تواتر الحديث عن حلف دفاعي على غرار الناتو، تشكل أو على وشك أن يتشكل في المنطقة العربية، ومن المفترض أن يضم الكيان الإسرائيلي، والولايات المتحدة الأمريكية، وتسع دول عربية، من أهمها: السعودية ومصر والإمارات، والأردن، حسبما قالت القناة العبرية الثانية عشرة، التي أكدت أيضاً أن الكيان الصهيوني نشر فعلياً منظومات رادارية في البحرين والإمارات، وكان الملك الأردني عبد الله بن الحسين قد أكد أنه سيدعم تشكيل تحالف عسكري في "الشرق الأوسط" على غرار حلف شمال الأطلسي، مع العلم أن هذه الفكرة ليست جديدة فلقد سبق طرحها عام 2018 من قبل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، وكان الحديث عن قرب تدشينها فعلياً، وهو ما لم يتم حتى الآن.
فما هي أهداف هذا الحلف الدفاعي، الذي يفسر سر الزيارات المتواترة للقادة الصهاينة لعدد من الدول العربية خلال الفترة الفائتة؟
يمكن أن نستشف من التسريبات المختلفة، ومن قراءتنا لسلوك مكونات ذلك الحلف المنتظر ثلاث غايات في منتهى الأهمية يسعى لتحقيقها، هي:
حماية الكيان الإسرائيلي
يسعى الحلف المقترح دون شك لحماية الاحتلال الإسرائيلي، وتقديم العون له، وفتح كافة الأبواب أمامه، وضمان بقائه، وهيمنته، وقيادته للمنطقة العربية، وسيجلب معه بالتأكيد آفاقاً اقتصادية لصالحه، ويشير إلى ذلك نشر أنظمة الرادار، والدفاع الصاروخي الإسرائيلية في عدد من الدول العربية كالبحرين، وفتح المجالات الجوية العربية أمام طيران الاحتلال، بحيث يكون قادراً على التصدي بشكل مبكر لأي هجوم صاروخي إيراني، وفي الوقت نفسه قادر بيسر على التحرك في الأجواء العربية لمهاجمتها أو مهاجمة غيرها دون استئذان لو أراد.
خاصة أن الميزة التنافسية التي عملت إيران على ضمان أن تكون نقطة تفوقها، هي القوة الصاروخية، والمُسيرات الانتحارية، وقد أشار الإعلام العبري لذلك، مبيناً أنه بموجب التحالف الدفاعي؛ ستكون كل الدول المنضوية ضمنه ملزمة بتبليغ الدول الموقعة على الاتفاقية بشأن أي هجوم إيراني يمر عبر أجوائها.
كما سيعمل هذا الحلف على حماية الاحتلال الإسرائيلي من أعدائه الآخرين، من خلال منع وصول السلاح والتمويل إلى المقاومة الفلسطينية، وحرمانها من أي هامش تتحرك فيه، خاصة في ظل الحديث المتصاعد عن حلف مقاوم في المنطقة العربية، يضم كافة الحركات المقاومة.
وهو ما يمكن من خلاله فهم الحديث عن احتمالية عودة العلاقات بين حماس وسوريا، ودعوة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إلى ضرورة توحد الجبهات الست: قطاع غزة، والضفة الغربية، والداخل المحتل، ولبنان، وسوريا، وإيران، في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وتأكيده على حاجة المنطقة العربية إلى المصالحات، سواء بين الدول، أو الدولة الواحدة.
حصار إيران وحلفائها
من المتوقع أن يستلهم حلف الناتو العربي الإسرائيلي المرتقب سياسة حلف الناتو في حصار روسيا، وتقييد مجالها الحيوي، وذلك بتشديد الحصار على إيران، وتعزيز القوة العسكرية، وخاصة الصاروخية على حدودها، ومنعها من التوسع في المناطق المجاورة لها، على أمل أن يساهم ذلك الحصار في إنهاك إيران، وتعجيزها عن دعم حلفائها، وإسنادهم بشكل فعال، وقطع خطوط الاتصال البري أو البحري أو الجوي بينها وبينهم، كما رأينا مثلاً في قصف مطار دمشق، وتعطيله، بهدف قطع خط الاتصال بين إيران وحزب الله.
وربما يؤدي ذلك الإنهاك إلى إضعاف النظام، وإجباره على تغيير مواقفه وقناعاته، أو تشجيع الثورة الشعبية عليه، أو انشقاق بعض مكوناته، وتجاوبها مع الضغوط الغربية، وهو ما لم ينجح حتى اللحظة، لا مع إيران، ولا في النموذج الأصلي مع روسيا.
ومشكلة الأنظمة العربية أنها تتورط من خلال هذا الحلف الدفاعي في حرب لا طاقة لها بها، ولا مصلحة لها في خوضها، خاصة أن الناتو الأصلي في حالة تراجع، وتخلى فعلياً عن حلفائه، وما جرى في أوكرانيا نموذج على ذلك، صحيح أنه ورّط روسيا كما يرى البعض في حرب استنزاف طويلة، لكن ما هي الفوائد التي عادت على أوكرانيا من ذلك، كانت تلك حرباً مفيدة للناتو، ومحققة لأهدافه، لكنها مثّلت وبالاً على أوكرانيا، وهو ما يمكن أن نتخيل حدوثه في الحالة العربية.
فقد ينجح هذا الحلف في تكبيد إيران أثماناً باهظة، وفي حماية الكيان الإسرائيلي، لكن ما الذي سيعود على الأنظمة العربية من تلك المواجهة، وقد تتعرض خلالها لدمار كبير لا يبقي ولا يذر، وكل المنظومات الصاروخية الموجودة على أرضها ستنهار بعد أيام، كما نفدت قذائف القبة الحديدية في حرب غزة الأخيرة خلال أيام.
وأد أي ثورة شعبية محتملة في المنطقة العربية
يهدف الحلف المحتمل كذلك لتحقيق مصلحة ضرورية لمكوناته المختلفة، وهو ما يعد من أهم الدروس التي تم استخلاصها من دراسة تجربة الربيع العربي، التي انكسرت أمام هجمة الثورة المضادة، التي كانت في جوهرها حلفاً بين أنظمة عربية غنية مادياً من خارج دول الربيع، ومكونات حزبية وعسكرية رافضة للثورة داخلها، وما كان للثورة المضادة أن تنجح لولا تحالفها وتوحدها.
والحلف الجديد سيكون قادراً -من وجهة نظر أعضائه على الأقل- على التدخل مستقبلاً لمنع أي ثورة بمجرد اندلاعها، كما فعلت السعودية في البحرين، وبالتالي منع أي احتمال للمخاطرة، لضمان بقاء هيمنة تلك الأنظمة، وديمومتها، خاصة مع ظهور بوادر فشلها الاقتصادي الذريع، والذي يتصاعد يوماً بعد يوم في ظل أزمة الغذاء العالمية، وارتفاع الأسعار، واحتمال حدوث ثورة جياع في كثير من الدول العربية الأكثر فقراً وسكاناً.
كانت تلك هي الغايات الثلاث الأهم للحلف المنتظر، فهل ينجحون في تحقيقها؟
ذلك سؤال لا إجابة عليه إلا عند الشعوب العربية، والمكونات الثورية، والحركات المقاومة، ولا يمكن الرد عليه عملياً إلا بنشوء حلف موازٍ، فلا نصر للأمة ومكوناتها الرافضة للتطبيع إلا بوحدة تضمن انصهارها في معركة تحرر كبرى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.