من الإعدام في مصر إلى أستاذ فيزياء في أشهر الجامعات الأمريكية.. هكذا أعدت بناء نفسي في المنفى

عدد القراءات
1,273
عربي بوست
تم النشر: 2022/06/28 الساعة 12:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/28 الساعة 13:58 بتوقيت غرينتش

اضطر الكثير من شباب الوطن العربي، خاصة في البلاد التي قامت فيها ثورات الربيع، للسفر والهجرة هروباً من الانقلابات التي تمت بعد فشل هذه الثورات وبدء التضييق على النشطاء والعاملين في المجالات السياسية والحقوقية.

كان لي شرف المشاركة في ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011 بمصر وقتها؛ حيث كنت معيداً بكلية العلوم جامعة القاهرة، وكمثل الكثير من الشباب المصري وقتها حَلمت بوطن ديمقراطي تُعلى فيه قيم العدل والحريات والمساواة وتختفي فيه المحسوبية والوساطة والديكتاتورية، ولكن للأسف تم الانقلاب على أول تجربة ديمقراطية وحدث الانقلاب العسكري في مصر في يوليو/تموز 2013.

وبدأ أمام أعيننا وبحراسة المدرعات والدبابات تُقْتَل كل أحلامنا بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وتم الرجوع بنا لأكثر من 60 عاماً للوراء لعصر البوليس السري وتلفيق القضايا والاعتقالات السياسية والتربص بالمعارضين من كافة التيارات والتوجهات السياسية والفكرية المختلفة.

كنت شاهداً على مجزرتي رابعة العدوية وميدان النهضة اللتين قتل فيهما النظام العسكري بدم بارد المئات من المتظاهرين، وبعدها شاركت في العديد من المظاهرات المنددة بهذه الجرائم، وكان جل نشاطي داخل أسوار جامعة القاهرة وقمت بإنشاء حركة "جامعة مستقلة" وأصدرنا كتاباً تحت عنوان "جرائم العسكر ضد أساتذة الجامعات" وكنت أعي جيداً أن دوري كأستاذ جامعي ليس فقط قاعات المحاضرات والمعامل ولكن توعية طلابي وحثهم للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم لا يقل دوراً عن واجبي الأكاديمي.

تم التضييق عَلَيَّ وإيقافي عن العمل عدة مرات حتى تم فصلي من الجامعة في 2015 وتركت مصر في رحلة الموت عبر حدود السودان في رحلة استمرت سبعة أيام واجهنا فيها الموت عدة مرات، وبعد قضائي عدة أيام في السودان توجهت إلى قطر وكان التحدي والمواجهة الأولى إما أن أعيش دون هدف وعالة على الجميع وأبكي علي مظلمتي وإما أن أبدأ من جديد وأقبل التحدي وقد كان.

بدأت العمل في جامعة قطر في تدريس الفيزياء وكنت سعيداً جداً وقد قضيت واحدة من أمتع وأسعد السنوات التدريسية في حياتي، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن وبعد مرور عدة شهور في قطر تم وضعي في قضية عسكرية ملفقة انتهت بالحكم عليّ بالإعدام؛ مما جعل من أمر تجديد تعاقدي مع الجامعة مشترطاً بعدم ممارسة أي نشاط سياسي وإغلاق صفحاتي علي السوشيال ميديا، هذا الأمر رفضته بشدة وقررت ترك قطر والبحث عن دولة تسمح لي بممارسة حرياتي السياسية دون تعارض مع عملي الأكاديمي.

انتقلت بعدها للولايات المتحدة الأمريكية وهنا كان التحدي الأصعب والأقوى.

بلد يعج بالعلماء والمتخصصين في كل مجال وأنا جديد على البلد دون أوراق ودون عمل، حينها قدمت طلباً باللجوء السياسي وحصل لي العديد من المطبات بسبب تتبع السفارة المصرية في أمريكا لأوراقي وقيامهم بتقديم العديد من الشكاوى ضدي انتهت باحتجازي لمدة خمسة شهور في سجن الهجرة، ولكن قاضي الهجرة رفض أمر الترحيل ومنح لي حق اللجوء السياسي في قضية تم تداولها على صفحات الجرائد الأمريكية.

وفي جلسة النطق بالحكم في قضيتي وعدت القاضي الأمريكي بأنني سأكون عضواً إيجابياً في المجتمع وكان لزاماً عليّ الإيفاء بهذا العهد.

كانت التحديات أمامي كثيرة؛ حيث بدأت عملي في إحدى الشركات لعدة شهور في إدخال البيانات، ومن ثم انتقلت للعمل كمدرس فيزياء في مرحلة الثانوية العامة في مدرسة إسلامية بولاية نيوجيرسي، لكني لم أكن أركن لذلك فاجتهدت كثيراً حتى بدأت العودة للتدريس الجامعي مرة أخرى بالعمل في كلية يونيون كَمُحَاضِر للفيزياء والفلك.

وفي العام الماضي انتقلت للتدريس في كلية مانهاتن مع التدريس أيضاً في واحدة من أغنى المدارس الأمريكية وحصلت على رخصة التدريس في الفيزياء من ولاية نيوجيرسي.

لم أكتف بهذا، بل قمت كذلك بالتسجيل لدراسة الماجستير عن بُعد في تخصص علوم الكمبيوتر (Machine leaning)

نصيحتي هنا للشباب العربي المهاجر من الظلم والقهر عدم الركن للمظلومية والبكاء علي اللبن المسكوب والانخراط سريعاً في المجتمع الذي هاجر إليه.

فتعلّم اللغة أمر هام وحيوي، ومن ثم البحث عن فرصة للتعليم والحصول على شهادات تؤهله لسوق العمل إذا لم تكن شهاداته التي حصل عليها في موطنه الأصلي مؤهلة لذلك.

وبواقع خبرتي وعملي في التدريس الجامعي، فنصيحتي للشباب العربي المهاجر باللجوء إلى مواقع التعلم الذاتي كموقع (Coursera) و(Udacity) للحصول علي كورسات تؤهلك لسوق العمل، خاصة تلك المجالات التي تهتم بالمهارة وليس بالشهادات كمجالات الـ Machine learning و cyber Security و Artificial Intelligence وغيرها من مجالات علوم الحاسب التي تفتح لك كمهاجر مجالات كثيرة للعمل وبمرتبات جيدة حتى وإن كانت اللغة ليست بالقدر الكافي التي بالقطع عليك بالعمل على تطويرها.

أنت أيها المهاجر العربي لا تمثل نفسك في الدول التي هاجرت إليها ولكنك تمثل الملايين من الشباب العربي، ويجب أن تثبت للمجتمع الذي تعيش فيه أنك عنصر إيجابي وفعال ولم تأت لهذه البلاد لكي تعيش عالة على المجتمع أو تدفع إيجار سكنك من المعونات التي تقدم للاجئين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد عبدالباسط
محاضر بكلية منهاتن الأمريكية
محاضر الفيزياء والفلك بكلية منهاتن بالولايات المتحدة الأمريكية
تحميل المزيد