طُرحت فكرته للمرة الأولى في الثمانينيات.. لماذا يولد “الناتو العربي الإسرائيلي” ميتاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/04 الساعة 08:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/04 الساعة 11:10 بتوقيت غرينتش
العاهل الأردن عبد الله الثاني مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ/رويترز

عاد الحديث عن فكرة إنشاء "حلف ناتو" شرق أوسطي، على غرار حلف شمال الأطلسي، بعد تصريحات ملك الأردن عبد الله الثاني لقناة "CNBC" الأمريكية، التي قال فيها إنه يدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط، على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأضاف أن الأردن يعمل بنشاط مع حلف الناتو ويرى نفسه شريكاً للحلف بعد أن قاتلا جنباً إلى جنب لعشرات السنين، على أن يتم ذلك مع الدول التي لديها نفس التفكير. هذا الموقف يأتي بعد أيام قليلة من إعلان إسرائيل عن تحالف للدفاع الجوي المشترك في الشرق الأوسط في مواجهة إيران، وليست هذه هي المرة الأولى التي تُثار فيها مسألة تشكيل حلف عربي أو شرق أوسطي مشابه لحلف الناتو في المنطقة، لكن لا تزال الفكرة غامضة، ويُثار الكثير من علامات الاستفهام حولها، فمن هي الدولة التي ستقود هذا التحالف؟ ومن هي الدول التي قد تنضم إليه؟ وما المقصود بالفكر المشترك؟ وهل سيحظى هذا الحلف في الشرق الأوسط بتأييد شعوب المنطقة؟

بداية الفكرة

فكرة إنشاء تحالف دول عربية مع إسرائيل، مقابل عدو محتمل ليست جديدة، فقد سبق أن طُرحت هذه الفكرة في منتصف الثمانينيات عندما كان "وليام هيكز" وزيراً للخارجية الأمريكية لمواجهة الاتحاد السوفييتي، والآن تتفق بعض الدول العربية على رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات على مهددات خارجية، واللتان تعتبران أن إيران تشكل الخطر الأكبر ولا بد من التحالف ضدها، كما أن إسرائيل تنظر إلى إيران على أنها تشكل تهديداً لمصالحها في المنطقة، فمشروع تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي واختصاره في الترجمة الإنجليزية بكلمة "ميسا" (MESA)  أو "الناتو العربي"، كما اصطلح على تسميته إعلامياً، يضم دول الخليج الست بالإضافة إلى مصر والأردن.

 أما عن فكرته فهي أمريكية وهدفه غير المعلن حماية المصالح الأمريكية بالدرجة الأولى، وقد جمع الرئيس السابق باراك أوباما للمرة الأولى قادة الدول الخليجية في كامب ديفيد عام 2015، واتفق معهم على عقد اجتماعات دورية، والعمل على خلق جبهة واحدة متحدة لمواجهة التحديات المشتركة، سواء كانت إيران أو التنظيمات الإرهابية، وطرحت الفكرة مجدداً عام 2017 قبل زيارة ترامب للسعودية؛ حيث تم الإعلان عن صفقات أسلحة ضخمة، ومع وصول الرئيس جو بايدن إلى الحكم، تمت مراجعة مفهوم "الدفاع الخارجي" مرة أخرى، فجرى تجميد مشروع التحالف الاستراتيجي، الذي كان يُعَدّ المبادرة الإقليمية الرئيسة للولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب، وفي وقت لاحق، بحلول نهاية عام 2021، أعلن أنه غير قابل للتحقيق تماماً.

ولد ميتاً

ليس من المقبول أن يتشكل تحالف عربي بطلب أو بأمر مباشر من أمريكا، تحدد فيه مهمته وأهدافه وخططه، ومن يجب أن ينضم إليه، كما أن هناك خلافاً بين دول الخليج الست في تحديد العدو المشترك، فبينما ترى السعودية والإمارات والبحرين أن العدو هو إيران ويجب مواجهتها عسكرياً، ترى قطر والكويت وعمان عكس ذلك، بأن إيران قوة إقليمية يجب احترامها والتفاهم معها، وكذلك ترى مصر والأردن أن الدخول في عداوة مع إيران ليس من أولوياتهما أو أجندتهما السياسية، وليس هناك ما يدعو لمواجهة قوة إقليمية بلا سبب مباشر، فضلاً عن الاختلاف بين هذه الدول على من سيقود هذا الحلف، هل هي السعودية ذات الخبرة العسكرية القليلة، أم مصر التي طرحت عام 2015 فكرة إنشاء قوة عسكرية عربية لحماية المنطقة؟

كما أن تجاهل الحلف المفترض للخطر الصهيوني هو أحد أهم العوامل التي ستؤدي إلى فشله، في ظل عدم وجود دعم شعبي، خصوصاً في مصر والأردن، فهل سيجبر هذا التحالف إسرائيل على وقف عدوانها تجاه أي دولة عربية؟

وعادة ما يلعب التوقيت دوراً مؤثراً في هذه الفكرة؛ إذ نرى تقارباً بين الإمارات وسوريا، كما أن إيران في طريقها لتوقيع اتفاق نووي مع أمريكا، كذلك هناك تقارب سعودي سوري يتم الحديث عنه، عدا عن أحداث أوكرانيا التي باتت تشغل العالم وعلى إثرها تبدّلت بعض المواقف والأولويات.

وإذا أردنا أن نلخص الأسباب المحلية والإقليمية التي تقف حائلاً  ضد هذا المشروع، أنه في حقيقته تحالفٌ ضد الشعوب أكثر من كونه تحالفاً ضد عدو خارجي، وهو تحالفٌ ضد التغيير السلمي في تلك البلدان أكثر من كونه لمحاربة الإرهاب.

الخيار البديل

حان وقت السياسة والدبلوماسية كي تلعب دورها في هذا الجو الاستثنائي والتغيرات والتطورات المتسارعة، فالأحداث الأخيرة كحرب اليمن مثلاً أثبتت أن لغة الحرب والعنف مهما طال أمدها لن تحقق شيئاً ولن تحل الأمور، كذلك هناك ضرورة لعدم الانجرار خلف حروب لا تبرير لها عدا أنها ستؤدي إلى انهاك اقتصادي وبشري سيطيل أمد الصراع ويعمّق أزماته، فيجب سد المنافذ على مسعري الحروب في الجانب الأمريكي والإسرائيلي والخليج، والعمل على تحكيم العقل في مثل هذه الأجواء القابلة للاشتعال في أية لحظة، قبل أن تجتمع آلاف العقول والجهود لإطفاء ما سيتم إشعاله، نتيجة الحرب الإقليمية المحتملة التي ستحرق الأخضر واليابس.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر أبو دف
كاتب وباحث فلسطيني
كاتب وباحث فلسطيني
تحميل المزيد