منذ عام تقريباً رأيت فيما يرى النائم، أحد المقاطع التي تعدت مشاهدتها مئات الآلاف على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تخبر بها إحدى النسوة الناس عن الطريقة الصحيحة لتناول الموز، رأيتها تضع الموز في طبق، ليس طبق التقديم بل طبق خاص لكل فرد للأكل، بينما تمسك بيدها اليسرى أو اليمنى، لم أعد أتذكر في الحقيقة، ولنقل في إحدى يديها شوكة وباليد الأخرى سكيناً، ثم تشرح الطريقة الصحيحة لأكل الموز في طبق وباستخدام الشوكة والسكين!
لم أتذكر ذلك الكابوس المفزع إلا عندما استيقظت صباحاً لأجد نفسي نائمة في وضع الجلوس بينما أمسك بيدي هاتفي المحمول، الذي على الأرجح كنت أشاهده حتى لا أنام، وبجانب سريري قشرة موز ملقاة على الأرض، أتذكر أنني ذهبت إلى المطبخ وقطعتها عنوة من تجمعها مع أصدقائها لأقوم بالتهامها في عدة قطمات؛ لأنني كنت على وشك الإغماء بسبب أنني لم أتناول أي طعام منذ الصباح.
لا بد أنها أضغاث أحلام.
استيقظت وقمت بعمل الشاي باللبن وقمت بالتهام كوب كامل منه بينما" أسقسق" النوع المفضل من البسكويت لديّ به، لأفيق جيداً وأفتح موقع الفيسبوك لأكتشف أنني لم أكن أحلم بل إن إحدى خبيرات الإتيكيت قامت بالفعل بتصوير أحد مقاطع الفيديو لتشرح طريقة أكل الموز وفقاً لأساليب الإتيكيت.
أدخل إلى صفحة تلك الخبيرة لأجدها تتحدث عن إتيكيت شرب الشوربة وتفصيص السمك وأشياء من ذلك القبيل، أغلق الصفحة وبالطبع لا أضغط على زر المتابعة.
كانت الخبيرة تعلل طريقة شرحها دائماً بأن ما تقوله من أصول فن الإتيكيت، وقتها سألت نفسي ما هو هذا الإتيكيت الذي يلزمني أن أتناول الموز في 5 دقائق بينما في الواقع يمكنني التهامها كاملة في أقل من دقيقة بكثير؟
وما الصعوبة في تناول الشوربة الذي لا يتكلف إعدادها سوى إلقاء كوب صغير من الماء على دجاجة موضوعة فوق النار.
إذا كان صنعها لا يحمل أي صعوبة فلم كل تلك الصعوبة في تناولها!
في الشهرين الأخيرين، نشرت خبيرة التجميل أمينة شلباية سلسلة من الفيديوهات التي تنقل للناس طريقة الأكل وطريقة تناول الشراب وكذلك طريقة اللبس للبنات معللة كل ذلك بأنها تنقل لهم أصول الإتيكيت.
وأنا هنا لا لأقوم بدحض كلام أستاذة أمينة بالطبع، فأنا لا أملك أي خبرة في علم الإتيكيت، في الواقع أنا لا أعرف كيف يمكن الحصول على تلك الخبرة أو ما الدراسة التي تعلم الناس الإتيكيت؟ ولكنني أناقش الأمر كفتاة مصرية من طبقة عادية قضت سنوات طويلة تأكل سندوتشات البطاطس من كافيتريا الجامعة إلى أن أصبحت الآن أماً تفرح بشدة عندما تقبل ابنتها سقسقة البسكويت في كوب من الشاي لأنها لم تأكل شيئاً منذ الصباح.
أصل فن الإتيكيت
يرجع تاريخ أصل فن الإتيكيت إلى أبي الحسن علي بن نافع الملقب "زرياب" وذلك للون بشرته الداكن وجمال صوته وعذوبته.
كان زرياب المولود في بلاد العراق، مغنياً وتلميذاً لفنان يسمى إسحاق الموصلي، ذات يوم صحبه معه للغناء أمام الخليفة هارون الرشيد، فأعجب هارون الرشيد بصوت زرياب أكثر من صوت معلمه، ما أثار الغيرة في صدر المعلم وبعدها أمر زرياب بالخروج إلى بلاد المغرب العربي.
نفذ زرياب أوامر معلمه وخرج إلى بلاد المغرب ومنها إلى الأندلس.
ولأن بلاد العراق في ذلك الوقت كانت محط التقدم في طرق اللبس والأكل غيرها، بدأ زرياب في نقل تلك الثقافة إلى كل البلاد التي جالها، ويعتبره الكثير مؤسس فن الإتيكيت لأنه نقل ثقافته من بلاده الأصلية إلى أوروبا ومنها انتقلت إلى العالم بأكمله.
علم زرياب طريقة فن اختيار الملابس؛ مثل اختيار الملابس البيضاء في فصل الصيف وارتداء الألوان الداكنة في فصل الشتاء، كما نقل لهم بعضاً من علمه في فن الموسيقى، ونقل لهم الطريقة المتداولة لتناول الطعام في بلاد الرافدين من تقديم المقبلات أولاً ثم تناول الأطعمة الأساسية.
