للأسف اكتشف الشعب السوداني متأخراً أن سلام جوبا الوهمي هو حصان طروادة لتدمير مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية لصالح مشروع جهوي قَبلي لتمزيق الوطن.
للأسف تبيَّن أن جل الحركات المسلحة الحالية في المشهد السياسي والشريك في هذه الاتفاقية لم تكن أبداً تُمثل أهلنا في دارفور، ولا مصالحهم في بناء سلام مُستدام، أو مشروع تنمية وتعمير من خلال دعم التحول الديمقراطي الكامل والمستدام، لأن ذلك سيؤدي في النهاية إلى فضح حجمهم الحقيقي على الأرض، وسيفقدون كل ما نالوه نتيجة هذه الاتفاقية التآمرية.
قد نالت هذه الحركات وأصحاب المسارات الوهمية تحت قيادة الشخصيات الكرتونية، التي صنعها العسكر، جل نصيب الثروة والسلطة، دون أي حق، ومن دون أي مقابل لأصحاب الحقوق الأصلية في تلك المناطق في السودان.
لذا أصبح هؤلاء هم المستثمر الأكبر في الانقلاب العسكري، ويسعون حتى أكثر من عسكر الكارتيلات والجنجويد لتحقيق مشروع نهب كامل لثروات البلد، دون الاكتراث بنتائج هذا الانقلاب في خلق حالة عزلة وعدم استقرار دائمين للوطن، أو حتى لا يمانعوا إن أدى إلى حروب أهلية وصراعات مجتمعية وقبلية، كما هو الحال في شرق السودان وغيره.
هذا الحلف حصر جهوده في الحفاظ على المكتسبات التي نالوها، والسعي بكل ما يملكون لإفشال أي محاولة لإيجاد حلول تتماشى مع متطلبات الشارع، ليكونوا أكثر تطرفاً، حتى من الجانب العسكري الحاكم الحقيقي بعد الانقلاب.
وبعضهم للأسف يظن ألّا مانع من أن يعاني كل السودان من الحروب الأهلية، كما عانوا هم من قبل اختيارياً، ومن دون أن يُنجزوا أي شيء ملموس من كفاحهم المسلح، بقدر ما نالوه حالياً نتيجة حراك سلمي مجتمعي وثورة عظيمة كانوا هم أول الغادرين بها.
لذا من حقنا أن نتساءل إن كان لهذه الحركات، ذات البعد الجهوي والقَبَلي، أي مشروع دولة أو خطة تعمير لمناطقهم أو للسودان عموماً، بعد أن هزموا مشروع التحول الديمقراطي، وبالتأكيد الإجابة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، والمشهد الحالي يوضح حقيقة قدراتهم القيادية للدولة.
السؤال المهم لكل مكونات الوطن: هل المشهد الحالي مقصود منه تحويل معركة الشعب السوداني من معركة مشروع وطني قومي لتأسيس دولة ديمقراطية تُساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات، تحت شعار الثورة: حرية- سلام- وعدالة، إلى مشروع صراع جهوي يوحي بأن فصيلاً محدداً أو جهة محددة تسعى إلى السيطرة على البلد ككل، كحق تاريخي كما يشيع البعض- السؤال الأهم مَن خلف هذه المؤامرة؟ ومن اللاعبون الأساسيون فيها لخلق هذه الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وتمزيق مشروع الثورة الشعبية العظيمة التي انتشرت في كل بقاع السودان وكل مدنها شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً ووسطاً، بتحويلها إلى صراع جهوي، وبين القبائل ومكونات النسيج السوداني؟
السؤال الأهم: ما دور الحركات المسلحة، حلفاء العسكر الانقلابيين في هذه المؤامرة، وما دورُ العسكر والجنجويد، وأيضاً ما القوى الخارجية التي تدعم هذا الخط؟
قبل الإجابة عن هذه التساؤلات المهمة علينا أن نذكّر بأن كل مَن ساعد وأسهم وسهّل لهذه الاتفاقية أياً كانت النوايا سيكون مسؤولاً تاريخياً عن نتائجها، وما أودت إليه من تدمير حلم أمة وجيل قدّم أكبر التضحيات.
وبإذن الله تعالى الثورة التي بُنيت على الوعي ستَهزم هذا المشروع الانقلابي، وخطة تمزيق الوطن على جهويات وقبائل تتحارب لمصلحة مَن ينهب في ثروات الشعب السوداني، ويستثمر في تدمير البلد كوطن.
لدول الجوار وللدول الصديقة التي تحاول أن تدعم إعادة المسار لمشروع التحول الديمقراطي ننبّهها بأن عدم استقرار السودان سيؤدي إلى وضع كارثي في قلب إفريقيا، وأن من يملكون السلاح اليوم ويقتلون المتظاهرين والمحتجين لا يملكون مشروع خلق استقرار أو تنمية أو تعمير، وتبعات استمرارهم في مشروعهم التدميري ستكون كارثية على الكل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.