مسرحية "حكاية فاسكو" في ربيع عام 2010 كانت علاقتي الأولى الفعلية بمسرح جامعة المنصورة، حيث خرج عرض فريق الآداب بأداء مبهر متكامل بين المخرج سعيد المنسي والممثلين معتز الشافعي وأحمد صبري غباشي وعمرو إمام وغيرهم. كنت طالباً بكلية الآداب آنذاك وذهبت بناء على دعوة بعض الأصدقاء في قسم اللغات الشرقية لحضور عرض إحدى الكليات، وصُدمت بحجم الحضور الضخم الطلابي الكبير المهتم بالمسرح.
الإضاءة، المؤثرات الموسيقية، النص والأداء كانت على تناغم مُشرف. تفاجأت حقيقة من حجم الدقة في التنظيم والتفاصيل، ومن يومها أصبحت أحد أشد المعجبين بمسرح الجامعة، ولم أفوّت عرضاً واحداً لمسابقات الكليات داخل أو خارج سور الجامعة، فضلاً عن أنني أصبحت واحداً من "ألتراس" فريق مسرح آداب إذا صحت التسمية.
ورغم المنافسة الشديدة بين مسرح آداب وهندسة إلا أن فريق آداب كان الأكثر حصداً للجوائز على مستوى الجامعة والأقاليم في عام 2010.
مدينة محمومة بالمسرح
المنصورة، كما رأيتها، مدينة محمومة بالمسرح، تطرب شوارعها إلى تصفيق الحاضرين، وانحناءة الفنانين على الخشبة قبل إسدال الستار، جمهورها ينضبط مزاجه المسائي بإضاءة المسرح الأخاذة للمشاعر والإحساس.
أول عرض مسرحي قُدم في المنصورة كان عرضاً طلابياً لمدرسة "محبي العلم" بالمنصورة في شهر يوليو/تموز 1881 وقدم بثلاث لغات هي العربية والإيطالية والفرنسية، فيما أن أول فريق مسرحي حقيقي قدم عرضاً في المنصورة كان فريق "يوسف الخياط" المسرحي عام 1889.
أما مسرح المنصورة القومي فيعود تاريخ بنائه إلى 1870، وكان أحد الملحقات الخاصة باستراحة الخديو في المدينة ومن ثم تم افتتاحه كمسرح للجمهور عام 1889.
الحضور على هذا المسرح كان تاريخياً منذ البداية، وكأن المنصورة كانت تتوق على عجل للمسرح، وأطلق على مسرح المنصورة اسم "تياترو التفريح" في العرض الأول لسليمان قرداحي حينما قدمت فرقته رواية "الأمير حسن" عام 1892 حسب جريدة "السرور".
توالت العروض على مسرح المنصورة وظل اسمه تياترو التفريح وأصبحت المدينة الصغيرة بنيلها الساكن القبلة الثالثة للفرق المسرحية العربية والمحلية بعد القاهرة والإسكندرية. فرقة "الشيخ سلامة حجازي" ظلت تعرض مسرحياتها على تياترو التفريح في المدينة لمدة عشر سنوات متتالية بعد بدايتها بمسرحية "فرقة إسكندر فرح" ومن ثم تلتها مسرحيات مغائر الجن، وحمدان، وتسبا، وشهداء الغرام، وغانية الأندلس، والقضية المشهورة، وخداع الدهر.
على خشبة تياترو التفريح وقف الجميع جورج أبيض، نجيب الريحاني، علي الكسار، يوسف بك وهبي، محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، محمد صبحي، يوسف شعبان، الجميع مَر من فوق خشبة مسرح المنصورة القومي.
في هذه الأيام تبدأ الدورة الأولى لمهرجان مسرح المنصورة الإقليمي بحضور الفنان محمد صبحي، وهذه من أكثر التحركات الثقافية التي أسعدتني شخصياً وأترقب متابعتها بشغف وأقدر كل الجهود والسعي الذي قام به الكثيرون من أبناء المنصورة للوصول لفتح الستارة الأولى للعرض الأول في هذا المهرجان.
لكن مسرح المنصورة القومي و"تياترو تفريح" المدينة القديمة مغلق على أطلاله من بعد تفجير مديرية أمن الدقهلية 2013 وإصابة المبنى التاريخي بتهدم واضح وخسائر في اغتيال ثقافي ونكسة تاريخية لعراقة المبنى وتاريخه المؤثر في المنصورة بلا ترميم إلى اليوم في ظل وعود بإعادة الترميم وسرعة الإنجاز من جهات مختلفة.
أطلال "تياترو التفريح" في مهرجان مسرح المنصورة الإقليمي الأول تتَنسم تصفيق الجمهور وانحناءة الفن على خشبة المسرح. "تياترو التفريح" يسترق السمع لتصفيق الحضور في مسرح ديوان المحافظة ومسرح قصر الثقافة، وما أصعب على شيخوخة مسرح أن يخبو بلا تصفيق ويتراكم التراب على الحكايات والعروض في زواياه دون التفات.
بعض نخب المدينة يخوضون نضالاً ثقافياً في محاولة الحفاظ على تراث المدينة الثقافي التاريخي، بعد حملة تجريف عشوائية لمبانٍ وحدائق تاريخية ترتبط بعمق الحضور الاجتماعي والثقافي لسكان المنصورة، وأتمنى أن يصل صوت سعيهم في الحفاظ على تراث المدينة بأقل قدر من الخسائر التراثية قبل أن تغيب معالم المنصورة في خضم الزحام. المنصورة رِواؤها الفن ورِواء حياتنا نحن أبناء المنصورة تراثها الباقي في نفوسنا على حبّ وطمأنينة بلا خلل أو هَدم.
المنصورة تصفق للمسرح بشوارعها ومبانيها وحدائقها المهزومة بكوبري القطر الصامد فوق النيل، المنصورة تصفق للمسرح بنضال السكة الجديدة الباقية من 1919، وكاتدرائية العذراء مُرسلة السلام إلى القدس في القرن الماضي وسابقه من سنوات.
دورة مسرح المنصورة الإقليمي الأولى قبلة حياة للحياة الثقافية في المدينة الصغيرة أتمنى أن يتسع الحضور الثقافي خطوات وخطوات في بث الحياة للمباني التراثية والحفاظ عليها لإعادة هيكلة شكل المنصورة مرة أخرى وفي القلب منها إعادة التصفيق لتياترو التفريح.
المصادر
- المنصورة قصص وتاريخ، إيهاب الشربيني
- مقالات الدكتور سيد إسماعيل أستاذ المسرح العربي جامعة حلوان
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.