أنتِ خطر على أمننا.. لقد حرمتني إسرائيل من أطفالي ومنعتني من السفر!

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/05 الساعة 12:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/05 الساعة 12:52 بتوقيت غرينتش

أسبوع أو أكثر أمضيته أُحضر الهدايا لأبنائي المغتربين في إسطنبول.. على رأسها الزعتر المطحون والمُحضر مع السمسم والسماك، الذي لا يستطيع فلسطيني الاستغناء عنه؛ لدرجة أنني أقول في أحيان كثيرة: لو سافر الفلسطينيون إلى المريخ، فلا بد لهم أن يأخذوا الزعتر معهم! لم أنسَ طبعاً الميرمية والنعنع المجفف وغيرهما.. النباتات التي تحمل رائحة فلسطين بامتياز.

كان حجز الطيران ينتظرنا في مطار الملكة علياء في الأردن.. ففي فلسطين لا يوجد مطار للفلسطينيين، يوجد مطاران لمن يحملون الجنسية "الإسرائيلية" والأجنبية فقط، مطار اللد ومطار قلنديا! وإذا أراد الواحد منا -نحن سكان الضفة الغربية- السفر إلى الخارج، بغض النظر عن وسيلة النقل، جواً أو بحراً أو براً، لا بد له من اجتياز معبر جسر الملك حسين؛ للدخول للأردن ليتخذ وجهة السفر التي تناسبه بعد ذلك.

اشتريت كارت ضريبة المرور عن استراحة أريحا، ثم دخلت برفقة أسرتي لتسليم جوازات السفر الفلسطينية لتُختم على الشباك لدى نقطة التفتيش الأولى في أريحا الخاضعة للسلطة الفلسطينية.. دقائق، أمرتنا الموظفة بعدها بالتحرك إلى الباص الذي سيجتاز بنا المسافة الفاصلة بين أريحا وممر العبور الواقع فوق جسر الأردن والذي يسيطر عليه الاحتلال..

هبطنا من الباص بعد أن تلقى السائق الأمر من حرس الاحتلال بالتوقف وفتح الأبواب، ثم اصطففنا أمام الشبابيك ليختم جنود الاحتلال على الجوازات ختم الخروج قبل أن يقبضوا تذكرة ضريبة المرور..

ختم زوجي وأبنائي الصغار جوازاتهم، وسلَّمت جوازي، ولكنهم أمروني بالانتظار في الصالة.. اعتقدت في البداية أنهم سرعان ما سينادون اسمي لأستلم جوازي.. ولكني اكتشفت أن جميع من قدموا معنا في الباص قد استلموا جوازاتهم، وعبروا إلى الناحية الأخرى، بينما بقيت أنا، وبقيت أسرتي تشاركني الانتظار.. وكلما ذهبت للشباك أسأل: متى سأستلم جوازي" أمرتني المجندة بنفاد صبر أن أنتظر.. مضى الوقت بطيئاً.. وبدأت الوساوس تعبث في ذهني.. خاصة عندما سألت ضابطاً مسؤولاً: لماذا تأخر جوازي؟ قال: فحص مخابرات!!

ملَّ أطفالي الانتظار، وأخذت المخاوف تساورهم أننا سنخسر جميعاً حجز الطيران إن تأخرنا لمزيد من الوقت. شارفت المكاتب على إغلاق أبوابها مع قرب انتهاء ساعات العمل الرسمي على المعبر.. وجاء جندي ينادي باسمي قائلاً: زهرة.. لا تستطيعين المرور.. أنت ممنوعة أمنياً!!

صُدمت!! سألته: ولماذا؟ قال: "مش شغلي أقلك".

سألته مرة أخرى: وماذا تقصد بكلامك؟.

فقال: عليك العودة الآن إلى أريحا!!

قلت: وكيف لي أن أعرف سبب منعي من السفر؟

قال: راجعي الإدارة المدنية في بيت إيل!

