قُتل السفير بليبيا، وكادت تسقط السفارة في أيدي المصريين.. عندما تسببت الإساءة للنبي في كارثة أمريكية

عدد القراءات
603
عربي بوست
تم النشر: 2022/06/24 الساعة 09:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/24 الساعة 09:32 بتوقيت غرينتش

دُعيت في 11 سبتمبر/أيلول 2012 رفقة عدد محدود من المصريين من تيارات إسلامية متنوعة لحضور لقاء انعقد بمركز أبحاث في القاهرة مع العالم المغربي د. أحمد الريسوني؛ لمناقشة التطورات الجارية في المنطقة وأبعادها وتداعياتها، وخلال اللقاء بدأت ترد اتصالات لبعض الحضور بحدوث توتر عند أبواب السفارة الأمريكية بالقاهرة، إثر وقفة احتجاجية تعترض على فيلم أمريكي بُث على اليوتيوب يسيء للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم وردت اتصالات من أحد المصريين العاملين ضمن موظفي السفارة الأمريكية لبعض قيادات الإسلاميين ينقل خلالها رسالة بأن السفارة تدين الفيلم المذكور وتطلب منهم تهدئة المتظاهرين منعاً لتدهور الأوضاع.

استغربت وقتها من وجود تخوفات أمريكية بهذا الشكل، واعتبرت أن ذكريات اقتحام السفارة الأمريكية في إيران واحتجاز موظفيها ربما تسيطر على أذهان الدبلوماسيين الأمريكيين فتتضخم لديهم المخاوف، ثم مضت الأيام وقرأت بالصحف بعد الانقلاب خبر القبض على الموظف المصري بالسفارة الأمريكية الذي تولى مهمة الاتصال يومها، وذلك بحجة مشاركته في مظاهرة مناهضة للانقلاب، ولكن سرعان ما أُفرج عنه بعد فترة اعتقال قصيرة، إثر تدخل السفارة ونشرها لبيان رسمي يطالب بالإفراج عنه، وظننت أن ذكريات الندوة انتهت عند هذا الحد.

تداعيات غير متوقعة للفيديو 

خلال انخراطي مؤخراً في قراءة كتاب صدر بالإنجليزية عام 2018 بعنوان (العالم كما هو: ذكريات في البيت الأبيض بعهد أوباما) وجدت تفاصيل وافية عن واقعة الاحتجاجات المذكورة وخلفياتها وتداعياتها تطرق لها مؤلف الكتاب "بين رودس"، وهو أمريكي عمل ككاتب لخطابات أوباما كما شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي للاتصالات الاستراتيجية؛ حيث تولى المسؤولية عن تهيئة أوباما لمؤتمراته ومقابلاته الصحفية، والتنسيق بين المتحدثين باسم الخارجية والدفاع والوكالات الأمريكية الأخرى.

يقول "بين رودس" إنه في ظهر يوم الثلاثاء 11 سبتمبر/أيلول 2012، بدأت الإدارة الأمريكية في تلقي تقارير مقلقة من القاهرة عن تجمع مئات المتظاهرين عند جدران السفارة بالعاصمة المصرية؛ احتجاجاً على نشر مقطع فيديو يهدف إلى الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم تبلغ مدته أربع عشرة دقيقة على موقع اليوتيوب. وبحسب رودس، فقد روج للفيديو شخص قبطي مصري يعيش في كاليفورنيا، ودُبلج جزء منه إلى اللغة العربية.

بدأ الخوف يسيطر على طاقم السفارة مع رفع بعض المتظاهرين لأعلام سوداء على الجدران، فيما انشغل أعضاء مجلس الأمن القومي بواشنطن بكيفية تأمين السفارة في القاهرة ضد أي اقتحام، فهي إحدى أكبر السفارات الأمريكية في العالم، وأصدر المتحدث باسم السفارة بياناً قال فيه: "تدين سفارة الولايات المتحدة في القاهرة الجهود المستمرة من قبل بعض الأفراد المضللين لإيذاء المشاعر الدينية للمسلمين".

وبحسب رودس، امتدت الأزمة في ذات اليوم إلى مقر القنصلية الأمريكية في بنغازي؛ حيث بدأت ترد أخبار عن حدوث مشاكل فيها، لكن في ظل عدم وجود وسائل إعلام تغطي أحداث بنغازي لم تتوافر خلال الساعات الأولى تفاصيل حول ما يحدث هناك، وفي ظل التخوف من تفاقم الوضع اجتمع الرئيس الأمريكي أوباما مع وزير دفاعه وطلب منه فعل كل ما هو ضروري لتأمين المنشآت الأمريكية في مصر وليبيا وبقية دول المنطقة.

