعزي البعض أسباب التقارب بين حماس "السنية" وإيران "الشيعية" إلى أسباب مادية تتعلق بالدعم المالي والعسكري الذي تحصل عليه حماس من طهران، ومع تزايد أصوات انتقدت الحركة على موقفها من طهران وعلاقاتها بنظام الملالي، في ظل تدخل إيران لمحاولة خلخلة عدد من النظم السياسية العربية كما يحدث في اليمن ولبنان والسعودية، إلا أن خالد مشعل برر تلك العلاقة بعد أن أعلن أنه يطرق جميع الأبواب من أجل الحصول على تكاتف عربي ودولي في مواجهة إسرائيل.

عربي بوست

الأمر الآخر أن طهران اتخذت من القضية الفلسطينية وسيلة لها للحصول على دعم وتعاطف كبيرين، فأعلنت الحرب على الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بشعارات ودعاية بررت بها هدم نظم عربية أخرى على اعتبار أنها متعاونة مع دولة إسرائيل، فاتخذت شعاراً لها في اليمن لهدم الشرعية اليمنية لا يمت بصلة للدولة اليمنية من الأساس، حيث جاء في شعارها "الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام"، حتى إن قيادات الحوثيين المدعومين من طهران بشكل مباشر بالمال والعتاد والصواريخ الباليستية التي توجه للأراضي العربية من وقت لآخر، يعلنون أن حربهم جاءت لوقف التمدد الإٍسرائيلي على الأراضي العربية.

كما تمثل علاقة إيران بحزب الله اللبناني قاعدة أساسية انطلقت منها حركة حماس لوضع البنية التحتية في علاقاتها مع طهران. فحزب الله الذي أعلن الأمين العام له حسن نصر الله على الملأ ولاءه للمرشد الإيراني ونظام الملالي في طهران، يعد حلقة الوصل بين طهران وحركة حماس لتوصيل المساعدات المادية والعسكرية.

ويمثل الدعم المادي والعسكري أبرز النقاط التي بنت حماس عليها العلاقة مع طهران، في ظل التدريب العسكري والعتاد والأموال التي تحصل عليها الحركة من وقت لآخر من خزائن طهران المنهكة بفعل الأزمات الداخلية والعقوبات الدولية وفشل الحكومات المتعاقبة في استقدام الاستثمارات الأجنبية، فضلًا عن تدريب عناصر القسام على يد أعضاء الحرس الثوري، وإمدادهم الحركة بمزيد من السلاح والعتاد العسكري.

ازدادت أهمية حماس ومركزيتها في نظر إيران عقب فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006؛ إذ انتقلت من كونها حركة مقاومة وفصيلاً سياسياً معارضاً إلى حكومة الفلسطينيين، ما دعا طهران إلى مضاعفة دعمها لها، فتعهَّدت بتقديم 50 مليون دولار شهرياً لهذه الحكومة، وفي المقابل كان للمقاطعة الدولية والإقليمية لحكومة حماس دور أساسي في دفع الحركة باتجاه توثيق علاقتها مع إيران.

واستمر ربيع العلاقة بين الطرفين حتى جاء الربيع العربي ووصلت رياحه إلى سوريا، مقر إقامة قيادة حماس، وعاصمة الحليف الإقليمي الأهم للقيادة الإيرانية، فمع تقدُّم مسار الثورة السورية، وشروع نظام الأسد في قصف معارضيه بالبراميل المتفجرة بدعم من طهران، وجدت حماس نفسها أمام الاختبار الأخلاقي الأهم في تاريخها، اختبار وضع علاقتها الإستراتيجية مع طهران أمام تحدٍّ غير مسبوق.

