حين يتحدث الناس عن تأثير البروباغندا الإعلامية، فغالباً ما يطل الجمهور بالتنكيت والاستهزاء، وذلك لأن الجماهير لم تستوعب بعد القوة التي تكتنفها الشاشة الصغيرة وأمواج الراديو، وهذا مفهوم إذا ما عرفنا أن الأنظمة التعليمية في معظم بلداننا تقبع في الحضيض.
تُعرف البروباغندا حسب "إدوارد بيرنيز" بـ"تلك الجهود الحثيثة والمتواصلة لخلق أحداث أو تشكيلها للتأثير في العلاقة بين الجماهير ومؤسسة أو فكرة أو جماعة ما".
وانطلاقاً من هذا التعريف يمكننا استنتاج دور البروباغندا في تسهيل عمليات غسل الدماغ الجماعية التي تتعرض لها الشعوب، ولعل أشهر هذه العمليات، والتي تعتبر الانطلاقة الفعلية لهذا المفهوم (لأن البروباغندا قديمة قدم الإنسان، وقد استعملها فرعون مع موسى باستعانته بالسحرة لخداع الناس) ما حدث مع الشعب الأمريكي في بداية القرن العشرين، فبدخول حلفائها في حرب شاملة ضد ألمانيا؛ وجدت الولايات المتحدة نفسها في أمسِّ الحاجة لدخول الحرب، ولكن الحرب لا تعنيها ولا تقترب من حدودها حتى، والشعب الأمريكي رافض للحروب والتدخل في شؤون الآخرين، فكيف تقنع الرئاسة الأمريكية بقيادة ويلسون الأمريكيين؟
هنا ستبدأ مغامرة الصحفي "جورج كريل"، الذي ترأس لجنة الإعلام العامة التي أسسها الرئيس الأمريكي عام 1917، بهدف حشد التأييد الشعبي اللازم لمشاركة أمريكا في الحرب العالمية الأولى.
حشد كريل كل من يعرفهم من سياسيين وخطباء وصحفيين، وبالأخص ما عرف برجال "الأربعة دقائق"، وهو جيش مكون من 75 ألف متطوع على استعداد للوقوف في الأماكن العامة وإلقاء خطب وطنية تثير الحماسة لمدة أربع دقائق، كي لا تتجاوز الخطبة فترة الانتباه. (مقال: البروباغندا: أعظم مغامرات دعائية في التاريخ، موقع منشور)
فهل نجحت خطة كريل يا ترى؟
بكل تأكيد، والدليل واضح، هو مشاركة الولايات المتحدة في الحرب، ودعم الشعب الأمريكي للجيش عبر تمويله له بما سمي بصكوك الحرية!
فلننظر لقوة الإعلام وكيف استطاع خداع شعب متعلم كالشعب الأمريكي؛ ولنتوقع ماذا يفعل بشعوب أكثرها لا يقرأ ولا يكتب أو يقرأ ويكتب، لكنه لا يفهم ولا يحلل ولا يستخلص!
ما علاقة هذا بالمغرب؟
في إطار الحرية المفرطة التي يروج لها الغرب وفي إطار البروباغندا التي تحيط بتيار المثلية الجنسية، تعمل الأجندة الخارجية في بعض الدول العربية على نشر هذه الأفكار المشوَّهة، لا بين الكبار فقط، بل بين الصغار أيضاً، وهكذا فقد عملت شركة ديزني على إنتاج مسلسل كرتوني معروف، موجَّه للصغار يحمل دلالات عن المثلية الجنسية.
الفيلم دون شك موجَّه للأطفال -حتى لا يعترض البعض- وحين نقول الأطفال فإننا نتحدث عن شخص غير بالغ، لا يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ، ويحتاج لمن يرشده، وهناك مواثيق دولة تمنع استغلاله.
وإذا ما استخدمنا عقولنا فالترويج للمثلية يدخل ضمن استغلال الطفولة والدفع نحو تبني منظومة فكرية ما، بما أن الطفل قاصر، فهذا يعتبر انتهاكاً للمواثيق الدولية، فكيف سيكون رد فعل العالم لو أن هناك فيلماً يُعرض للأطفال يدعو مثلاً لتبني الشيوعية، باعتبارها كما يقول ماركس فطرة بشرية طمستها أيدي البرجوازية!
