"كلما كبر الإنسان نقص من عمره، وكلما كبر ميسي نقص من عمر كرة القدم".
لا أجد كلمات أبلغ من تلك التي أطلقها كارلو أنشيلوتي في يوم ميلاد الملك، ليو 35 عاماً من اللامنطق، هناك ثلاثة أشياء طبقاً لكابيلو قامت بثورات في اللعبة، قانون التسلل، وبارسا بيب، وميلان ساكي، لم يذكر ليونيل لأنه الثورة بذاتها، فتلك الأشياء المذكورة يمكن تفسيرها، ولا يمكن تفسير ليونيل ميسي.
مارسيلو بيلسا هو الأكثر هوساً بالبحث عن التفاصيل، مجنون لدرجة تجعله يحسب معدل قطع الفهد لمسافة ما في بحر الرمال، دفعه شغفه لتفسير أشياء عديدة في اللعبة صعبة ومعقدة جداً، في نهاية إحدى محاضراته التكتيكية قال: "كل ما قلته هذا ينطبق على الجميع ما عدا ليو ميسي".. مجنون التفاصيل عجز عن تفسير تلك الموهبة الجبارة، رفع راية التسليم، وسحب كرسيه وجلس يستمتع في صمت.
ليو ميسي مدمر التابوهات
قالوا صنيعة بيب، وصنيعة منظومة، فرحل بيب وأصبح هو المنظومة بذاتها، مع إنريكي بالفرديات ظل ليونيل، مع فالفيردي باللامنظومة واللاشيء كان هو كل شيء، وهل يوجد اختبار أصعب من أن يكون مدربك فالفيردي؟ ورغم ذلك لم ينقص من لمعانه شيء، بل هو كالمعدن الأصيل كلما طرقت عليه زاد بريقه..
في إحدى كلاسيكيات الليغا في 2010، قال عصام الشوالي معلقاً على تمريرة تشافي لبيدرو: "لولا تشافي وأنيستا لما كنت ما أنت عليه يابن الأرجنتين" في إشارة لكونه صنيعة تشافي وأنيستا، رحل تشافي ورحل أنيستا، وكان ميسي ميسي وتشافي وأنيستا، الخريطة الحرارية لميسي كل مدى ومدى تبتعد عن منطقة الجزاء والخط، وكأنه لاعب رقم 8، أو صانع لعب متأخر، إذاً طبيعي أن فاعليته على المرمى تقل، لا!
بل سجل أكثر من المهاجمين، وصنع أكثر من صناع اللعب الكلاسيكيين، ليونيل هو أكثر لاعب في التاريخ صناعة للأهداف بـ317 أسيست، واللاعب المعاصر الوحيد من شارك بأهداف أكثر من عدد المباريات التي خاضها، ساهم بـ1016 هدفاً في 859 مباراة.. الهدف التاريخي لليغا، كاسر لرقم زارا منذ 5 مواسم، وثالث هدافي الكوبا تاريخياً.
الفينيش هو تحويل الفرص لأهداف فكلما كانت تلك الأهداف صعبة، كان اللاعب فينيشر عظيماً، من أكثر من 6 مواسم تم اختراع إحصائيات الـXG تخبرنا بنسبة دخول كل فرصة للمرمى، وبناءً على ذلك يتم تحديد الأهداف المتوقعة لكل لاعب، فكلما سجلت أكثر من المتوقع كنت فينيشر أقوى، ليونيل ميسي سجل أكثر من المتوقع بأكثر من 35 هدفاً، أقرب منافسيه هو هاري كين بأقل من 30 هدفاً، فينيشر أعظم ممن يقيمون بيوتاً أمام المرمى.
الناس ما عادوا يأكلون حتى يروا والتر غوميس
في الأوروغواي كانت مراوغات اللاعبين تأخذ شكل العدد 8، وكان الجمهور يطلق عليها المونيا، وكان الصحفيون الفرنسيون يحاولون تفسير تلك الحركات اللولبية، حتى علموا أن اللاعبين يتدربون على مطاردة الدجاج الذي يأخذ شكل المونيا في ركضه.. فيما بعد كانت مراوغات المونيا تقابل بالتصفيق من الجماهير مثل الأهداف، من أشهر اللاعبين في عمل المونيا هو والتر غوميس، يشق طريقه نحو المرمى متفادياً السيقان، تاركاً خلفه الخصوم مطروحين أرضاً وهو ينتقل من مونيا لمونيا .. إذاً فماذا نطلق على ميسي؟ نعم أجاب بول سكولز وقال: "يجب أن نعتمد اسمه كأداة لتقييم اللاعبين، كما كان واين روني رائعاً اليوم، لقد كان رائعاً بدرجة "0.7 messi's".
"أنت تتدرب أكثر لتصبح أفضل، لكن أن تكون أفضل من ميسي فأنت تحتاج لتعديل كروموسومات دمك من دمه، ميسي أفضل لاعب في العالم، وميسي المصاب ثاني أفضل لاعب".
- كارليتو يزيدنا من الشعر بيتاً في مديح البولغا.
في إسبانيا عندما يعجب الجمهور بأداء رياضي، يهتفون في حماس "أوليه.. أوليه".. وقيل إن هذا اللفظ تسرب من أيام الأندلس وأصله لفظ الجلالة "الله".
لو كنت مسلماً ووقفت أمام منظر جميل ومبهر فستجد نفسك تلقائياً تقول سبحان الله.. وتقول لفظ الجلالة "الله".. كمرادف للانبهار وتقدير الجمال.
تقدير الجمال يسمو بالإنسان لدرجات أرقى روحياً، فالذين يقدرون الجمال يزداد سموهم الروحي ويزهدون في الماديات، ويشعرون بالامتنان لما في حياتهم من نعم.. هكذا قرأت في أحد الكتب الأدبية عن مفهوم الجمال وتأثيره على الروح.
مفهوم الجمال في عالم المستديرة لا يحتاج لكل تلك الكلمات، كلمة من أربعة حروف فقط تكفي "ميسي"، أتريد أن ترتقي بروحك وتزهد في الماديات، وتشبع روحك جمالاً حتى تهرطق كشارب النبيذ، فقط شاهد ميسي وفي كل مرة تنال منه جمالاً صفّق واصرخ بأعلى ما تمتلك من قوة كالسكير"أوليه.. أوليه.. أوليه".
بيب غوارديولا أخبر الجميع ألا يحاولوا وصف ميسي بكلماتهم، فقط عليهم الاستمتاع في صمت، ومع ذلك يجاهد الكتاب في وصفه ويفشلون، منهم من يعاند ومستمر، ومنهم من استجاب بعد أن عجزت كلماته ونفد مخزونه.
جوزيه مورينيو منذ خمس سنوات قال: "بعد 4 سنوات من الآن سيصبح ميسي في عمر الـ34 وسنبكي جميعاً". ميسي الآن في الـ35.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.