وما أدراك ما بيت إيل!! هي هيئة الحكم "الإسرائيلية" التي تعمل في الضفة الغربية، وتحاول أمام العالم تحسين وتجميل صورة الاحتلال.

ما إن سمع أطفالي عبارة الجندي حتى اندفعوا يبكون بحدة ويتشبثون بي، ويرفضون أن أعود مع الجندي الذي يريد أخذي إلى الناحية الأخرى- ناحية العودة.. حاولت بهدوء إقناعهم بالمضي مع والدهم إلى الأردن ثم إلى مطار عمان.. ولكنهم رفضوا بحدة في البداية، واضطروا للرضوخ في نهاية الأمر أمام إصرار الجندي على إعادتي..

 قدمت لهم بعض الوصايا كعادة الأمهات وعدت أدراجي أشعر بقهر بحجم جبل قاف يستلقي على عاتقي…

ركبت الباص مرة أخرى إلى استراحة أريحا.. حيث الأمن الفلسطيني، سلمت جوازي وأخبرت الموظف أن" اليهود" أرجعوني. فأمرني بالانتظار لحظة.. أجرى اتصالاً سريعاً، حضر بعده ضابط مخابرات من السلطة الفلسطينية، واقتادني إلى مكاتب المخابرات، حيث خضعت لمزيد من التوتر وضغط الأعصاب، وتحقيق دقيق.. واستفسار مرهق عن سبب منعي من المرور.. وكأنني أعرف السبب الحقيقي! أو أني المسؤولة عن إجراءات الاحتلال وتعنته!

تسلمت جوازي.. وعدت إلى سيارتي المركونة في الموقف، وركبتها عائدة من حيث أتيت..

ولشدة ضغط الأعصاب الذي كنت واقعة تحته، أخطأت الطريق، خاصة أن منطقة الأغوار تنتشر فيها المستوطنات بكثافة، فالتبست عليّ الطريق ولم أستطع تمييز أي المفترقات تصل بي إلى حاجز زعترة، فسلكت طريقاً طويلاً جداً أرهقني وزاد من توتري أني لا أعرفه، عدا عن شعور الخوف الذي سيطر عليَّ لأني أسير على طرق استيطانية لا أدري أيها يعترض مستوطنوها طريق الفلسطينيين ويؤذونهم، قُدتُ سيارتي ما يزيد على ثلاث ساعات رغم أن طريقي الاعتيادي لا يأخذ مني أكثر من ساعة ونصف.

مررت من مناطق الأغوار الشمالية، مناطق كنت أقرأ عنها دون أن أعرفها: الحمرا، طَمُّون، النصَّارية، البَاذان، طوباس، حتى وصلت نابلس.. أمام منطقة تبدو مخيم، سألت شباناً فلسطينيين: ما هذه المنطقة؟ قالوا: مخيم عسكر القديم.. وهذه أول مرة كنت أرى فيها مخيم عسكر..

بدأت أُميز المنطقة عندما مررت من أمام المبنى الذي كان سجن نابلس المركزي بالقرب من مخيم بلاطة.. تابعت بعدها السير في طريق أعرفه حتى وصلت البيت.

خسرت رؤية أبنائي، والاستمتاع مع أسرتي ومشاركتهم" لمة العيلة"، وخسرت تذكرة الطيران.. وحُكم عليَّ ألا أغادر بعد اليوم إلى أي مكان آخر في العالم مهما كانت الأسباب..

لقد أصدرت مخابرات الاحتلال بحقي قراراً أنني أُشكِّل خطراً على أمن دولة الاحتلال!!

وما حالتي هذه إلا شيء يسير من آلاف قصص الظلم التي يتعرض لها شعبي طوال الوقت منذ 74عاماً أو يزيد!!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زهرة خدرج
كاتبة وروائية وناشطة فلسطينية
كاتبة وروائية وناشطة فلسطينية
تحميل المزيد