استحضرت كلام ماركس لأبرهن على أن الأفكار في عين صاحبها حقائق، فكما يرى داعموا المثلية أن أفعالهم لا تنافي الفطرة، فكذلك سيقول كل شخص، وهكذا يمكن التسامح مع أسوأ أنواع الأفكار وأكثرها تدميرية؛ وتكمن خطورة هذا ليس في تحديه للكبار، بل في ما يصيب به عقول الصغار الذين لا ذنب لهم في أن العالم مليء بالحمقى وأصحاب المخططات، والشركات التجارية العابرة للقارات.
حسب جريدة "هيسبريس المغربية الإلكترونية" سيُعرض فيلم ديزني light year، الذي منع من العرض في معظم الدول العربية؛ فقد أعلنت دور السينما في الدار البيضاء والرباط عن عرضه أمام تفاجؤ المجتمع المغربي من سماح السلطات بعرض الفيلم الذي يعادي الثقافة المغربية ويتناقض مع الدستور المغربي!
واأسفاه على المغرب، بلد الفاتحين وبلد العلماء والصالحين، والبلد الذي لطالما دافع عن الإسلام والعروبة وعن الأديان جميعها، ووقف ضد مخططات الاستعمار الفرنسي والإسباني، وناضل شعبه وملوكه لاسترجاع الاستقلال واستكمال الوحدة الترابية للبلاد.
وأخاف أن تُفرض على هذا المجتمع المسلم المسالم في الغد قوانين تتعايش مع المثليين، فلست من المتفائلين، خاصة أن هذه المنظومات الفكرية يتزعمها البنك الدولي، وندرك أن المغرب وبسبب المديونية أصبح تلميذاً نجيباً للمؤسسات المالية الدولية، تُملي عليه قراراتها، فينفذ دون اعتراض أو مع تحفظات قليلة.
أتفهم التوافق القائم مع المؤسسات الدولية، فالأمر مرتبط بالمال وبالمصالح وحتى بأوهام التنمية والتقدم، فالغرب ينظر إلى الثقافة الإسلامية كأنها حائل بين دول الشرق والتقدم، فالتقدم في نظره ونظر مؤيديه يبدأ بالتخلي عن التدين وعن الثقافة المحلية والسماح بالتغريب والتطبيع مع العولمة؛ ولهذا يسعى بكل أذرعه للانتقاص من الثقافة الإسلامية والتضييق على المسلمين، والأهم التلاعب بأطفالهم حتى تضمن مغرباً أجنبياً في المستقبل، وهو الأمر الذي فشل فيه الاحتلال الفرنسي، ويسعى عرابو البنك الدولي للنجاح فيه حالياً، فكما يعلم الجميع ليس هناك فرق بين الاحتلال العسكري والاحتلال المالي.
على كلٍّ فالوقت ما زال أمام الحكومة لكي توقف عرض الفيلم، وأعتقد أن هذا ما سيحدث في النهاية، فالأمر لن يعدو جس نبض للشارع المغربي، ورفعاً للتقارير حول مدى إمكانية أن يصبح البلد موزِّعاً حصرياً لهذه الأفكار في المنطقة، وأعتقد أن هناك حرصاً على أن تدنس هذه الأرض التي تحمل من حمولة تاريخية ودينية للإسلام والمسلمين، ولهذا ستتحرك أقلام مأجورة في هذه الأيام لتصف المعارضين للفيلم بالدواعش، وترميهم بالتخلف والدونية والانحطاط، فالعادة هي هذه، ولن يخرجوا عنها.
وأعجب من هؤلاء كيف يفكرون؟ فهم يذكرون أن المجتمع المغربي بنسبة 99.99% رافض للمثلية وأفكار الانحلال، لكنهم يحاولون إظهار الموقف كأنه انقسام بين حزبين داخل المجتمع، وهي لعبة خبيثة جُرِّبت عبر التاريخ، واستعملتها فرنسا أثناء فرض احتلالها على المغرب، فكانت عبر صحفها وعملائها المغاربة الخونة يظهرون المغاربة كأنهم قسمان، قسم معارض للحماية والآخر سعيد بها، وليس يحضرني هنا سوى استعانة الفرنسيين بمومسات أثناء قدوم القنصل الفرنسي إلى فاس من أجل عقد الحماية، وضعن على الأسطح وعلى الطريق لإيهام الناس بفرحة المغاربة بالحماية.
إن الخطر القادم الذي تواجهه الشعوب العربية ليس في الحروب التي يفتعلها في العالم بل في الأفكار التي ينشرها ويدافع عنها، والأفكار أقوى من المدافع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.