خلال العقدين الأخيرين، في حقبة الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش، صار نادي تشيلسي الإنجليزي أحد كبار أوروبا المهيبين، حصّاداً للألقاب المحلية والقارية، حيث أثرى خزينته منها بما يناهز العشرين. بينها أربعة ألقاب في الدوري الإنجليزي، الأقوى في العالم، ولقبان في دوري أبطال أوروبا، ومثلهما في المسابقة القارية الأدنى منها، الدوري الأوروبي.
لعنة رأس الحربة التي حلّت على تشيلسي
قد يتبادر للذهن أن عدداً من رؤوس الحربة الهدافين برزوا في النادي اللندنيّ خلال عصره الذهبي وأسهموا بقوة في تحقيق أمجاده. هذا بديهي في الفرق الكبرى لكن الأمر غير ذلك مع تشيلسي، فمنذ زمن ديديه دروغبا أو تحديداً منذ توهجه في موسم 2009/ 2010 إذ تصدر ترتيب هدّافي الدوريّ الإنجليزي بـ29 هدفاً من إجمالي 37 زيارةً للمرمى في كل مسابقات ذلك الموسم، لم يعرف البلوز نجاحاً مماثلاً أو حتى مقارباً لمهاجم صريح أو حتى لاعبٍ في خطّة أخرى، لكن اهتمامنا هنا ينصبّ على خطة "الرقم 9" وأرقام التهديف التي لن تعاد.
كان دروغبا قد بلغ الثانية والثلاثين من العمر في ذلك الموسم الأهم تهديفياً في مسيرته، منسياً النادي اللندني إخفاق أندري شيفشينكو الذي مر قبله بالنادي لموسمين مخيبين مقابل 43 مليون يورو في أغلى صفقاته وقتها. غير أن مستوى دروغبا بدأ بالتراجع في الموسم الموالي، بما أوجب استقدام من يخلفه. ما من شيء يعوق تشيلسي بميزانيّته الضخمة عن استقدام أبرز النجوم، وهذا ما حصل في شتاء 2011 بتمكن النادي من ضم فرناندو توريس هدّاف ليفربول في صفقة قياسية بلغت 58 مليون يورو.
في ذلك الوقت كان توريس المتوَّج بكأس العالم يعد من أخطر اللاعبين في منطقة الجزاء، وفي سن السادسة والعشرين يعتبر دخل مرحلة النضج وقدرٍ من استقرار المستوى بما يمثل خياراً وجيهاً لخلافة دروغبا. لكن كلا، كل ذلك انطفأ عندما ارتدى القميص الأزرق حيث لم يسجل عداد المهاجم الإسباني سوى هدفٍ يتيم خلال 18 مباراة خاضها في نصف موسمه الأول مع البلوز، واستمر أداؤه مخيباً في باقي مواسمه الثلاثة بحصيلة 45 هدفاً فقط في 172 مباراة، قبل أن يغادر معاراً إلى ميلان ثم أتلتيكو مدريد وقد انطفأ نجمه. ولولا هدفه الثمين في نصف نهائي دوري الأبطال أمام برشلونة بما عبد الطريق لإحراز ذات الأذنين للمرة الأولى في تاريخ النادي، بهدفٍ أثمن من دروغبا في النهائي خوّل المرور إلى ركلات الترجيح، لما بقي من مرور "النينو" شيء في ذاكرة جماهير البلوز.
بعد كبوة توريس اتجهت أنظار النادي اللندني إلى المشاكس دييغو كوستا الذي كان يقدّم أفضل مواسمه مع أتلتيكو مدريد؛ حيث قاد ناديه في 2014 إلى إحراز الدوري الإسباني مسجلاً 27 هدفاً، وبلوغ نهائي دوري أبطال أوروبا حيث زار الشباك في 8 مناسبات، وكانت حصيلته 36 هدفاً في أهم مواسمه على الإطلاق.
كان الهدّاف الإسباني في الخامسة والعشرين عند انتقاله إلى تشيلسي وذا مردود يبشر بمسيرة حافلة رغم التخوّف من مزاجه المتقلب وسلوكه العنيف، غير أن لعنة الإصابات التي ضربته منذ موسمه الأوّل كانت علاوة على السلوك أبرز عوامل محدودية مردوده، فاكتفى بـ21 و17 و22 هدفاً في مواسمه الثلاثة الأولى قبل أن يستبعده أنطونيو كونتي من الفريق في الموسم الموالي.
خلال هذه الفترة، وفي 2016 بالتحديد، استقدم تشيلسي المهاجم الشاب ميتشي باتشواي ذا الـ22 ربيعاً في صفقة انتقال ضخمة بـ39 من مارسيليا، معوّلاً على إمكانيات فنية تبشر بمستقبل واعد، لكن الشاب البلجيكي فشل في إثبات وجوده واكتساب ثقة المدربين المتوالين على النادي، واختارت الإدارة نهج الإعارة حيث حمل اللاعب قمصان أربعة فرق دون أن يكفل ذلك رفع مستواه وتحويله إلى صائد الأهداف الذي يبتغيه البلوز.
