كثيراً ما تتشدق قطاعات من الحركتين النسوية والعلمانية في العالم العربي بأن الإسلام لم يعطِ للمرأة حقها، بل استباح حرمتها، لكن هذا الادعاء الفج لا أراه إلا من قبيل الكذب الفاضح على الناس. أيضاً، هو محاولة لخلق مبرر لوجود تلك الحركات وتزايد أنشطتها، إذ تحاول ارتداء ثوب المدافع عن المرأة في وجه الاستبداد الديني. وهي في مسلكها ذلك تحاول إزاحة الدين من الفضاء العام، وحصره في أضيق المجالات الشخصية.
تزدهر تلك البروباغاندا المستمرة طوال الوقت تقريباً بسبب قلة الفقهاء العلماء المتصدرين للشاشات، وضعف الفهم والشرح وركاكة الأسلوب عند الدعاة المتصدرين لشرح الدين وإيصال تعاليمه وسنّة نبيه إلى الناس، ما جعلهم عرضة للنقد وسوء الفهم.
لكن، من غير المعقول وغير المنطقي أن يكون رأي رسول العالمين في النساء فيه تقصير أو رؤية دونية. فهو القائل بالرفق بالقوارير (النساء)، والقائل "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". كما قال صلوات ربي عليه في حجة الوداع "استوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم.."
كما قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، "إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم".
كل هذا تأكيد لمكانة المرأة في الإسلام، فلماذا وصفهم رسول الله بالنقصان؟ ولتبيان ذلك وجب إيضاح الحديث الصحيح.
"يا مَعْشَرَ النِّساءِ، تَصَدَّقْنَ وأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفارَ، فإنِّي رَأَيْتُكُنَّ أكْثَرَ أهْلِ النَّارِ، فَقالتِ امْرَأَةٌ منهنَّ جَزْلَةٌ: وما لنا يا رَسولَ اللهِ، أكْثَرُ أهْلِ النَّارِ؟ قالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وما رَأَيْتُ مِن ناقِصاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ. قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، وما نُقْصانُ العَقْلِ والدِّينِ؟ قالَ: أمَّا نُقْصانُ العَقْلِ: فَشَهادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهادَةَ رَجُلٍ فَهذا نُقْصانُ العَقْلِ، وتَمْكُثُ اللَّيالِيَ ما تُصَلِّي، وتُفْطِرُ في رَمَضانَ، فَهذا نُقْصانُ الدِّينِ".
وفي الحديث قول رسول الله للنساء بالاستغفار والصدقة لما علم أنهن أكثر أهل النار، فلماذا ذلك؟ ولماذا لا يكون الرجال وليس النساء أكثر أهل النار؟
هنا جاء سؤال امرأة من النسوة الحاضرات، وهي حسب وصف النبي امرأة "جزلة" بمعنى حكيمة وذكية لبيبة، وهذا ما لا يمكن أن ينطبق مع الفهم القائل بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحط من قدر النسوة، ثم يصف إحداهن بالذكاء والحكمة.
وكان جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهن يكثرن اللعن، ويكفرن العشير. وهذا قد يكون واقعاً معيشاً لو سألت لوجدت أن النساء في حياتهن في البيوت، فهي مع أي تصرف خاطئ من أطفالها تقوم بلعنهم ولعن أبيهم وآباء أبيهم، واليوم الذي رأت فيه أباهم.
النقطة الثانية وهي الكفر بالمعشر والعشير، والمقصود بالكفر لغةً هو الحجود والإنكار، بيد أن المرأة في كثير من الأحيان تنكر ما يقدمه لها الرجل "هنا الحديث عن الرجل طيب المعشر، الذي يعرف حقوقه وواجباته"، فيكون ردها مع أول خلاف بين الزوجين أنها لم ترَ منه يوماً أبيض، ولم ترَ سعادةً معه قط.
وهذا من أبواب نكران العشير.
وبتبيان أسباب قول رسول الله -صلى الله عليه و سلم-، يؤكد رسول الله أن النساء، ورغم نقص عقلهن ودينهن، قادرات على أن تحكم لب وعقل وقلب كل رجل حكيم، وذا تأكيد على أن قول رسول الله كان من باب المدح والنصيحة لا الذم.
وعن أسباب النقصان، فهناك عوامل فيسيولوجية خاصة بالنساء، منها نزول الحيض، ما يمنع المرأة عن الصلاة والصيام، وهذا من باب النقص. وهو لا يعيب المرأة في شيء، بل هو تبيان حال.
ثم نقصان العقل لأن شهادة الرجل تعادلها شهادة امرأتين، وهو ما يوضح أن المرأة تتحكم فيها أحاسيسها ومشاعرها بشكل أكثر من الرجل، وهذه طبيعتهن الغالبة في جل نساء الدنيا. وقد وضحها الله -عز وجل- في قوله ".. اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (سورة البقرة: 282)، فالخوف هنا أن تضل أو تنسى فتذكرها الأخرى.
بل وفي الملاعنة، جعل الله شهادة المرأة مماثلة لشهادة الرجل. قال تعالى "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)" (سورة النور).
فجعل الله شهادة الرجل 5 شهادات والمرأة 5 شهادات، فيما هو أخطر، وهو زنا المحصنة.لذلك فإن الفهم القاصر لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنهن ناقصات عقل ودين يجعل البعض من المتصيدين وأتباع العلمانية والحركات النسوية المتطرفة ينشرون تصورات خاطئة وشروحات غير سليمة حول رؤية الإسلام للمرأة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.