أول مرة تعرفت فيها على عالم هاري بوتر كنت في الثانية عشرة من العمر، علمت عنه من أصدقائي، لكن لم أكن أعرف لماذا تثار كل هذه الضجة والحماسة فقط لأن "هاري بوتر وغرفة الأسرار" سيعرض على قناة mbc3، لكن شاركتهم حماسهم على أي حال، والذي لم يفتُر حتى الآن.
هاري بوتر وغرفة الأسرار
شاهدت الفيلم ثلاث مرات، وفي كل إعادة كنت ألمح تفاصيل جديدة خلابة.
انبهرت بعالم السحر الغريب الذي انفتح أمامي بمشاهدة "هاري بوتر وغرفة الأسرار"، الرصيف رقم ¾ 9 الذي يعبره طلاب مدرسة "هوغوورتس" لينتقلوا إلى عالم آخر لا يستطيع العامة من غير السحرة رؤيته. عالم فيه البوم الذي ينقل البريد من وإلى أي مكان، الطعام الوفير الذي يظهر من تلقاء نفسه على المائدة في بهو المدرسة، وسطح البهو المسحور ليشبه السماء بكواكبها ونجومها، والأزياء المتنوعة ما بين أزياء السحرة التي ألفناها في الأفلام مثل العباءات والقبعات السحرية المدببة، وتوليفة أزياء القرون الوسطى، بالإضافة إلى أزياء الألفينات. وكذا المكانس الطائرة، تلويح العصا مع النطق بعبارات معينة لحل أي مشكلة: "ألوهامورا" لفتح الأبواب المغلقة، "إكسباليمس" لتجريد العدو من سلاحه…
ليس الشكل الأخاذ وحده ما أبهرني، لكن القيم التي امتلأ بها هذا العالم من صداقة وعطاء وشجاعة وتضحية وحب، ورفض للتتمييز والعبودية، وحتى الضعف والحزن والخيبات، كل تلك المشاعر الإنسانية هي ما تجعله أكثر من مجرد فيلم خيالي.
لا أحد سينقذك إلا نفسك
في الجزء الثالث، هاري بوتر وسجين أزكابان، كان أول ظهور لكائنات الديمنتورز، حراس سجن أزكابان، المخصص للسحرة، هؤلاء الحراس مخلوقات قبيحة تتشح بالسواد وتسبح كالأشباح، حين تقترب من أي مكان يصبح بارداً إلى حد التجمد، تتغذى على الذكريات السعيدة وتترك ضحيتها فريسة لآلامه وماضيه القاسي، إلى أن يموت في النهاية.
ذات يوم تعرض "هاري بوتر" و"سيريوس بلاك"، لهجوم من الديمنتورز و هي أكثر ما يخافه هاري، لذلك كان قد تمرن في وقت سابق على التعويذة التي تحميه منهم وهي "أكسبكتو باترونوم" وهي عبارة عن هالة من الضوء تعمل كدرع للحماية من الديمنتورز، وكلما كان الساحر قوياً تحولت هذه الحزمة الضوئية إلى شكل حيوان يسمى "الباترونس"، حاول هاري إلقاء التعويذة لكنها لم تكن قوية بما يكفي، انهار سيريوس وكاد هاري أن يفقد وعيه، حتى رأى كتلة ضوئية على هيئة "آيل" تتقدم نحوه من الجانب الآخر للبحيرة التي كان يقف عندها وتبعد عنه حراس أزكابان.
شيء في صدر هاري جعله يعتقد أن من أطلق هذا الباترونس هو أبوه الذي قُتل بينما هاري لا يزال رضيعاً، وفي مرة حين عاد بالزمن مع صديقته هيرميون إلى نفس المكان ونفس الوقت رأى نفسه وهو يصارع الموت، وظل منتظراً للحظة التي سيأتي فيها والده، انتظر كثيراً، لكنه لم يأتِ، وكان لا بد أن يفعل شيئاً قبل أن يموت هو وسيريوس، فلوح بعصاه قائلاً: أكسبكتو باترونوم، فانطلقت درع ضوئية فرقت كل كائنات الدمينتورز، ليكتشف هاري وأنا أن الموتى لا يعودون للحياة، وأنه وحده من أنقذ نفسه..
التقبل يحمي من الانكسار.. أو الانفجار!