كيف يمكنني أن أحيا دون ودن القطة؟
"برافو" هكذا أقول لابنتي بعد أن تمكنت من صنع ودن القطة لأول مرة وتمكنت من شرب الملوخية بها، بالطبع تلك الطريقة لا تليق كما يقول فن الإتيكيت الذي نقلت أمينة شلباية الطريقة الصحيحة والتي أوضحها بعد قليل.
الطريقة الصحيحة تبعاً لفن الإتيكيت هي تناول الملوخية بالملعقة على أن يكون اتجاه حركتها من ناحيتك إلى الناحية الخارجية للطبق، ثم شرب الملوخية وبعدها ترك الملعقة، ثم تناول قطعة صغيرة من العيش ثم وضعها بالفم!
هنا أود أن أستحلفك بالله قارئي العزيز، أيهما يعد مشهداً منظماً أكثر، هل تناول قطعة من الخبز وجعلها على شكل ودن قطة محكمة الغلق ثم وضع القليل من الملوخية بها وتناولها على مرة واحدة لتنال أطيب طعم للملوخية، أم شرب الملوخية ثم بلعها ثم تناول قطعة من العيش؟
أما عن تناول الملوخية بالأرز فقالت إنه يجب وضع قليل من الملوخية فوق الأرز، وهذا ما أحمد الله أنني أفعله بالفطرة، ثم تناول الأرز بالملوخية بالشوكة والسكينة!
إذا كان فن الإتيكيت يهدف لجعلنا نأكل بطريقة لا تتسبب في أي مظهر سيئ، فأيهما أفضل أن أضع الأرز بالملوخية بكمية مناسبة في الملعقة أم وضعها على شوكة من المحتمل أن يقع ما عليها؟
البطاطس المحمرة
عندما رأيت الفيديو المصور لأمينة شلباية أيضاً عن الطريقة الصحيحة لتناول الفرينش فرايز لأننا نتكلم بالطبع بلغة الإتيكيت، أول ما لفت انتباهي هو الكمية! ما تلك الكمية التي لا تكاد تجاوز بطاطساية واحدة متوسطة الحجم!
ندخل إلى صلب الموضوع وهو وضع كميات قليلة من البطاطس باستخدام شوكة وشيء لا أعرف اسمه شبيه بالمغرفة لنقل البطاطس من طبق التقديم إلى طبق الأكل ثم نقل تقطيع البطاطس إن كانت كبيرة الحجم وأكلها بالشوكة.
هنا أقف على الوقت الطويل في أكل كمية من البطاطس المحمرة، من أين لي بالوقت الذي يسمح لي بتناول الطعام بتلك الطريقة، أذكر أنني لوقت ليس بالبعيد كنت أعد فطاراً من البطاطس المحمرة، عادة ما أتناولها بينما أقوم بغسل المواعين قبل أن تستيقظ رضيعتي من النوم.
إتيكيت شرب الشاي
أما عن الشاي فحدث ولا حرج، فالإتيكيت ينفي سقسقة البسكويت في الشاي باللبن لأنه يمكن أن يقع في الكوب، وهنا أحب أن أدلو بدلوي حيث إن لي من الخبرة الآن ما يزيد على ثلاثين عاماً من سقسقة البسكويت في الشاي، بأن الطريقة الصحيحة والتي تجنبك ما يخاف الإتيكيت أن تقع به هو العد واحد اتنين ثلاثة وبالتأكيد لن يقع البسكويت في الشاي.
لا تصدق كلام الإتيكيت الذي يمنع عنك متعة ضم قطعة من البسكويت ما زال بها بعض من الصلابة ممزوجة بخليط من أطيب المشروبات التي خلقها الله ليملأ طعمه فمك بالكامل.
أما عن طريقة شرب الشاي للصنايعية أو للرجال، كما تقول أمينة شلباية، فهي للأمانة طريقة تتسبب لي شخصياً في الكثير من اشمئزاز، لكن لا يمكنني بحال من الأحوال أن أناقش ذلك الأمر مع صنايعي يحصل يومياً بالكاد على ما يسد رمقه وأطفاله لأشرح له أنه يجب ألا يخبط بالملعقة على الكوب في أثناء وضعه… لا أقدر لأنه إذا اقتنع بضرورة منع الخبط بالملعقة فمن المؤكد أنه يخبطني بها على رأسي.
رأي أخير
بالطبع أنا لا أتهكم على طريقة تناول أي أحد لطعامه، كما أن التناول بطريقة الإتيكيت أفضل بالتأكيد من تناول الطعام بطريقة مقززة، لكنني بالنهاية أيضاً لا يمكنني أن أقتنع بضرورة استخدام تلك الطريقة في حياتي العادية، يمكن أن ألجأ لها في محفل دولي لا أعرف إلى الآن السبب الذي يمكنني أن أذهب إليه، أو حفلة أرستقراطية رفيعة المستوى لا أعلم أيضاً كيف يمكنني أن أتعرف على أبنائها.
لكن إلى أن يحين ذلك الوقت سأكتفي بتعليم الصغيرة آداب الطعام التي تربينا عليها في طفولتنا وضرورة غلق الفم أثناء تناول الطعام ووضع كميات قليلة منه في فمها، وسأتسابق معها في عمل ودن القطة.
بالنهاية، هذا المقال لا يحمل أي إهانة موجهة لشخص معين تم ذكره، ولكن لنقل إنها لعنة الكتابة، التي لا يستطيع معها الكاتب حبس كلماته إلا أن ينقلها على ورق ويقاسمها مع قارئ.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.