انتبهي لأمر واحد وإياكِ أن تقولي لابنك "أنت مراهق"، فالمراهقة توصف في عصرنا "بطريقة غير منطقية"؛ حيث يُصوّرون الفتى وكأنه –وعذراً لهذا التعبير- مختل عقلياً ومريض نفسياً، يبطش ويخرِّب ويثور… وأعراض الاكتئاب المرضي تنطبق عليه! وهذا تعريف من التعاريف الشائعة للمراهقة: "فترة عواصف وتوتر وشـدة، تكتنفها الأزمات النفسية، وتسودها المعاناة والإحباط والصراع والقلق والمشكلات وصعوبات التوافق".
وإن المراهقة المُرْهِقَة المزعومة جعلتنا نتوقع الاضطراب في الفتى والفتاة قبل أن يبدأ! وصرنا نعد أولادنا له ونتقبله ونشجعه! ونمهد للناشئ ليقع في شرك الفشل، واليأس والكآبة. وكأن التواكل يتم بدعم ودفع من الوالدين، خاصة الأم حين تشفق على فتاها وتردد: "لا تضغطوا عليه، لا توبِّخوه، راعوا نفسيته ووضعه الحرج، انتبهوا له هو في مرحلة حساسة…"، تظن أنها تحسن لولدها، وهي تسيء حين تطيل فترة احتضانه وتجعله "عالة" على العائلة (غصباً عنه)؛ وبالتالي، وبناء على هذا أصبحت هذه المرحلة ذريعة لتقصير الأبناء، ولتقاعسهم عن المسؤولية، وأصبحت حجة للتهور والخطأ والتملص من العقاب والمساءلة، وحين يقول المربي: "أولادنا ما زالوا صغاراً أو مراهقين"، وكأنه يقول لهم افعلوا ما شئتم… فأنتم غير محاسبين.
فمصطلح "المراهقة" أصبح مبرراً للناشئة، وذريعة للتمرد ولارتكاب الأخطاء والمخالفات، والخروج على الأنظمة والقوانين المقبولة الطبيعية، بدعوى: "اعذروني فأنا مراهق"!
ومن الخطورة أن نترك الفتى يفعل ما يشاء لأنه مراهق، فهو بحكم القانون قاصر، وبحكم الواقع غير ناضج، وهنا المصيبة؛ فإذا أخطأ لن يتحمل نتيجة فعله، مما قد يتسبب بكوارث لا يستهان بها لأهله وللآخرين، وقد أصبحنا نراها ماثلة على أرض الواقع.
حتى بت أرى قول المربي لابنه: "أنت مراهق" أو "في بيتنا مراهق"، من العبارات الخطيرة! فلا تقولوها أبداً، وتعاملوا مع الفتى بحب وحزم، ولا تنسوا التوجيه والنصيحة.
وإن البلوغ (الذي يسمونه –اليوم- "المراهقة" ويصفونه بمرحلة الطيش) هو مرحلة التكليف. التي تُفرض فيها أحكام الدين ويحاسب فيها الفتى على أعماله. فكان من الإنصاف أن نحذف "عذر المراهقة" من حياة أبنائنا، ونزرع فيهم حس المسؤولية والمساءلة.
وإن الإنسان يمر بعدة مراحل في حياته، من الطفولة وحتى الكهولة، وكل واحدة لها خصائصها، وصعوباتها، فما أهم شيء بهذه المرحلة، وما الذي ينبغي علينا الانتباه له ومراعاته؟
أهم تغير هو "تفتح الغريزة"، و"الانجذاب للجنس الآخر" و"الرغبة بالزواج"، ولعله التغيير الحاسم والأساسي، وإن هذه المشاعر وتلك الرغبة القوية الجامحة.. هي التي تسبب: المزاجية والثورة والعصبية وسرعة الغضب والتمرد، والسرحان وأحلام اليقظة، والإعراض عن الدراسة، وتضييع الأوقات على الأجهزة ومع الرفاق.. وإن استيقاظ هذه المشاعر والغرائز هو السبب الأساسي فيما نراه على الناشئة من أعراض غريبة ومحزنة ومزعجة، ولكننا للأسف لا نقدِّر "الغريزة" حق قدرها (ونضع لما نراه أسباباً أخرى).
