عشية الاستشارات النيابية لاختيار رئيس جديد للوزارة، تشهد الساحة السياسية اللبنانية حالياً حماوة غير مبررة، وكثير من القيل والقال، وهذه الحماوة غير مبرَّرة لسبب بسيط، هو أن من يشكل الوزارة في الأعراف التي فرضها هذا العهد هو رئيس الجمهورية؛ أي إن الرئيس المكلف موجود سلفاً، وبذلك تكون الاستشارات النيابية بمثابة لزوم ما لا يلزم، إلا إذا كان الهدف منها هو اختيار مساعد لرئيس الجمهورية تحت مسمى "الرئيس المكلف" لتشكيل الحكومة، إضافة إلى التلذذ بتركيب عداد يسجل عدد زيارات هذا المساعد في التأليف إلى القصر الجمهوري قبل أن تبصر التشكيلة الوزارية النور.
فهل ما يمارسه رئيس الجمهورية الحالي من دور في تشكيل الحكومة يرتكز إلى أساس دستوري أم هو تجاوز للدستور بشكل فاضح؟
تفيد المادة 64 البند 2 من الدستور بأن رئيس مجلس الوزراء المكلف هو من یُجري الاستشارات النیابیة لتشكیل الحكومة، ویوقع مع رئیس الجمهوریة مرسوم تشكيلها.
أما المادة 53 البند 4 فتقول: یصدر (أي رئيس الجمهورية) بالاتفاق مع رئیس مجلس الوزراء مرسوم تشكیل الحكومة ومراسیم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم.
ما القصد من كلمة "بالاتفاق" في هذا النص، أولاً كلمة اتفاق "لغوياً" لا تعني أبدا "الاشتراك"، وإذا كان لا بد من فهمها في سياق النص الدستوري: وبما أنه من صلاحيات رئيس الجمهورية حفظ وصون الدستور توضح المادة 66 معنى كلمة "بالاتفاق"، التي تنص على التالي: لا یلي الوزارة إلا اللبنانیون، ولا یجوز تولي الوزارة إلا لمن یكون حائزاً على الشروط التي تؤهله للنیابة. هنا دور رئيس الجمهورية المقصود من تلك الكلمة أي التدقيق في أهلية الوزير، لكن للأسف يحور هذا العهد معنى هذه الكلمة، ويؤولها إلى ما يخدم مصالح فريقه السياسي، وليس مصالح الجمهورية اللبنانية، وما يؤكد ذلك نص المادة 53 من الدستور، التي تنص صراحة على التالي: یترأس رئیس الجمهوریة مجلس الوزراء عندما یشاء دون أن یشارك في التصویت، وهذه المادة تؤكد أنه لا يحق لرئيس الجمهورية اختيار أي وزير، لأنه إذا اختار وزيراً ما هذا يعني أنه أصبح له حق التصويت بالمواربة، وهذه مخالفة واضحة للدستور.
عدا عن ذلك التفسير المزاجي للدستور من قبل هذا العهد يفتح الباب لتفسيرات مزاجية لمواد دستورية أخرى على سبيل المثال تنص المادة 52 على التالي: يتولى رئیس الجمهوریة المفاوضة في عقد المعاهدات الدولیة وإبرامها بالاتفاق مع رئیس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء.
مثلاً إذا أصر رئيس مجلس الوزراء على حضور جلسات المفاوضات بين رئيس الجمهورية والجهات الخارجية وفقاً لتفسير هذه المادة مزاجياً من يمنعه؟ لكن لماذا العجب؟ ففي الدولة الفاشلة عادة ما يفسرون الدستور كل على هواه. مما تقدم يبدو واضحاً من المادة 64 أن مسؤولية تشكيل الحكومة تقع على عاتق الرئيس المكلف منفرداً؛ لأنه وحده مع أعضاء حكومته يتحمَّل تبعات نجاح أو فشل الحكومة، ولا علاقة لرئيس الجمهورية بتاتاً بفشل أو نجاح الحكومة، لذلك قبل الذهاب إلى الاستشارات النيابية على النواب توضيح مسألة دور رئيس الجمهورية الدستوري، بما يخص مسألة تشكيل الحكومة وأي مشاركة في هذه الاستشارات دون توضيح ذلك هي بمثابة جريمة موصوفة بحق الشعب اللبناني؛ لأن علكة "يكلف ولا يشكل" بسبب ابتزاز العهد لأي رئيس مكلف لن تمر كما في المرات السابقة.
لأن اللبناني الذي تقبل جهنم على مضض لن يرضى أن يعيش المجاعة في جهنم، وبالتالي نحن قادمون على فلتان أمني وفوضى حتى إنه من الممكن أن تكون القوى الأمنية نفسها عماد هذه الفوضى، لأن رجل الأمن هو مواطن أيضاً وتلسعه عقصات جهنم هذا العهد كغيره من المواطنين. وهنا لا بد من التحذير بأنه في فصل الشتاء مع بلوغ سعر تنكة المازوت 750000 ل وكلفة تدفئة شهرية تتجاوز 10 ملايين ليرة شهرياً ستعم البلاد كل أنواع الجرائم، هذه فاتورة واحدة من الفواتير التي يدفعها اللبناني شهرياً، لذلك يبقى السؤال الطبيعي ماثلاً من المسؤول؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.