يحدق الرئيس جو بايدن في محو سياسي في غضون بضعة أشهر، إذ يهدد ارتفاع أسعار النفط والغاز بإلحاق هزيمة حاسمة بالديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني. فلقد ارتفع المعدل الوطني لغالون البنزين العادي إلى ما يزيد على 5 دولارات للمرة الأولى. وذلك بقفزة بنسبة 10% عن الشهر الماضي، مما يعكس طلباً هائلاً من المستهلكين يفوق العرض المتاح من النفط، مقترناً بهزات ارتدادية حادة في أسواق الطاقة من الحرب في أوكرانيا.
تضافرت التوقعات السياسية القاتمة للبيت الأبيض مع تقرير التضخم الذي جاء أسوأ مما توقعه العديد من الاقتصاديين. وأظهرت أن أسعار البقالة وتذاكر الطيران والإيجارات تزداد بأسرع وتيرة لها منذ أربعة عقود. وضاعف بايدن منذ ذلك الحين تعهده بمكافحة ارتفاع الأسعار، وجعله على رأس أولوياته المحلية.
يبدو أنه لم يتبق أمام البيت الأبيض سوى القليل من الخيارات لحل أزمة إمدادات الطاقة. فقد التزمت الحكومة بالفعل باستخراج ما يزيد عن مليون برميل يومياً من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي في مايو/أيار، وخففت اللوائح المتعلقة بوقود الإيثانول.
لكن هذه التحركات فشلت في تخفيف حدة الأزمة، ودفعت بايدن إلى رهان سياسي كبير، مع ارتفاع أسعار الغاز دون نهاية تلوح في الأفق. في هذا الصدد، انتقد شركة إكسون ووبخ شركات النفط الكبيرة الأخرى لتحقيقها أرباحاً ضخمة في رسالة.
وها هو يستعد للقاء ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في يوليو/تموز، على الرغم من تعهده بتحويل المملكة العربية السعودية إلى منبوذة دولياً بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي، الصحفي المقيم في الولايات المتحدة.
على كلٍ، لا جديد، فعهد الرؤساء الأمريكيين هو مناشدة الملوك وأولياء العهد السعوديين لمساعدتهم في تحقيق التوازن في أسواق النفط. من قبل بايدن، دعا ريتشارد نيكسون وجورج بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب جميعاً المملكة إلى تعديل خطة الإنتاج النفطي. ومع العلاقات السياسية السيئة الأخيرة بين البلدين، كان يأمل جو بايدن في عدم الانضمام إلى هذه القائمة، لكن ارتفاع متوسط أسعار البنزين في الولايات المتحدة إلى أكثر من 5 دولارات للغالون جعل ذلك أمراً لا مفر منه.
قرر الاجتماع الأخير لأوبك +، الإطار الذي يجمع منظمة "أوبك" مع روسيا وبعض مصدري النفط المهمين الآخرين، في الثاني من يونيو/حزيران، حصر زيادات الإنتاج لمدة ثلاثة أشهر في شهرين. وبدلاً من المكاسب الشهرية المقررة البالغة 432 ألف برميل يومياً، سترتفع الأهداف الجماعية بمقدار 648 ألف برميل يومياً في كل من يوليو/تموز وأغسطس/آب.
تعكس هذه الزيادات التخفيضات العميقة في الإنتاج التي أجريت في ذروة الوباء، والتي كان من الممكن أن يتم حلها بحلول سبتمبر. والآن، سوف تنهيها هذه البلدان قبل شهر من موعدها. وهذا تنازل للأسواق المتعطشة وضغط من الولايات المتحدة، لكن تأثيره العملي ضئيل للغاية.
تبقى ثلاث مشاكل لأوبك +. الأول هو عدم قدرة معظم الأعضاء، ولا سيما نيجيريا وأنغولا، ولكن انضم إليها الآن روسيا، لإنتاج ما يعادل حصة كاملة. ورداً على الغزو الأوكراني، التزم الاتحاد الأوروبي بحظر جميع واردات النفط الروسي تقريباً بحلول نهاية العام، وفرض عقوبات على شحن شحنات النفط في البلاد وتأمينها. ويعيق هذا قدرة موسكو على إعادة توجيه المبيعات إلى آسيا.
