رغم عدم تلبية مطالبهم الإنسانية.. كيف ينقذ العاملون في الخارج اقتصاد أوطانهم؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/29 الساعة 08:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/29 الساعة 13:00 بتوقيت غرينتش

تمثل تحويلات العاملين بالخارج مورداً رئيسياً للعملات الأجنبية للبلدان المرسلة للعمالة، وفي العديد من بلدان المنطقة العربية قفزت هذه التحويلات لتصبح المصدر الرئيس والأول للعملات الأجنبية، وتدعم هذه التحويلات الاحتياطي النقدي وقيمة العملة؛ حيث تضمن للبنوك المحلية والمركزية تدفقات مستمرة من العملات الأجنبية.

تؤكد الدراسات أن تحويلات العاملين في الخارج هي عنصر حيوي جداً للاستقرار الاقتصادي الكلي للدول العربية المصدّرة للعمالة. و​​تُعتبر المنطقة العربية مصدراً ومتلقياً رئيسياً لتحويلات العاملين في الخارج في الوقت ذاته، وهذه التحويلات تشكِّل عنصراً حيوياً جداً للاستقرار الاقتصادي الكلي للدول العربية المصدِّرة للعمالة، وحجم هذه التحويلات فاق بشكل لافت للنظر خلال السنوات العشر الأخيرة التدفقات المالية الناجمة عن الاستثمار الأجنبي المباشر.

 كيف يساهم المغتربون في انتعاش اقتصاد الوطن؟ 

وفقاً لتقرير لاتحاد المصارف العربية، زادت التحويلات من وإلى الدول العربية بشكل متصاعد خلال العقد الماضي، كاسبة أهمية اقتصادية واجتماعية كبيرة في المنطقة. وبوجود عمالة مهاجرة تقدّر بحوالي 24 مليون نسمة، بلغت التحويلات المالية إلى الدول العربية حوالي 48.8 مليار دولار عام 2015، في حين بلغت التحويلات من المنطقة العربية حوالي 105.4 مليارات عام 2014.

ووفقاً لنفس التقرير ففي عام 2015، شكلت تلك التحويلات 17% من حجم الاقتصاد الفلسطيني (أي الناتج المحلي الإجمالي)، و16% منه في لبنان، و10% في الأردن. كما تشكل التحويلات إلى الخارج نسبة كبيرة من حجم الاقتصادات للدول العربية المنتجة للنفط، حيث تشكل حوالي 13% من الناتج المحلي الإجمالي في سلطنة عُمان، و11% في الكويت، و7% في البحرين، وحوالي 5% في كل من قطر والسعودية والإمارات العربية.

وخلال العقد الماضي، فاقت التحويلات من العاملين في الخارج التدفقات المالية الناجمة عن الاستثمار الأجنبي المباشر وتلك المتأتية عن المساعدات التنموية الرسمية في الدول المتلقية للتحويلات، كما أنها قد أثبتت صمودها، وكانت معاكسة للدورة الاقتصادية وذلك في ضوء بطء النمو الاقتصادي والاضطرابات السياسية التي ضربت المنطقة عقب الربيع العربي. وفي عام 2014، تلقت المنطقة العربية تحويلات من العاملين في الخارج مبلغ 51 مليار دولار (وهو ما يشكل 1.8% من حجم الاقتصاد العربي)، مقارنة بـ 43 مليار دولار من الإستثمار الأجنبي المباشر (شكلت 1.6% من حجم الاقتصاد العربي) و22 مليار دولار كمساعدة تنموية رسمية (0.8 % من حجم الاقتصاد). وبلغت التحويلات إلى الدول العربية المتلقية للتحويلات المذكورة أعلاه، 48 مليار دولار (شكلت نسبة 5.6% من اقتصادها المجمّع)، في حين بلغ الإستثمار الأجنبي المباشر الوارد إليها 16.4 مليار دولار (2% من حجم اقتصادها المجمّع).

بخلاف ذلك، فإن العديد من هذه التحويلات هي التي تقوم بإنعاش الاقتصاد الوطني عبر تحريك عجلة الأسواق في قطاعات كثيرة، على رأسها العقارات حيث القدرة الشرائية للمقيمين في الخارج أعلى بكثير من نظرائهم في الداخل؛ ما يساهم في خلق الطلب وتحريكه في قطاع يعد رافعة للاقتصاد في العديد من البلدان العربية. 

