بدأت الجلسات التنسيقية الأولى للحوار الوطني في مصر بعد الدعوة التي وجهها الرئيس المصري لإطلاق حوار سياسي مع كل القوى الوطنية، كان ذلك في حفل إفطار "الأسرة المصرية" في شهر رمضان الماضي.
الحقيقة هي أنه لا يمكن فصل الدعوة لحوار وطني عن الأوضاع العالمية والإقليمية الراهنة من جهة، والأوضاع الاقتصادية والسياسية من جهة أخرى.
الأزمة في مصر اليوم أحوج ما تكون لحوار وطني هادئ.
نحن في حاجة إلى ذلك الحوار الذي يبدد مخاوفنا وشكوكنا من بعضنا، ويؤسس لمنطق تعاملنا الصحيح مع قضايانا، ويحسم الأسئلة التي تزدحم بها أذهاننا بإجابات واضحة، ويعيدنا إلى دائرة "العقل"، ويرد الدولة إلى رشدها، ويلهمنا الصواب.
ولكي نحسم كل الأسئلة التي تتردد في أنحاء مجتمعنا، من إصلاح سياسي، واقتصادي وآخر اجتماعي، وباقي القضايا التي أصبحت حرائق صغيرة في البلاد، نحن بحاجة إلى حوار وطني حقيقي.
نعيش الآن في مصر عدة أزمات، أزمة ارتفاع أو قل اشتعال الأسعار، وأزمة أخلاقية يتسع نطاقها تتسبب في جرائم تهز المجتمع والوجدان المصري، وأزمة تتعلق بحالة الفوضى والتململ التي تتسرب إلى الشارع بسرعة كبيرة.
ولم يكن ينقص تلك الأزمات الداخلية إلا تداعيات الحرب الدائرة في شرق أوروبا، والتي سوف تعصف بدول في منطقتنا، بأزمات مالية تهدد الدول، ومجاعات تهدد الأمن القومي، وكل ذلك لا سيطرة لنا عليه، بل هي خارج كل حسابات البشر والدول.
الجانب الأخطر في الأمر، أن توقعات قدوم الأسوأ أعلى، فإذا ما استمر الوضع العالمي والحرب الدائرة في شرق أوروبا بالوتيرة نفسها ولم تخلق حلولاً للمعضلات الاقتصادية سنكون جميعاً في خطر.
وبينما تلوح الأخطار في الأفق، هنالك من يقفز فوق التاريخ والصراعات والبشر والاقتصاد والسياسة والعالم بطريقة مرفوضة، ولا يهمه أمرنا!
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا أصبح الحوار مقطوعاً في مجتمعنا؟ ولماذا يتحول حين نستدعيه إلى "حوار الطرشان"؟
لدينا بالفعل مشاكل متراكمة وملفات شائكة يجب أن يتم فتحها بكل شفافية ومصداقية، وعلى القائمين على الحوار الوطني أن يضمنوا اتساعه لكل أطياف الشعب. فلنجرب "الرأي والرأي الآخر"، ولنطرح من خلال الحوار الوطني ما نحتاجه من أدوية فعالة لأمراضنا ومشكلاتنا بدلاً من المسكنات التي أنهكت جسد الوطن.
ففي مرات عديدة ومواقف عصيبة دفعنا ثمن افتقاده وتغييبه وانقطاعه، وكان بوسعنا بعد هذه التجارب السابقة أن نتعلم من دروس النجاح والفشل، وأن نتوجه إلى الاستثمار في الحوار كقيمة مثمرة، لكي نحسم كل الأسئلة التي تتردد في أنحاء مجتمعنا.
الحوار أو الفوضى!
هل سيؤدي الوضع الراهن من الأزمة الاقتصادية إلى سيناريو الفوضى العارمة في المنطقة؟ هل ستخلق الأزمات الاقتصادية أخرى سياسية وتتسع "فجوة الاستقرار" التي تحدث عنها الكاتب الأمريكي صموئيل هنتنجتون، وهي الفجوة التي يشعر المواطن بوجودها بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، فتنعكس بضيقها أو اتساعها على الاستقرار السياسي بشكل أو بآخر. اتساع الفجوة بين الطموحات والواقع يولد إحباطاً ونقمة، ما يعمل على زعزعة الاستقرار السياسي، خصوصاً إذا ما انعدمت الحرية الاجتماعية والاقتصادية، وافتقر صناع القرار للقابلية والقدرة على التكيف الإيجابي، ما يؤدي إلى الاحتقان الذي قد يتطور إلى مطالب أكثر راديكالية، وأحياناً غير متوقعة، ما يفرض على مؤسسات النظام ضرورة التكيف من خلال الإصلاح السياسي، وتوسيع المشاركة السياسية، واستيعاب تلك المطالب.
أما إذا كانت تلك المؤسسات محكومة بالنظرة الأحادية، وتصورات الدولة العميقة؛ فإنه سيكون من الصعب الاستجابة لأي مطالب، إلا بالمزيد من الفوضى التي يرى هنتنجتون أنها ستقود في نهاية الأمر، إلى استبدال قواعد اللعبة واللاعبين، بعد ارتفاع سقف المطالب للجماهير.إننا أمام لحظة فارقة في تاريخ البشرية.. فإما أن نلحق بركب الحضارة أو أن نرزح خارج التاريخ.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.