توتر العلاقات 

مَثَّل خروج حماس من سوريا ومواقفها المؤيدة للثورة لاحقاً صدمة لإيران، التي خفضت دعمها للحركة، وشنَّ إعلامها وإعلام حلفائها هجوماً على حماس وصل إلى اتهامها بالخيانة، وبدا أن العلاقة بين الطرفين ذاهبة باتجاه القطيعة، لكن صمود الحركة في حرب عام 2012 دفع إيران إلى استئناف الدعم العسكري للحركة، مع محاولة التمييز في التعامل بين الجناح العسكري في قطاع غزة وبين قيادة الحركة السياسية.

زاد التوتر الذي يخيم على علاقة طهران بحركة المقاومة الإسلامية بعد التسجيل المسرب لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وقتها موسى أبو مرزوق عام 2016، بعد أن هاجم طهران ووصفها بأنها تقتل المدنيين في اليمن، وأن حركة حماس لا تتلقى أي دعم من إيران. 

ويُشكِّل توظيف البُعد الطائفي في السياسات الإقليمية لإيران تحدياً مهماً للعلاقة، بسبب ما يخلقه من أجواء شعبية غير متفهمة لوجود علاقة بين حركة مقاومة سنية ودولة شيعية ذات أجندة طائفية، خاصة في ظل اعتزاز حماس بهويتها السنية، ورفضها محاولات نشر التشيُّع في فلسطين، وهو ما سبَّب احتكاكاً بين الطرفين.

مصالح متبادلة تجمع السني بالشيعي

ترى إيران في دعمها لحماس وسيلة لتعزيز نفوذها الإقليمي، وتبرير سياساتها التوسعية المعروفة باسم "تصدير الثورة"، وهي تحتاج إلى حليف سني يزيد من قدرتها على العمل في محيطها العربي والإسلامي، ويكسر صبغة التعصب الطائفي في سياساتها الإقليمية، ويضمن لها موضع قدم صلب في القضية الفلسطينية لما تحمله من أهمية سياسية تكمن في القدرة على مناكفة واشنطن وتل أبيب. ولا يمكن تجاهل أيضاً البُعد الأمني في نظرة طهران لقضية فلسطين، حيث إن خلق خط دفاع مُتقدِّم مع الاحتلال يعفي إيران من خوض حروب مباشرة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة.

 ويستخدم النظام الإيرانيّ القضية الفلسطينية لتعزيز شرعيته الداخلية، ويُشكِّل دعم المقاومة مادة للتنافس والمزايدة السياسية بين المحافظين والإصلاحيين في سياق التنافس على السلطة والموارد المحلية. وعلى الجهة المقابلة تسعى حماس من خلال توثيق هذه العلاقة إلى تشكيل جبهة عمل سياسي وعسكري لإضعاف هيمنة إسرائيل ونفوذها الإقليمي، ولتعزيز الشرعية السياسية للحركة ومشروعها المقاوم، وتوفير الدعم المالي والعسكري كالتدريب والسلاح وتقنيات التصنيع العسكري.

حماس والتنافس الداخلي 

منذ تولي هنية رئاسة المكتب السياسي لحماس حرص على تعديل خطاب الحركة والاقتراب أكثر من إيران وسوريا. وفي يونيو 2018، قال هنية إن ما نسب إليه من كلام حول "دعم الثورة السورية" غير دقيق، وإن حماس "لم تكن يوماً في حالة عداء مع النظام السوري". كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن صراع المحاور داخل حركة حماس؛ وهذا ما تسعى الحركة لنفيه، مؤكدةً عدم وجود صراع أجنحة داخلها؛ لكن الواقع الداخلي للحركة يكشف عن حقيقة مفادها أن هناك تنافساً كبيراً غير ظاهر للعلن، وهذا ما تبلور بشكل واضح بعد الأزمة السورية، وأحدث خلافات وتباينات في المواقف؛ خصوصاً في العلاقات مع إيران وحزب الله اللبناني.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أسامة الأطلسي
كاتب صحفي
صحفي مستقل مهتم بشؤون الشرق الأوسط
تحميل المزيد