أي الدول العربية أكثر تلقياً للتحويلات؟

احتلّت مصر المرتبة الخامسة عالمياً بعد الهند والمكسيك، والصين والفلبين، والأولى من حيث أكثر الدول المتلقين للتحويلات المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2021، بقيمة بلغت 31.5 مليار دولار، وفقاً لتقرير البنك الدولي لشهر مايو 2022، هذا الرقم شديد الدلالة بالنسبة لمصر إذ إنه أعلى من قيمة الصادرات المصرية في نفس العام.

ووفقاً لنفس التقرير، ففي بعض البلدان تمثل التحويلات نسبة كبيرة جداً من الناتج المحلي الإجمالي، فلبنان على سبيل المثال من بين الاقتصادات التي تبلغ فيها تدفقات التحويلات نسبة مرتفعة للغاية من إجمالي الناتج المحلي بنسبة 54%. وزادت التحويلات إلى البلدان النامية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 7.6% في عام 2021 لتصل إلى 61 مليار دولار، بفضل التحسن القوي الذي تحقق في المغرب (40%)، ومصر (6.4%). وفي عام 2022، من المرجح أن تنخفض تدفقات التحويلات قليلاً وستكون في حدود 6%.

لماذا تحرص الدول العربية على تدفق تحويلات المغتربين إليها؟ 

تعاني العديد من الدول العربية من عجز في الميزان التجاري، وبالتالي فإنها بحاجة دائمة إلى مصادر للنقد الأجنبي للوفاء بالتزاماتها الخارجية سواء تلك المتعلقة باستيراد السلع الأساسية كالغذاء أو حتى صفقات السلاح الكبرى، حيث تعد المنطقة أحد أكبر مستوردي السلاح في العالم.

وفي ضوء ضعف الصادرات العربية وتذبذب مداخليل السياحة واعتمادها بشكل أكبر على عوامل خارج إطار تحكم الدول العربية فإن تحويلات العمالة تعد المصدر الأكثر استقراراً للتحويلات من الخارج وللعملات الصعبة، حتى إن بعض البلدان تتعامل معها باعتبارها تحويلات مضمونة سيقوم الأفراد بإجرائها في كل الأحوال؛ لذلك لا تبذل الدول العربية مجهوداً كبيراً في تعبئة وتعظيم هذه التحويلات مع الأسف، بينما العديد من الدول مثل الصين والهند والفلبين وبنجلاديش تدافع عن حقوق مواطنيها في الخارج بكل الطرق وتسعى لفتح المزيد من الأسواق والضغط بكل قوة لتحرير حركة انتقال البشر بالتوازي مع تحرير تجارة السلع والخدمات وتربط هذه الاتفاق ببعضها بشكل جيد.

ما الذي تقدمه الدول لتعزيز هذه التحويلات؟

عالمياً تنشط سفارات دول مثل الهند المكسيك والصين والفلبين وكذلك بنجلاديش في الخارج لفتح أسواق وعقد شراكات واتفاقات تضمن استخداماً أكبر لعمالتها في الدول الصديقة وتعزيز حقوق هذه العمالة بكافة الطرق الممكنة، وتعزز آليات ميكنة العمل القنصلي والخدمات المقدمة لجالياتها في الخارج تيسيراً عليهم وتخفيفاً للوقت والجهد والنفقات.

تقدم العديد من الدول إعفاءات جمركية وضريبية لأبنائها في الخارج وتسهيلات كبيرة في استخراج الجوازات والخدمات القنصلية خلال نفس اليوم لأنها تعلم أنهم لا يقيمون حول السفارات والقنصليات بل يضطرون للحصول على إجازات للحصول على تلك الخدمات القنصلية ومن ثم تقوم بتوفير هذا الوقت والجهد ليتم ترجمته إلى توفير أموال أكثر وتحويلها للوطن.

في أعقاب الجائحة، ووفقاً لتقرير لصندوق النقد الدولي، فقد كثير من العمال المغتربين وظائفهم، وانتشرت تقارير عن مغتربين تم تسريحهم وظلوا عالقين في البلدان المضيفة دون وسيلة للعودة إلى أوطانهم. والمهاجرون، الذين لا يملك كثير منهم وثائق رسمية للعمل، غالباً ما يواجهون عبئاً أثقل مما يواجهه العامل المحلي إذا فقد وظيفته. فهم في أغلب الأحوال لا يتمتعون بتغطية شبكات الأمان الاجتماعي وفي الوقت نفسه، يحصل الكثير من العمال المهاجرين على رعاية صحية محدودة، أو قد لا تتوافر لهم أي رعاية على الإطلاق. ويؤدي ازدحام الأحياء التي يعيشون فيها، مع سوء ظروف العمل، إلى تعريضهم لخطر العدوى بالفيروس. وقد يعيشون أيضاً تحت وطأة الخوف من أن يتم ترحيلهم في ظل قيام عدة بلدان بتشديد قواعد الهجرة في أعقاب تفشي فيروس كورونا المستجد.

