في خلال سنوات قليلة من انتهاء فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، تطورت بشكل هائل علاقات "الدب الروسي" مع دول الشرق الأوسط، لدرجة جعلتها تشكل تهديداً مباشراً للمصالح الأمريكية. تلك العلاقات التي تطور بعضها إلى تحالفات في الشرق الأوسط، الذي كانت تعتبره الولايات المتحدة إحدى حدائقها الخلفية لها، دقّت ناقوس الخطر في البيت الأبيض.
كذلك حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في ظل الانسحاب الأمريكي من المنطقة، النفاذ إلى عمق الشرق الأوسط، وأن يجعل من روسيا لاعباً مهماً ورقماً صعباً فيه، ولم يجد أفضل من الأزمة السورية للنفاذ وحجز موطئ قدم لروسيا في المياه الدافئة.
كانت هناك عوامل ساعدت الدب الروسي على منافسة الولايات المتحدة في المنطقة التي تعيش بعد الثورات العربية تحت حكم نظم سلطوية تحاول أن تجد لنفسها ظهيراً دولياً.
فمع نهاية حكم الرئيس باراك أوباما وموقف الإدارة الأمريكية الرافض للأحداث التي جرت بمصر في 30 يونيو/حزيران من عام 2013 وإزاحة الإخوان المسلمين من السلطة، كان يلوح البديل الدولي في الأفق؛ روسيا التي تدخلت في سوريا تحت ذريعة "محاربة الإرهاب"، ودعمت نظاماً سلطوياً في دمشق وأبقت عليه حتى الآن. كان النجاح الروسي في سوريا حافزاً لدول عربية لبناء علاقات قوية مع روسيا، وشراء السلاح الروسي لتوطيد تلك العلاقات، بعيداً عن الدول الديمقراطية.
هذا التقارب العربي الروسي كانت له مبرراته المنطقية أيضاً، فالنظم العربية معجبة للغاية بالنظام في روسيا غير الديمقراطي، فالمعارضة الروسية شبه معدومة والإعلام تسيطر عليه الدولة وتحتل روسيا مراكز متأخرة على كافة المؤشرات الدولية فيما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان في التقارير الدولية، وكلها أحلام تراود كثيراً من الحكام العرب. في ذات الوقت، تجعل هذه العوامل الروسية الداخلية دعمها للنظم السلطوية العربية يبدو متناغماً مع سياساتها الداخلية والدولية، خاصة في مذهبها ضد الديمقراطية الغربية.
لذلك من الصعوبة بمكان استعادة الهيمنة الأمريكية على المنطقة في ظل وجود ذات الأنظمة، وإزاحة الوجود الروسي في الشرق الأوسط، وإذا حاولت أمريكا فرض ذلك فإنها قد تضطر النظم العربية إلى الهجرة صوب موسكو.
على الولايات المتحدة الاعتراف بأن بوتين قد نجح في أن يكون منافساً قوياً للولايات المتحدة وأوروبا في عقد صفقات سلاح مع دول الشرق الأوسط التي كانت حكراً على أمريكا وأوروبا.
ولقد كانت زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز منذ سنوات لموسكو حدثاً تاريخياً توّج بشراء منظومة الصواريخ "إس – 400" وعقد شراكة مع شركة أرامكو في حفر آبار للبترول، كذلك فتح بوتين علاقات اقتصادية وتجارية وسياحية مع "الإمارات"، وكذلك استعاد جزءاً من العلاقات مع الحليف القديم لموسكو والأهم "مصر" باستثمارات تقدر بالمليارات في مجال بناء مفاعل نووي في منطقة "الضبعة"، شمال غرب مصر. كذلك دعم اللواء المتقاعد "خليفة حفتر" في شرق ليبيا، ودعم الجزائر، وكان الغريب أن فتحت صفحة علاقات مع حليف الغرب الاستراتيجي في المملكة المغربية مستغلاً موقف الاتحاد الأوروبي المتأرجح من قضية "الصحراء"، كذلك دعمت تركيا عضو الناتو بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. ناهيك عن دعمها المستمر منذ سنوات لإيران.
ورغم أن العائد الاقتصادي من بيع الأسلحة الروسية لدول المنطقة سينعش الاقتصاد الروسي المأزوم في بلد فرضت عليه عقوبات اقتصادية ودولية، في ظل الحرب الدائرة، لكن التأثير السياسي لتلك الصفقات أشد أهمية وهو أحد أهم العوامل التي تؤخذ في الحسبان عند تغيير الولاءات السياسية. فمع الزيارة الحالية للرئيس الأمريكي للمنطقة، إن لم تتغير توجهات الحكام العرب، ويحدوا من علاقاتهم التجارية والاقتصادية مع موسكو، سيكون للولايات المتحدة توجه آخر في التعامل معهم، وقد تستخدم ورقة الحريات والديمقراطية.
لكن، يبقى السؤال هو: هل ينجح بايدن في إبعاد الدب الروسي عن الشرق الأوسط، وبناء تحالف جديد في ظل عالم متغير متعدد الأقطاب؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.