كنت أضحك من قلبي، في طفولتي، حين أشاهد فيلماً لعادل إمام، أحبه، لكنني كنت أحب إسماعيل يس أكثر، سبب ما خفي كان يجعلني أفضل الثاني على الأول، حتى فهمت مع الوقت، شيئاً ما بريئاً جداً يقدمه الثاني، أما الأول فعادة ما يباغتني بأمور تثير إحراجي، أشيح بوجهي أو تغلق أمي الفيلم عند نقطة معينة، لم يكن من الممكن استكمال فيلم واحد كامل لعادل إمام دون أن يباغتني ذلك الحرج، في وقت خلت فيه الأفلام من التصنيفات العمرية، وحتى إذا حصلت على شارة "للكبار فقط" في السينما، لا تجد القنوات حرجاً في تقديمها مرة بعد أخرى، حتى ولو كان عمر المتفرج عامين. في الواقع تاريخ عادل إمام مع نشر فكرة التحرش وخدش الحياء لا يحتاج لتفسير كبير.
رجل استثنائي
رجل محبوب، بلا شك، من العرب والمصريين على حد سواء، قليلون هم من يستطيعون انتزاع الضحكة من القلب، هو يستطيع فعل ذلك بجدارة، لهذا حصد تكريمات عديدة بداية من جائزته الأولى عام 1995 كأفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي عن دوره في فيلم الإرهابي، وحتى جائزة الإنجاز الإبداعي في الدورة الأولى من مهرجان الجونة عام 2017، مروراً بتكريمات عربية كجائزة الإنجاز مدى الحياة من مهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2005، وجائزة لجنة التحكيم الدولية لأفضل ممثل عام 2006 عن فيلم عمارة يعقوبيان، وجائزة أفضل ممثل لأفلام السرد لعام 2006 عن مهرجان تريبيكا السينمائي الدولي في نيويورك، وجوائز أخرى من مهرجانات في المغرب وتونس.
هالة قوية لطالما أحاطت بعادل إمام الذي اكتسب لقب "الزعيم" والمأخوذ عن اسم مسرحية شهيرة له. من التلفزيون إلى المسرح والسينما، لم يتوقف عادل إمام لحظة، وحتى كتابة هذه السطور، عن العمل. في الواقع هو نموذج للدأب والذكاء الشديد في إدارة الذات. الاجتهاد مهما بلغ العمر، والشغف أيضاً، ذلك الذي لا يزال يحركه، رغم تخطيه الـ 82 عاماً، فيدفعه لمواصلة العمل، ليس رغبة في المال، فقد صار عنده ما يكفيه، ولا وفاء لمسؤوليات، فقد تجرّد منها، فقط شغف شديد يدفعه للمواصلة؛ حيث الكثير من الأمور لا تعني له أي شيء كـ"العمر" و"التقاعد" و"الطاقة".
هالة مقدسة حارقة
ربما بحكم العمر المديد، أو ربما العطاء الممتد، والذكاء الشديد، صار عادل إمام محاطاً بهالة تخصه، كأنه شخص مقدس، لا يخطئ، هو نفسه يتعامل طوال الوقت بنفس القدر من الثقة العارمة بالنفس، والتقدير المفرط فيه للذات، لن تجد وجهه في مرة يحمرّ خجلاً من سؤال، أو يتردد في الإجابة، في الواقع هو لا يظهر كثيراً أيضاً، يواصل تقديم ما يريد من بعيد مع لقاءات قليلة، ربما تكون نادرة، وربما هذا تحديداً ما دفع الكثيرين إلى التنبيه لنواقص الرجل وسقطاته، في إشارة إلى أن زمن الأنبياء ولّى، وأنه ليس كما يبدو حقاً.
هل هو ممثل جيد؟ في الواقع هو ممثل ملتزم ومجتهد وناجح جداً، لكنني لم أشعر يوماً سوى أنه "ممثل" لم يبهرني بأداء معين شعرت أن أحداً لم يكن ليقوم به سواه. في الواقع، هي ذاتها نبرة الصوت وتعبيرات الوجه، وحركات اليدين والأكتاف، لم يكن يوماً الشخصية التي يقوم بتقديمها، كان دائماً وفي كل مرة "عادل إمام" تلك هي الشخصية التي راح يقدمها مرة بعد أخرى في أفلامه ومسلسلاته، الرجل الواثق جداً في من نفسه، القادر على اللعب بمن حوله من الحمقى والمغفلين والأشرار، مع تيمات ثابتة؛ المتدينون إرهابيون وحمقى، والشرطة عادة أشرار. البطل المنحرف الواثق من نفسه جداً هو المحور، لا بأس إذا ارتكب انحرافات جنسية ومالية، كرجل الأعمال محسن هنداوي في فيلم "بوبوس" فهو طيب في النهاية ويعطي مواعظ وحكماً، لا بأس إن كان لصاً في "حنفي الأبهة"، أو نصاباً في "العراف" ينجب أبناء لا يربيهم، ويمارس النصب، فحين يتم القبض عليه يهرب في أحداث الثورة ويظهر في التلفزيون ليعلن ترشحه للرئاسة.