واقترح قبل الاجتماع تعليق امتثال روسيا، مما يسمح للسعودية والإمارات بتعويض بعض الفارق، لكن هذا لم يحدث، على الأقل حتى الآن. وهذان البلدان هما الآن الوحيدان اللذان لديهما طاقة فائضة كبيرة، يبلغ مجموعها حوالي ثلاثة ملايين برميل يومياً.
وليبيا معفاة من الأهداف، لكن اندلاعاً سياسياً آخر أدى إلى خفض نحو مليون برميل يومياً، أي معظم صادراتها. ويبدو أن الاتفاق النووي الإيراني يعتمد على أجهزة الإنعاش، حيث يبقي 1-1.5 مليون برميل يومياً من صادراتها خارج السوق، وربما يتسبب في أزمة أسوأ. بشكل عام، أخفقت أوبك + في تحقيق هدفها بمقدار 2.66 مليون برميل يومياً في أبريل، وسيكون هذا أسوأ في مايو/أيار ويونيو/حزيران.
والثاني هو وضع ترتيبات أوبك+. ولا يزال اتفاق 2020 لخفض الإنتاج سارياً حتى ديسمبر/كانون الأول. لذا، فإن السؤال الآن هو ما إذا كان سيتم الاتفاق على زيادات أخرى اعتباراً من سبتمبر/أيلول فصاعداً. فقط السعودية والإمارات، وإلى حد ما العراق، ستشهد فائدة كبيرة من الأهداف الأعلى.
لذلك سيكون من المخاطرة الإخلال بالإطار، مع العلم أن تخفيضات الإنتاج قد تكون مطلوبة مرة أخرى قريباً. وقد أصبحت الرياض تقدر علاقتها مع روسيا، والتي قدمت مجموعة متنوعة من الفوائد الاستراتيجية والسياسية، ولكن الأهم من ذلك أنها سمحت بإدارة سوق النفط، دون التهديد الدائم بالتخلي عن المبيعات لمنافس رئيسي.
والثالث هو موضوع التكرير. وخام برنت، المؤشر الدولي الرئيسي، عند 120 دولاراً للبرميل، مرتفع نسبياً، ولكن ليس بشكل مفرط وفقاً للمعايير التاريخية. ولكن بعد إغلاق العديد من المصافي في ظل الوباء، توترت طاقتها الإنتاجية بشدة. وتحقق شركات التكرير ما بين 40 و50 دولاراً للبرميل من هوامش الربح على البنزين والديزل، وهي أعلى بكثير من المستويات المعتادة، وتؤدي إلى أسعار قياسية في المضخات.
هذه العوامل تعني أن المملكة العربية السعودية لا تستطيع أن تفعل أكثر من اللازم في إطار أوبك +. حتى الآن، تمكنت من تحقيق توازن ذكي: عرض بعض الإجراءات لإرضاء الولايات المتحدة، والتأكد أخيراً من أن بايدن سيزور ويظهر الأهمية الدائمة للمملكة، دون تنفير روسيا. ومن المفيد أيضاً تجنب احتمال أن يشق مشروع قانون "نوبك" طريقه من خلال الكونجرس الأمريكي، والذي من شأنه أن يسمح برفع دعاوى قضائية ضد أوبك للتنسيق بشأن الإمدادات.
ومن جانبها، حاولت الولايات المتحدة اتخاذ تدابير لحفظ ماء الوجه؛ وقد جاءت زيارة بايدن كجزء من جولة أوسع في الشرق الأوسط، تشمل إسرائيل والضفة الغربية المحتلة، حيث تهدف الجولة السعودية إلى عقد اجتماع لدول مجلس التعاون الخليجي، وليس التركيز بشكل خاص على النفط.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.