عقب استبعاد كوستا، انتدب تشيلسي ألفارو موراتا وقد سطع نجمه خلال موسمين مع يوفنتوس ثم في ثالث مع ريال مدريد. لم تكن أرقامه بحجم من سبقوه فأكبر حصيلة موسمية له كانت 20 هدفاً مع الميرينغي، لكنه يمتلك خصال الهدّاف والمهاجم الثاني المعاضد أيضاً. كلّف موراتا خزينة النادي 66 مليون يورو وعُقدَت عليه الآمال، بيد أنّه عرف مصيراً مشابهاً لسابقيه بفشلٍ مدوٍّ إذ صار محل سخرية وتندر من حيث النسبة العالية للفرص المهدرة أمام المرمى، ولم يطل به المقام في ستامفورد بريدج أزيد من موسمين سجل خلالهما 24 هدفاً فقط في كلّ المسابقات، ثم بدأت رحلته مع الإعارات.
الوجهة التالية كانت ألمانية؛ إذ سارع تشيلسي إلى اختطاف رأس الحربة الصاعد تيمو فيرنر بعد موسم رائع مع ناديه لايبزيغ سجل خلاله 34 هدفاً في 45 مباراة في كل المسابقات. كلف المهاجم الألماني خزينة البلوز 53 دون أن يختلف حاله ومصيره عن سابقيه فخبا توهّجه هناك حيث خلال موسمين لم يسجّل سوى 23 هدفاً وفقد مكانه في التشكيل الأساسي، بما جعله راغباً في الرحيل غير مرغوبٍ به في النادي.
آخر الوافدين بعد الموسم الأول المخيّب لفيرنر كان أعلاهم سعراً في تاريخ النادي؛ إذ ضمّ الدبابة البلجيكيّة روميلو لوكاكو قادماً من إنتر ميلان مقابل صفقة قُدّرت بـ113 مليون يورو، ليرتدي قميص البلوز في تجربةٍ ثانية بعد أن كان انتقل إليه يافعاً في موسم 2011/2012 دون أن يتمكّن من زيارة الشباك وإثبات وجوده وقتها لتبدأ رحلته مع الإعارة ثمّ الانتقال إلى إيفرتون حيث اشتغلت ماكينة الأهداف وارتفعت أسهم البلجيكي وصار مطلوباً من أكبر الأندية الأوروبيّة، فانتقل إلى مانشستر يونايتد في تجربة لم تكن بالتوفيق المتوقّع، ثم إلى إنتر ميلان حيث عرف أزهى فتراته وقد سجّل 64 هدفاً في 95 مباراة خاضها خلال موسمين مع النادي الإيطالي. نتائج جعلت تشيلسي يستعيد خدماته مقابل مبلغ فلكيّ بعد عقدٍ من مغادرته. لكنّ رصيد لوكاكو الزاخر لم يحصّنه مِن مصير مَن سبقه من المهاجمين، فقد عجز البلجيكي عن التأقلم مع المدرّب توخيل والمجموعة، لتعصف المشاكل سريعاً بمسيرته مع النادي اللندني، ويعلن بعد أشهر قليلة عن رغبته في المغادرة والعودة إلى النيراتزوري، ليكون له ذلك على سبيل الإعارة إثر موسمٍ هزيل له لم يسجّل فيه غير 15 هدف في 44 مباراة.
وقد مرّ بتشيلسي مهاجمان آخران يمكن ذكرهما، الأوّل تامي أبراهام المتكوّن في النادي والذي رغم بوادر بروز موهبته بين 2019 و2021، لم يلق حظّه مع ضغط إدارة متطلّبة تسعى بالتوازي لاستغلال القادمين بأسعار وأجور عالية، فغادر إلى روما الإيطالي، والثاني أوليفييه جيرو الذي تمّ جلبه من أرسنال مقابل 17 مليون يورو ليشغل مقعد احتياطيّ لثلّة الكبار دون أن يثبت جدارته بأكثر من ذلك، عدا تألّقه في مسابقة الدوريّ الأوروبيّ لموسم 2018/2019 التي تصدّر ترتيب هدّافيها وكان من مفاتيح إحراز لقبها.
لقد أنفق تشيلسي منذ 201َ1 ثروة لطائلة تقارب 367 مليون يورو لجلب رؤوس حربة من الصفّ الأوّل هؤلاء (لا تشمل القائمة جيرو)، إلّا أنّ حصيلتهم مجتمعين كانت 191 هدفاً فقط على امتداد 12 موسماً منذ وفود أوّلهم، فيرناندو توريس. أيّ بتكلفة ما يقارب المليونَي يورو لكلّ هدف، دون احتساب أجورهم الضخمة. ولم يتمكّن أيٌّ منهم من تحقيق المسيرة الناجحة المبتغاة، وعجزوا عن تسجيل أرقامٍ تقارب الموسم الذهبي لديديه دروغبا، كأنّما صارت خطّة رأس الحربة ملعونة أو منحوسة بعده في ستانفورد بريدج يفقد فيها المهاجمون حسّهم التهديفيّ، إن كان للّعنات والنحس وجود. حتّى إنّ قائمة الهدّافين العشرة الأوائل في الدوريّ الإنجليزيّ الممتاز خلت من لاعبي تشيلسي خلال 6 مواسم من أصل الـ12 من رحلة البحث هذه، بينها مواسم الثلاثة الأخيرة توالياً رغم أنّ النادي أنهاها ضمن الأربعة الأوائل.
تتجدّد في هذا الصيف رحلة بحث تشيلسي عن مهاجم صريح، وكالعادة تتردّد أسماء كبيرة في أروقة النادي يُسمع صداها في الإعلام، على رأسها الهدّافان المخضرمان كريستيانو رونالدو وروبرت ليفاندوفسكي وربّما آخرون، علّ أحدهم يكون رأس الحربة الناجز الذي يقطع مع السنوات العجاف في منطقة الجزاء ويُصالِح هذه الخطّة مع وظيفتها في هزّ الشباك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.