وإن لهذه الغريزة قوة هائلة؛ تسيطر على القلب والمشاعر فتعطل الإنجاز أو تؤخره.. وإنها من أقوى الشهوات على الإنسان، وأعصاها -عند الهيجان- على العقل؛ ألا ترون كيف أوصى الرسول -صلى الله عليه سلم- المرأة بأن تستجيب لزوجها؟! ذلك أن الرجل لا يستطيع الصبر! ولا يفيده التفهم والعقل، حتى لأفتى بعض الفقهاء بجواز فطر الرجل في رمضان إذا خشي على نفسه أن تنشق أنثياه!؟ فكيف بهذا الصبي الذي تفتحت لديه الغريزة (بعنف أكبر وشراسة أعظم، وقوة كاسحة) وهو لا يجد لها مصرفاً؟ فلا هو يستطيع الزواج، ولا يستطيع البوح، ولا يملك إلا الكبت والتناسي، ولا يستطيع.
وإذا لم يستطع الناشئ السيطرة فإنه قد يلجأ للتدخين أو اللهو والإسراف والتسكع في الطرقات، فقوة الغريزة تعد من أخطر المنزلقات في هذه المرحلة، وتجعل المراهق في مأزق حرج، وتحدٍّ خطير، يخلق لديه حالة من الصراع والقلق.
فكيف يمكن أن نخفف –نحن المربين والمربيات- من وطأة هذه الحاجة الملحة، ونهوِّن القلق والصراع، من دون زواج، ومن دون أن نخدش الحياء؟
أولاً– بالتربية الجنسية وتوعية الناشئة لما ينتظرهم، والموضوع قد يكون محرجاً بعض الشيء، إلا أن التثقيف الجنسي هو جزء مهم من مسؤوليات الوالدين، وواجبهما أن يُكوّنا عند الفتى تصوراً واضحاً وعميقاً لما يحدث في جسمه من تطورات، ولكيفية علاقته بالجنس الآخر، وكيف يضبط نفسه، وكيف تُصرَف هذه الغريزة ومتى وأين؟
ثانياً– إن العلاج الحاسم والقوي للسيطرة على هذه الغريزة في التدين، بل إن في اللجوء إلى الله علاج لكل شيء قد يعرض للإنسان على مدار حياته الطويلة. وفي هذه المرحلة العمرية يتجه الفتية والفتيات –تلقائياً- إلى الله وإلى الدعاء، وتفيض مشاعرهم الإيمانية… فاستثمروها في توجيههم، وأكدوا لكل ناشئ على هذه الأمور الثلاثة ليطمئن قلبه:
1- ما يمر به قدر الله وجزء من طبيعة الدنيا وصعوباتها. فيطمئن ويتصبر ويرضى ريثما يتيسر له الزواج.
2- أنها مرحلة مؤقتة ولن تدوم، والدنيا هكذا، وكل شيء فيها سينتهي، فلا الألم يبقى ولا الظروف السيئة تستمر، والإنسان كل يوم هو في شأن.
3- يجب أن يشعر الناشئ بالفخر والسمو لقدرته على الانضباط ولجم النفس، لأن لذة الانتصار على الشهوات لا تعدلها لذة، ولئن كان اللّاهون العابثون يجدون لذة زائفة بممارسة الحرام، فالشاب العفيف والفتاة العفيفة يجدان من لذة الانتصار على النفس أعظم مما يجده أصحاب الشهوات، وإن الرجولة والإنسانية الحقة أن يقدر المرء أن يقول لنفسه "لا" حين يحتاج إلى ذلك، وأن تكون شهواته مقودة لا قائدة، أما الذي تحركه شهوته وتستعبده فهو فاشل وبلا شخصية.