ماذا يحدث لو لم يرتاد أصحاب القدرات الخاصة مدرسة للسحر حسب ك.ج. رولنج مؤلفة هاري بوتر؟
يولد الساحر بقدرات خاصة، سواء كان أهله من السحرة أو لا، وفي هذه الحالة يجب أن يذهب لإحدى مدارس السحر ليتعلم كيف يتعامل مع هذه القدرات وكيف يطورها ويتحكم بها، وإن لم يفعل هذا فربما يصاب بأمراض خطيرة تؤدي لموته.
تحدث "الأبسكيورس" للسحرة الذين يُمنعون من ممارسة السحر، أو لا يعرفون تحديداً كيف يُصرفون قدراتهم السحرية، فينمو بداخلهم طفيلي، وحش مظلم على هيئة سحابة سوداء، كلما حاولوا السيطرة على غضبهم وقمعه ترك أثره عليهم، من خلال تعذيبهم وتشويه أنفسهم، إنه ناتج عن ضيق عاطفي يسبب اضطراباً عاطفياً يعزلهم ويُشعرهم بالوحدة، هذا المرض الذي أصاب أريانا دمبلدور، الشقيقة الصغرى لألبوس دمبلدور، وهو ما أصابني.
لم أتعلم، كغيري، كيف يمكننا التعبير عن مشاعرنا، سواء غضب أو حزن أو سعادة أو جوع، في المدرسة كانت المساواة في الظلم العدل، والاعتراض يكسبك تذكرة سفر للحوش لجمع القمامة، أو تذنيباً على الحائط، في التجمعات العائلية تتمتع الكثير من الأمهات المصريات بـ"تبريقة" مميزة تخرس الأبناء على الفور وتتوعدهم بعذاب أليم، ليس لديك حرية في دخول أدبي أو علمي، ليس لديك حرية في ارتداء ما تشاء أو التعبير عن رأيك على فيسبوك دون أن يعترض خالك، أنت فسل إذا اعترضت، ووقح إذا عبرت عن استيائك، وطائش إن عبرت عن سعادتك، وستسمع عبارات من قبيل: لقد كبرت على هذه التصرفات.. غداً ستكبر وتعرف حقيقة الأمر.."لسه ما شفتش حاجة".
لا أقول بالانفصال عن الأسرة والمجتمع والقيم، بل أنادي بالترابط، لأن عدم التقبل والتفاهم والحوار هو ما يسبب التشتت والهجر، فنكبر جميعاً وداخلنا "أبسكيورس" تخرج على هيئة نوبات غضب غير مبررة، أو عدم تقدير للذات والشك دائماً في أي تصرف أو قول أو التفاتة، والأسوأ أن تخرج عن السيطرة وتدمر الآخرين ولا تنكسر الدائرة.
الحل الوحيد في عالم السحر للقضاء على الأبسكيورس: التقبل، تقبل المجتمع لأصحاب القدرات، وعدم قمع مشاعرهم، الأمر نفسه في الواقع، كان من الممكن إنقاذ الكثيرين لو تم قبولهم واحتواؤهم، وتعليمهم كيفية التعبير عن أنفسهم وتوعيتهم بقدراتهم.
الحرية أولاً
دوبي هو جني من نوع الجن القزم الذي يخدم في منازل السحرة، وبقدر ما يكون عبداً مهاناً عندهم، يكون وفياً جداً ومخلصاً، إلا أن "دوبي" كان مختلفاً، طمح في الحرية، ساعد هاري بوتر ونجاه من الموت بعد أن سمع عائلة "مالفوي" التي يخدمها تتآمر عليه، ولم ينسَ له هاري الجميل أبداً، فساعده في أن ينال حريته، في أجمل مشهد رأيناه في جزء "حجرة الأسرار".
لكن ما لم تروِه سلسلة الأفلام أن دوبي أصبح يعمل في مطبخ هوغورتس، وهو الجني الوحيد الذي كان يتقاضى أجراً.
وعندما مات دوبي مدافعاً عن هاري وأصحابه، كتبوا على شاهد قبره: هنا يرقد دوبي.. جني حر!
بعد كل هذه السنوات ما زلت أبكي عندما يموت دوبي، وأندهش أن أصدقاءه قدَّروا نضاله للحرية وكتبوا على قبره "جني حر". لا يزال ينبهني الفيلم أن كل هذا غير حقيقي، لأنه ما من سحر على وجه الأرض يعيد الأموات إلى الحياة، ولا يجعلك حبيباً زهد فيك يقع في حبك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.