أسس عادل إمام برأيي لما يمكن تسميته "متلازمة الرجل السيئ الطيب"، هكذا أوجد الشخصية وراح يضيف لها مزيداً من الرتوش مرة بعد أخرى، الشر في أعمال عادل إمام لا يموت، البقاء للفاسدين، ولا عزاء للصالحين، كما هو الحال في "اللعب مع الكبار"، و"طيور الظلام".
وجهة النظر ذاتها يشاركني فيها الراحل زكي فطين عبد الوهاب والذي تساءل في إحدى المرات: "سؤال من غير شتيمة لو سمحتوا، هو عادل إمام الملقب بالزعيم، عمل إيه فى السنوات الأخيرة؟، غير نفس الشخصية، نفس الدور، نفس الإيفيه".
لهذا تمنّى الموت لأمه
عقلاني جداً، للدرجة التي جعلته يتمنى الموت لأمه التي تعاني في المستشفى، من مرض عضال كان يعرف أنه لا شفاء منه، هكذا استقبل خبر وفاتها بهدوء، في نفس توقيت عمله بمسرحية "شاهد ماشافش حاجة"، لم يبك، فقط بعد وفاتها بشهر، كان يقود سيارته في منطقة وسط البلد، فأوقفها فجأة ثم بكى: "أدركت أنني فقدت أكبر حب في حياتي محدش هايحبني قد أمي"، لكن هذا لم يشكل له أي شيء، فقد واصل عمله، لسنوات تالية حتى توفي والده أثناء عرض مسرحية "الزعيم" في لبنان، علم بالخبر أثناء عرض المسرحية، لكنه لم يبلغ الجمهور بالخبر سوى بعد انتهائه من عرض المسرحية بالكامل، قد يرى البعض في ذلك قسوة، لكنني لم أره سوى رباطة جأش وشعور شديد بالمسؤولية وقدرة عارمة على التماسك، تحسب له لا عليه.
رجل لا يودع أصدقاءه
أتعجب من حالة الاستغراب التي تتملك الصحفيين من غياب عادل إمام عن جنازات زملائه. الرجل لم يحضر جنازة رفيق دربه سعيد صالح عام 2014، لهذا لم يكن غيابه غريباً عن أي من جنازات أو عزاءات زملائه؛ محمود ياسين، أو سمير غانم، الحق أنه يلحق أحياناً بالعزاء إن كان الشخص يهمه، هكذا حضر عزاء سعيد صالح، والكاتب رفعت السعيد، والصحفي وائل الإبراشي.
ليس ثمة "شلة" لعادل إمام، هو"الشلة" في الواقع، ينتمي إليه وعائلته المحبون- إن أردوا- لكن هذا لا يحدث بشكل عكسي، عموماً الرجل يعيش في برجه العاجي البعيد، ليس ودوداً للغاية ولا يفاخر بهذا أو يجاهر به.
لهذا انتقده رئيس الجمهورية
واحدة من الأمور التي دعمت الصورة الذهنية المثالية لعادل إمام، هي تلك العلاقة الطيبة التي جمعته بالرؤساء المصريين والعرب، بداية من صدام حسين، حتى السادات ومبارك، إلا أن هذه العلاقة الطيبة لم يبد أنها مستمرة مع الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي انتقد إمام بعنف مطلع العام الجاري واصفاً إياه بأنه "حول البلد إلى خصم"، واعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فيلم "الإرهاب والكباب" بطولة عادل إمام وتأليف وحيد حامد، الذي عرض عام 1992، أنه كان السبب في كثير من الأحداث اللاحقة: "بدل ما تجيب فيلم الإرهاب والكباب وتجيب المواطن يشتكي، (الفيلم) خلّى البلد خصم، لم يجعل السلبية خصماً، أنت مفروض تخلي السلبية خصم.. المواطن الذي لا يعمل هو الخصم وليس البلد. لما حولتها (في الفيلم) لخصم في 2011 هدوها. خلوها إيه؟ هدوها. لولا فضل الله علينا وكرمه لكانت البلد دي زي كل البلاد اللي أنتم شايفينها مقامتش تاني ولا ترجع تاني خلاص. اللي يروح يروح مايرجعش، لكن هو أفاض علينا، طيب بعد ما أفاض علينا هنفضل زي ما احنا كده؟"
قالت: "ينصر الفاسدين"
تسريب صوتي للفنانة نجلاء فتحي، جاء صوتها خلاله غاضباً جداً، وهي توجه حديثها إلى عادل إمام، بدون مناسبة أو إشارة إلى تاريخ التسجيل أو سببه، قائلة: "اللي عمله الشعب.. اللي عمله الجماهير، يعني يا عادل يا إمام اللي عملك الشعب، اللي دفع فيك تذكرة ووصل أجرك للملايين الشعب، أعماله كلها فساد لمحبة الفساد، يعني يطلع الفاسد في الآخر هو الرابح.. 40 سنة وانت بتشرب الناس الكلام ده!".
