لا شك أن معدلات الطلاق في مصر باتت تهدد السلم المجتمعي، ولا شك كذلك في أن كثيراً من حالات الطلاق يمكن تجنبه لو حَسُنت النوايا وزاد الوعي لدى الأزواج بطبيعة المرحلة العمرية التي يتم فيها الطلاق، وشخصية شريك العمر وما يميزها من إيجابيات يمكن الاستفادة منها وسلبيات يمكن محاولة إصلاحها أو- في أسوأ الظروف- التعايش معها. ومن الأمور التي تختلط على كثير من الأزواج- وخاصة بين الأزواج الجدد- المقارنة التي يعقدها الزوج بين زوجته وأمه، أو تلك التي تعقدها الزوجة بين زوجها وأبيها؛ ولذا، وجب التنويه لخطورة هذه المقارنة.
كما هو معتاد في الأسرة الطبيعية المصرية، ينشأ الفتى على حب أمه، وتنشأ الفتاة على حب أبيها، بسبب ما يريانه من حنان وتضحية وإيثار واهتمام. وعندما يصل الابن والبنت لمرحلة الزواج، يتأكد كل منهما من المعاناة التي وجدها الأهل في تربيتهما وتعليمهما وإعدادهما للزواج، وربما يظنان أن ما وجداه في بيت الأسرة سيجدانه كذلك في بيت الزوجية دون فرق يُذكَر.
وبعد الزواج، قد يُفَاجأ الزوج أن زوجته ليست كأمه التي عرفها تحن عليه وتهتم به وتدعو له وتحرص كل الحرص على راحته وهندامه ومأكله ومشربه، حتى وإن رأت في ذلك المشقة والعسر. وقد تُفَاجأ الزوجة كذلك أن زوجها ليس كأبيها العاقل الرزين الذي يحرص على رضاها في البيت وعلى أمنها خارجه وعلى تلبيه طلباتها وإكرام صاحباتها وربما مرافقتها في ناد أو فرح أو مجاملة زميلة لها، حتى وإن فعل هذا وهو "يجر في رجليه".
فقد يغتاظ الزوج لأن زوجته ليست كأمه، وقد تغتاظ الزوجة لأن زوجها ليس كأبيها، لكن القياس هنا قياس فاسد؛ فإن تساوى الرجلان (أبو الزوجة وزوجها) والمرأتان (أم الزوج وزوجته) في الجنس، فقد اختلفا في العمر والخبرة والظروف الاجتماعية والزمانية، إلخ…
فأم الزوج وأبو الزوجة نشآ- غالباً- في أسر أكبر عدداً تَوَزَّعَ فيها الاهتمام على عدد كبير من الأولاد حتى إذا تزوج كل منهما صار بيت الزوجية الصغير أحبَّ إليه من بيت أسرته الكبير؛ لأنه وجد فيه مساحة لشخصه أكلاً ومشرباً وربما سريراً ولحافاً، وربما حدث هذا غالباً في زمن لم تتنوع فيه المساكن أو المأكولات أو المشروبات أو الملابس أو الأجهزة الكهربائية والإلكترونية كما هو الآن؛ مما ضمن حياة أسهل وأقل ضغطاً.
ومن المؤكد أن أم الزوج وأبا الزوجة قد تزوجا في وقت لم تكن فيه للدراما الهدامة مكانٌ في المجتمع المصري، ولم يكن فيه للإنترنت بكل موبقاته مكانٌ على خريطة العالم، ولم تكن فيه العولمة قد ظهرت بكل ما تحمله من قيم غربية صارت تهدد القيم المحلية في كل بلاد العالم.
لقد ارتفع سقف التوقعات والطموح وصار النموذج الدولي هو الصورة النمطية، فأفلام هوليوود الرائعة صارت بديلاً عن السينما المحلية، والفرق الرياضية العالمية في كرة القدم (مثل ليفربول وريال مدريد) جعلت محبي الأهلي والزمالك يدركون أنه لا توجد لدينا كرة، والموديلات رائعات الجمال رفعن طموح الزوج المصري في زوجته بما يستحيل تحقيقه، لأن الإمكانات المادية المتوفرة لدى زوجته صفر على الشمال مقابل الموديل الغربية التي تفرك وجهها بالماس لتحافظ على بشرتها.
حتى في الداخل المصري، لم يكن أبو الزوجة مكبلاً وهو شاب أو حديث العهد بالزواج بكل ما يكبل الزوج الجديد الآن من شقة مؤثثة ومفروشة على أحسن ما يكون ومجهزة بكل وسائل الترفيه من تليفزيون ضخم وتكييفات وغرف أطفال حتى قبل أن يولدوا. ولم تكن أم الزوج معرضة للعب في "إعدادات دماغها" من قبل النسويات مثيرات الفتن مخربات البيوت مثل الزوجة حديثة الزواج الآن، إضافة للكم الهائل من الضغوط الحديثة على الزوجة مثل: انهيار دور المدرسة والواجبات المدرسية المهولة حجماً وعدداً، إلخ…
الخلاصة أن ظروف المجتمع تغيرت ومعها من يعيشون فيه، ولا يمكن الحكم على الأشخاص الآن بنفس المعايير التي كانت سائدة في زمان غير زمانهم. ولو سأل الزوجُ أباه كيف كانت أمه التي يعجب به الآن عندما تزوجها أبوه لعرف عنها أشياء ربما لا يصدقها الآن مثل عدم قدرتها على رعاية الأطفال بالشكل اللائق أو افتقاد مهارة الطبخ، وكلها أشياء تحسنت لديها من خلال الممارسة والخبرة. ولو سألت الزوجةُ أمهَّا كيف كان أبوها الذي تعجب به الآن لربما عرفت أنه في بداية زواجه كان سريع الغضب لا يطيق البيت ولا يمل من التجول مع أصدقائه والجلوس معهم على المقاهي قبل أن يكسبه الزمن الحكمة الكافية التي تحبها فيه الآن.
لكل زمان ظروفه. فحافظوا على زوجاتكم، وحافظن على أزواجكن، وبروا أهلكم، ولا تحزنوا؛ فقريباً ستكونون مثلهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.