الانتصار على الشهوة إنجاز عظيم، والعفة تورث الطمأنينة، وراحة البال لا يعرفها إلا من فقدها.
وإن لتفلت الشباب وخروجهم عن الآداب أخطاراً جسيمة، منها التسبب بالضرر للبنات في المجتمع، وفي كف الشباب صيانة للأعراض، وإصلاح للمجتمعات.
التدين أنجح وأسلم حل، وفي الإيمان حصانة وحماية من المزالق كلها، وفي التدين راحة نفسية واطمئنان روحي. وممارسة العبادة من صلاة وصيام وتفريج كرب الآخرين تشغل الفتى، وتشعره بقيمته، وتزيل المشاعر السلبية.
وعلاج المشكلات (على اختلافها) يكمن في التربية الروحية، وهي ضرورية لكل ناشئ، وتعوِّضه عن الحاجات التي يصعب عليه تحقيقها، وتحدُّ من تأثير فقدها.
وإن العبادة تأتي من التربية الروحية، والحاجة إلى المعرفة تتطلب التربية العقلية، والحاجة إلى توكيد الذات تتطلب التربية النفسية وتحمل المسؤولية، والحاجة إلى الرفاق تتطلب التربية الاجتماعية. وكل هذه المتطلبات تتحقق في البيت والمدرسـة والمسـجد والمعسكرات.
وقديماً كان الالتزام تلقائياً وينتقل من جيل إلى جيل بالقدوة، ولكن هذه الظاهرة بدأت تضيع وتختفي. كما يضيع ويختفي كل جميل من عاداتنا وحياتنا السابقة، وعلينا نحن الأمهات والآباء إعادتها، وهذه بعض الاقتراحات من أجل ذلك:
1- البيت هو المسؤول الأول عن الفرد، يرعاه في طفولته، ويشرف عليه في مراحله المختلفة وشبابه، ويجب على الآباء تغيير معاملتهم لأولادهم بالتدريج كلما كبروا قليلاً، فإذا وصلوا للبلوغ عاملوهم كفتية، حتى إذا وصلوا إلى العشرين عاملوهم كرجال.
2- المســجد يحقق للناشئ حاجته إلى العبادة، وحاجته إلى الرفاق عندما يجد شباناً أمثاله هناك، ويشبع حاجته إلى المعرفة حين يواظب على الحلقات العلمية، ولقد كانت تُعقد في بعض الجوامع دورات تعليمية في المواد المدرسية كالرياضيات واللغة العربية، مما يعزز الفائدة.
3- المعسـكرات أفضل الوسائل لصرف الطاقات بالعمل والتدريب والتعلم، خاصة إذا اجتمع الشباب فيها على الصلوات الخمـس، وتعاهدوا على قيام الليل، وعلى تلاوة القرآن الكريم قُبيل الفجر وبعد صلاة الصبح، ثم جلسوا يتدارسون السيرة وحياة الصحابة، ويسمعون المواعظ التي تشحذ الهمة، وتثير الفاعلية.
وترديد الأناشـيد والأهازيج يبعث الأمل، ويسمو بالنفس، وهي من وسائل صقل الروح.
والمعسكرات تُعوِّد الفتى على الاعتماد على نفسه بعيداً عن أهله، وعلى الخدمة الجماعية. وعلى الخشونة وشظف العيش… وهكذا ينمون ويتقوون ويصبحون رجالاً.
ويمكن للناشئة (أو لأهلهم) تنظيم هذه المخيمات إن لم يجدوا من يقيمها لهم، ويمكنهم إقامتها في أي بلد يسكنون فيه، فتكون بالصحراء، وعلى شط البحر، وفي الغابات والبساتين.
وأنصحكم أخيراً باصطحاب أولادكم لزيارة الكبار والمرضى، وأحياناً لزيارة المقابر ومخيمات الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة، فكل ذلك يصقل الشخصية، ويجلو الفكر، ويرقق قلب أولادنا، ويخفف من تأثير الغريزة، ويعينهم على تخطي هذه المرحلة الصعبة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.