"علاقتنا بإسرائيل هي الأفيد، إيه اللف والدوران ده، أنا كفنانة عارفة، مرة كلمني وقال هانعمل مسرحية في محافظة في الصعيد عشان نرد على الجماعات الإسلامية، كان وقتها ومازال، فقولتله أنا بنتي عندها سنتين ومحتجالي، موقف عادل إمام من الثورة تعيس، مدح جمال مبارك وحسني مبارك، بتمسح جوخ لمين؟ لما يكون ليك رأي واضح…".
لا يغري الجميع ويهين زملاءه.. وهؤلاء رفضوا التمثيل معه
يعد العمل بصحبته "حلم" الكثيرين، مهما بدا الدور بسيطاً، وربما تافهاً، أو حتى للتخديم عليه فقط، يكتفي البعض بأنهم انضموا لعادل إمام في عمل، لكن هذا لا يغري الجميع، البعض أعلن العصيان، وأن الأولوية لـ"الورق" و"المخرج" كما فعل الممثل الشاب سامح حسين، والذي رفض التمثيل مع عادل إمام، لأن الدور المعروض عليه لم يكن مناسباً له بحال من الأحوال.
لم يكن سامح حسين الأول، سبقه كريم عبد العزيز إلى هذا الرفض، معللاً إياه بأن العمل مع عادل إمام يعرض الممثل إلى الإهانة، مضيفاً أنه يسيطر في الكواليس وتصل هذه السيطرة إلى الضرب والإهانة أحياناً حتى لو على سبيل الكوميديا، وأن هذا مرفوض لأن ذلك يظهر الممثل أمام المشاهد أنه ليس له كرامة.
آثار الحكيم أيضاً رفضت التعاون معه لأسباب مشابهة، فالرجل الذي أعلن رفضه عمل ابنته بالمجال الفني وكذلك زوجته، لرفضه أن يتم تقبيلهما، سبق وفعل ذلك معها في "النمر والأنثى" ما اعتبرته إهانة بحقها.
هكذا كسر بخاطر زملائه فضربه "العويل"
لا ينسى المرء شخصاً جبر خاطره، ولا ينسى المرء أيضاً من أهانه وكسر الخاطر ذاته، حين وجه الإعلامي أسامة كمال سؤالاً للفنان الكوميدي رضا حامد حول من ظلمه، ابتلع الرجل ريقه ثم سأل بتوجس "أقول عادي؟" ثم بدأ يحكي عن ذلك الموقف: "هو حريص على نفسه وفنه، لما كنت باشتغل معاه في المسرح حققت نجاحاً رهيباً، وكنت باضحك الناس، اشتغلت معاه أمير الظلام، ونجحت واتكتب عني كويس، وأحد الناس المقربين قالي انت نورت جامد مش هايجيبك تاني، دخلت له في المسرح، قولتله انت بترتب حاجة جديدة أرجو يكون ليا دور جديد، قالي لا يا حبيبي أنا قدمتك وخلاص اشتغل بعيد عني، وفعلاً بدأت أشتغل بعيد عنه".
في الوقت الذي وصف فيه الفنان صالح العويل الفنان سمير غانم بـ"الإنسان" الحنون، وصف عادل إمام بأنه "متكبر وأناني"، ولهذا السبب قام في أحد مشاهد فيلم "عصابة حماده وتوتو" بضرب عادل إمام ضرباً مبرحاً رغم أن المخرج طلب منه أن يضربه ضرباً زائفاً، وبالرغم من أن بدايته في التلفزيون كانت مع إمام في "أحلام الفتى الطائر" ورأفت الهجان، إلا أن العلاقة اضطربت لاحقاً بسبب مآخذ العويل على إمام.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.