وبحلول المساء، أصبحت التقارير أكثر قتامة، فقد وصل خبر بمقتل السفير الأمريكي  في ليبيا كريستوفر ستيفنز رفقة 3 موظفين أمريكيين ببنغازي. وعقد مجلس الأمن القومي الأمريكي اجتماعاً لمراجعة الإجراءات الأمنية لكافة السفارات الأمريكية في الشرق الأوسط في ظل الخشية من اندلاع المزيد من الاحتجاجات، وطلبت السفارات الأمريكية من إدارة أوباما في واشنطن إصدار تصريحات تدين الفيديو، فيما بدأت وسائل الإعلام الأمريكية اليمينية في مهاجمة البيان الذي أصدرته السفارة الأمريكية بالقاهرة واتهمتها بإلقاء اللوم على الفيديو في التسبب بالعنف، بدلاً من المتظاهرين، ووصل الحال إلى أن أصدر ميت رومني، المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة عام 2012، بياناً قال خلاله: (إنه لأمر مخز أن رد إدارة أوباما لم يدن الهجمات على بعثاتنا الدبلوماسية، إنما أبدى التعاطف مع من شنوا الهجمات)، في إشارة إلى البيان الذي أصدرته السفارة بالقاهرة في وقت سابق خلال اليوم قبل حدوث أي شيء في بنغازي. وذلك ضمن مساعي الجمهوريين لاستغلال الوضع لتصوير أوباما على أنه معادٍ لأمريكا.

انتشار الاحتجاجات

خلال بقية الأسبوع، بحسب رودس، اندلعت احتجاجات ضد الفيديو في عشرات المدن حول العالم من إسلام أباد إلى صنعاء وصولاً إلى تونس العاصمة، وخشيت الإدارة الأمريكية من تحول يوم الجمعة إلى حمام دم. فبدأ فريق الاستجابة الأمريكي للأزمات في الاجتماع لدراسة ما يمكن القيام به للتخفيف من حدة الموقف، وتواصلت الإدارة الأمريكية مع جميع خريجي برامج التبادل الأمريكية في الشرق الأوسط لحثهم على تهدئة مشاعر مواطنيهم، كما طلبت من إدارة شركتي جوجل ويوتيوب إزالة الفيديو المسيء، وكثفت الإجراءات الأمنية في السفارات والقنصليات والمنشآت العسكرية في أنحاء العالم العربي.

ولكن في يوم الجمعة، قُتل أربعة أشخاص على أسوار السفارة الأمريكية في تونس، عندما تسلق حشد غاضب الجدران ورفعوا العلم الأسود، وفي القاهرة اعتُقل المئات في ميدان التحرير، وفي أفغانستان شنت حركة طالبان هجوماً أسفر عن مقتل اثنين من مشاة البحرية الأمريكية، وامتدت الاحتجاجات إلى أماكن بعيدة مثل باريس وسيدني. ويعلق رودس على ذلك قائلاً: (شعرت أنني أشاهد الربيع العربي وهو يتحول إلى ظلام). 

وكذلك تحول الوضع إلى أزمة سياسية في الداخل الأمريكي، حيث انتقد الجمهوريون إدانة إدارة أوباما للفيديو، وحولوا ما حدث في بنغازي إلى مشكلة سياسية لأوباما، ثم وظفوها لاحقاً في التشنيع على هيلاري كلينتون خلال انتخابات الرئاسة عام 2016؛ حيث اتهموها بأنها فشلت كوزيرة خارجية في حماية موظفي الوزارة في ليبيا.

الشاهد أن نشر فيديو قصير على اليوتيوب يقف خلفه شخص واحد ظلت تداعياته السياسية والأمنية تتفاقم حتى تحولت إلى أزمة أمنية اجتمع لبحثها أوباما ووزير الدفاع الأمريكي، وأدت إلى مقتل متظاهرين ودبلوماسيين وعسكريين، فضلاً عن تأجيج أزمة سياسية في الداخل الأمريكي ساهمت في القضاء على المستقبل السياسي لهيلاري كلينتون، وكل تلك الأمور لم تدر في خلدي عندما سمعت بأخبار الوقفة الاحتجاجية أمام السفارة بالقاهرة خلال حضوري الندوة المشار لها في بداية المقال.

ويُستفاد مما سبق أنه يمكن لحادث فردي في ظل أجواء محتقنة أن يتطور إلى أزمة كبيرة، وقد اندلعت أحداث الربيع العربي إثر إحراق بوعزيزي لنفسه في تونس، وإن الاحتقان اليوم بالمنطقة أشد في ظل انتشار المظالم وغياب العدالة الاجتماعية والانسداد السياسي، ويمكن لعود ثقاب صغير في بلد ما أن يشعل حرائق ضخمة غير متوقعة. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد مولانا
باحث في الشئون السياسية والأمنية
باحث في الشئون السياسية والأمنية
تحميل المزيد