بعد عام على وجوده في رئاسة حكومة الكيان الصهيوني، غادر نفتالي بينيت الحياة السياسية بخفي حنين، وقد تعامل مع مجمل الأحداث الرئيسية خلال رئاسته كمراهق سياسي بحث عن شعبية في مجتمع غير متجانس، من خلال ارتكاب المزيد من الإجرام بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.
بدأ بينيت رئاسته بسلسلة وعود لقطعان المستوطنين؛ أبرزها وعده لهم بتوحيد "الأمة" رغم معرفته الجيدة بعدم تجانس المجتمع اليهودي الذي ينتمي إلى عدة قوميات جاءت إلى أرض فلسطين من أجل مكاسب مادية لم يحصلوا عليها في بلدانهم الأصلية.
كان بينيت يعلم جيداً أنه وعد زائف؛ لأنه كشخص ينتسب ليهود الأشكناز (يهود الغرب وأوروبا)، الذين يسيطرون على مفاصل الكيان الصهيوني، والذي ترتكز التعاملات الداخلية بين أفراد مجتمعه على عنصرية فطرية بسبب التنوع القومي الداخلي، وأحد شواهدها ما حصل عام 2019 عندما عمت المظاهرات شوارع فلسطين المحتلة من يهود "الفلاشا" القادمين من إثيوبيا، بعد مقتل "سولومون تاكا" برصاصة شرطي صهيوني.
تلك الأحداث جسدت العنصرية بين يهود الأشكناز من ناحية ويهود الفلاشا (يهود الحبشة) من ناحية أخرى، وهي العنصرية التي جاءت لتعمق العنصرية الأصلية التاريخية بين الأشكناز والسفارديم (يهود الشرق)، تلك الصراعات التي تغذيها الحكومات المتعاقبة التي شكلها دائماً يهود الأشكناز.
خلال فترة بينيت عادت روح المقاومة الفلسطينية بشكل جديد هز الكيان الصهيوني وجهازه الأمني في العمق، وذلك من خلال سلسلة عمليات نوعية فشل الموساد في التنبؤ بها، وهي العمليات التي أوجدت نمطاً جديداً للمقاومة الفلسطينية جسده جيل التحرير الفلسطيني الذي ينتمي لقضيته وحقه في التحرير، وأبرز تلك العمليات التي نفذها النقيب محمد غالب أبو القيعان "عملية بئر السبع" وابنا جنين: ضياء حمارشه ورعد حازم.
أيضاً فشلت حكومة بينيت في تقديم نصر وهمي للرأي العام اليهودي، وذلك نتيجة فشلها الكبير في إدارة المواجهات مع المرابطين الفلسطينيين في باحات المسجد الأقصى ومحاولات فرض التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، حيث تصدى المرابطون رغم قلة إمكانياتهم لجنود الاحتلال، وانتصرت إرادتهم في الحفاظ على الهوية الإسلامية للمسجد الأقصى رغم تسخير القدرات العسكرية لجيش الاحتلال من أجل إنجاح مسيرة الأعلام؛ لكي يكسب شعبية اليمين المتطرف، وسقط بينيت في الاختبار التقليدي الذي سقط به من سبقوه في الحكم رغم حجم إجرامهم.
الفارق العميق بين الاحتلال الصهيوني بمكوناته وداعميه والشعب الفلسطيني منذ بداية الاحتلال عام 1948 حتى الآن يتعلق بالإرادة والعقيدة، فعلى الرغم من مرور قرابة 74 عاماً على الاحتلال، ما زال الشعب الفلسطيني يقاوم الاحتلال ويقدم الكثير من الشهداء من أجل تحرير كامل التراب الوطني، ولم تنجح إفرازات ما يسمى باتفاقية "أوسلو" في تغيير شيء من الحقيقة، بل أصبحت المقاومة الفلسطينية، وخصوصاً في غزة، تشكل كابوساً يدق ناقوس نهاية وجود الكيان بقوة.
أيضاً وعلى الرغم من السيطرة والاعتماد الكبير للاحتلال على أحد أهم أسلحة الحركة الصهيونية العالمية، وهي وسائل الإعلام، إلا أن هذا السلاح كان وبالاً على حكومة بينيت في أزمة جريمة قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة برصاصة قناص من جنود الاحتلال والاعتداء على جنازتها، وما زالت تبعات تلك الجريمة في تزايد مثل كرة الثلج، وقد تكون لها عواقب لاحقاً.
لم تكن شيرين أبو عاقلة أول صحفية يقتلها جنود الاحتلال وقد لا تكون الأخيرة، ولكن إدارة تلك الأزمة كانت أبرز الشواهد على المراهقة السياسية لنفتالي بينيت الذي أعلن بنفسه اعتزاله العمل السياسي، وهو الذي لم يستطع أن يجد له فيه قيمة أو مكانة حتى مع حجم الإجرام الذي ارتكبه.
من الوعود الفارغة التي قدمها بينيت هي فكرة اعتراض صواريخ المقاومة من خلال نظام الليزر، وقد غادر بينيت قبل نهاية فترة ولايته بعام كامل دون أن يكون هنالك أي تطور تقني أو لوجيستي للتعامل مع صواريخ المقاومة التي أعلن يحيى السنوار، في نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي أنها جاهزة لإطلاق 1111 صاروخاً في أول رشقة في الحرب القادمة المتوقعة أن تكون حرباً إقليمية، وقد أظهرت المقاومة في السنوات الاخيرة قدراً كبيراً من المصداقية في وعودها بعكس قيادة الاحتلال التي حاولت اقتحام مخيم جنين عام 2002، وكررت الفعل نفسه بعدها بـ20 عاماً، في دليل على فشلها الأمني وتفوقها الإجرامي.
خرج بينيت من المشهد بخفي حنين ورمزية الإجرام الصهيوني، وستبقى جرائمه تلاحقه، بينما بقيت فلسطين بشعبها المرابط ومقاومتها المتطورة تتصدر المشهد كرمز للحرية بين شعوب الأرض حتى تحرير الأرض.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.