ولذا فإن العديد من الدول اهتمت بوضع سياسات طوارئ لإعادة مواطنيها العالقين أو لتنسيق تلقيهم للقاحات والخدمات الطبية أو استخلاص حقوق من تم تسريحهم بسبب الإغلاق عبر أطر رسمية جيدة.

ما يحدث في الحالة المصرية هو العكس تماماً، فقد أصبحت أزمة المصريين العالقين في الخارج وبالذات في السعودية والكويت والإمارات عنواناً دائماً للعديد من الصحف والقنوات الدولية وكان غياب الاهتمام الحكومي عنواناً للعديد من التقارير.

من ناحية أخرى، فقد تضاعفت أسعار كافة الخدمات القنصلية المقدمة للمصريين في الخارج أكثر من ١٠ مرات منذ العام ٢٠١٤، كما يمكن ملاحظة أخبار التكدسات أمام السفارات والقنصليات المصرية في دول الخليج حيث مناط التركيز الرئيسي للعمالة المصرية في الخارج. وتصب آليات الرقمنة في خانة الأمننة حيث تجبر القنصليات المواطنين على إدخال بيانات صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل؛ حيث يتم حجز المواعيد عن طريق الماسنجر بدلاً من أن تكون هناك خدمة مميزة عبر مواقع احترافية أو شركات تقدم تلك الخدمات كما بفعل العديد من البلدان، والعجيب أن هذه الإجراءات لم تسرع وتيرة المعاملات بل أصبح الحصول على موعد بدون واسطة يتطلب أسبوعين وتخليص المعاملة الواحدة يتطلب انتظاراً ليومين على الأقل وقد يستمر لسنوات كما في حالة تجديد الجوازات في بعض البلدان.

مؤخراً طرحت الحكومة المصرية شققاً لإسكان المصريين في الخارج ضمن خطتها لتعزيز مساهمتهم في الاقتصاد إلا أن الأسعار المعلنة ضمن هذه المبادرات التي يبدأ سعر المتر فيها من ٨٨٥ دولاراً، كانت مثاراً للسخرية على صفحات المصريين بالخارج، وتحاول الدولة السيطرة على كافة الجمعيات والمجموعات والصفحات الخاصة بالمصريين بالخارج حد تهديد وزارة الدولة لشؤون الهجرة للمصريين بالخارج في أحد لقاءاتها بكندا بالذبح لمن يتناول مصر بسوء في الخارج.

كانت الحكومة والبرلمان قد طرحا مقترحاً لإعفاء سيارات المصريين في الخارج وإعفاء متعلقاتهم الشخصية من الجمارك، إلا أن الإدارات المختلفة في المنافذ الجوية والبرية والبحرية تتعنت كثيراً في التعامل مع العائدين من الخارج إلى الحد الذي يجعل الكثيرين منهم يتركون سياراتهم في أماكن تخريد أو يبيعونها بأبخس الأثمان في الدول المضيفة ولا يعودون بها لمصر، وكل هذا لا يتم لصالح حماية صناعة وطنية من السيارات بل لحمايات مافيا استيراد السيارات.

فيما لا يزال موضوع إرسال الجثامين الخاصة بالمصريين في الخارج وهو موضوع إنساني شديد الحساسية محل جدل بين الوزارات المعنية والجاليات المصرية في الخارج؛ إذ ترفض مصر للطيران أو أي من الجهات الحكومية تحمل أي نصيب من التكلفة المرتفعة لعملية نقل الجثامين، فيما تحاول الجاليات وجمعياتها أن تتكفل بالمصروفات أو أن توجد طريقة مستدامة لتمويلها عبر التأمين الإجباري الذي أضافته الحكومة على جوازات السفر عند الإصدار ولا يستفيد منه المصريون في الخارج كثيراً، وتطالب الجاليات فقط بالتسهيلات من قبل السفارات والقنصليات وشركات الطيران لتسهيل تنفيذ رغبات المصريين في أن يدفنوا في أرض الوطن.  

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر سمير
كاتب ومحلل سياسي وباحث في العلوم السياسية
كاتب ومحلل سياسي وباحث في العلوم السياسية
تحميل المزيد