لم يترك أهل الشبهات ولا أعداء الأمة شخصية عظيمة أو قدوة بارزة أو قامة دينية وفكرية واجتماعية وإسلامية رفيعة إلا وأساءوا إليها زوراً وبهتاناً، بعضهم ترفاً فكرياً، وغيرهم قلة معرفة بقصة وتفاصيل تلك الشخصية، وإن هذا والله أكثر سوءاً وأشد ظُلماً، ولعل الطعن في سيرة سيف الله المسلول، الصحابي الجليل وقائد جيوش الفتح ورجل المعارك ورافع لواء الحق في العالمين، خالد بن الوليد، رضي الله عنه وأرضاه، هو من هذا القبيل.
وجاء التشويه لسيرته من الفئة التي أرادت نيل الشهرة، أو ربما ظنت أنها تجيد الطرح وتخلق وعياً تاريخياً للأجيال، أو قاصدة تعزيز تيار التشويه والتحريف لدين الله وسِير أولي العزم من المرسلين والصحابة والتابعين والصالحين والمحدثين ورموز الإصلاح والمفكرين والمجددين، فأخطأت خطأها الفادح، وأساءت التقدير، وغالت في الوصف بحق هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه، الذي ذكره رواة التاريخ الغربيون والمستشرقون قبل أن يذكره رواة التاريخ المسلمون وحماة الحق الموحدون، وأكدوا على دوره في نشر الدين بكلمة الحق وفتح الأمصار سلماً لا جوراً وبطشاً، وإنما عدلاً وصلحاً ومسالمة وتعايشاً لمن سالم وقنع، وحرباً لمن طغى وتجبّر وأصر على الضلال والوقوف في صفّ المشركين وأهل الباطل.
ونحن هنا لسنا بصدد الرد أو جدال أحد، وإنما واجبنا الأخلاقي والديني والإنساني يدفعنا لتِبيان سيرة هذا الصحابي الجليل وقصته، ودوره في إعلاء كلمة الله، وما أحاط به أعداء الأمة سيرته من أكاذيب واتهامات في رواياتهم وقصصهم وأقاويلهم. فمن هو خالد بن الوليد؟ وما دوره في انتصارات المسلمين وإعلاء كلمة الحق ونشر الإسلام؟
التعريف بخالد بن الوليد رضي الله عنه؛ أصله ونسبه
هو الصحابي الجليل خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم بن يقظة بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، ويكنّى بأبي سليمان، وأمّه لبابة بنت الحارث، أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، مدحه رسول الله صلّى الله عليه وسلم قائلاً عنه: (نعمَ عبدُ اللهِ خالدُ بنُ الوليدِ سيفٌ من سيوفِ اللهِ)، وكان إسلامه قبل فتح مكة. وكان والده سيداً في قريش، ولُقّب بريحانة قريش، يلتقي نسبه بالرسول عليه الصلاة والسلام بمُرّة بن كعب، وقد كان رضي الله عنه حريصاً على تربية أبنائه على الفروسية، والحرب، واستخدام الأسلحة، كما كان شديد العداء لرسالة الإسلام وللرسول قبل إسلامه.
وُلد في مكة من قبيلة قرشية شريفة، وكان أبوه (الوليد بن المغيرة) من أشراف قريش وزعمائهم، ومن أعظمهم كرماً وعطاء. وبعد أن أصبح خالد في العاشرة من عمره بدأ يتعلم ركوب الخيل والضرب بالسيوف، والطعن بالرماح، كما بدأ يتعلم أساليب الحروب العربية وفنون الفروسية.
وُصف خالد بن الوليد بأنه شخصية عسكرية محنكة، وقائد مغوار في الحروب، وله انتصارات عظيمة، بما عرف عنه من الشجاعة والإقدام، والذكاء الحربي وحسن الحيلة والقدرة على التنظيم، والبراعة في التنفيذ.
هذا القائد العظيم عرفه العالم أجمع في شرقه وغربه، وكتب عنه المؤرخون العرب والأجانب، واتفقوا جميعاً على أنه فخر من مفاخر الأمة العربية والإسلامية، وعلم من أعلامها، ودُرست سيرته العسكرية واستراتيجيته الحربية في أكبر الأكاديميات العالمية شرقاً وغرباً.
دور خالد بن الوليد رضي الله عنه في الفتوح وإعلاء كلمة الله
اعتنق خالد بن الوليد- رضي الله عنه- الإسلام بعد أن جاوز الأربعين من عمره، بعد أن تلقى كلاماً من رسول الله ﷺ عبر أخيه يقول فيه "لو جعل خالد نكايته مع المسلمين على المشركين لكان خيراً له، ولقدمناه على غيره…"، فأسلم خالد في السنة الثامنة للهجرة، وذهب للنبي ﷺ رفقة عمرو بن العاص رضي الله عنهما وأعلن إسلامه، ففرح النبي ﷺ واستبشر خيراً.
شارك خالد بن الوليد بعد إسلامه في كثير من المعارك الحاسمة، فشارك في خمسٍ من المعارك الكبرى في حياة النبي ﷺ، وكان له الدور البارز فيها، وكانت له القدم الراسخة في تثبيت المسلمين ومعونتهم. فقد شارك في غزوة مؤتة بعد استشهاد ثلاثة من القادة، ثم أخذ الراية واستطاع بحنكته أن يحافظ على الجيش الإسلامي بخطة قوية وحنكة ذكية. كما كان له دوره في فتح مكة، حيث جعل النبي ﷺ خالداً قائداً لإحدى المجموعات الأربع للجيش الإسلامي، ليدخل خالد مكة من الجنوب باتجاه الشمال، وأوصى النبي ﷺ بعدم قتل أي أحد إلا من قاتل.
وقاتل سيف الله خالد مع المسلمين في غزوة حنين، وكان في مقدمتهم وأصيب بجراحات بليغة آنذاك، ورغم إصابته فقد قاتل حتى كان النصر حليفاً للمسلمين.
وقد أرسله النبي ﷺ في سرية إلى أكيدر بن عبد الملك، صاحب دومة الجندل، الذي كان على الدين النصراني، فنصب له كمياً واستطاع بذلك أخذ أكيدر أسيراً إلى رسول الله، فصالحه النبي ﷺ على الجزية وأطلق سراحه.
هذه بعض الغزوات والمعارك التي شارك فيها خالد رضي الله عنه في حياة النبي ﷺ، وله تاريخ كبير وحافل من الفتوح والانتصارات بعد حياة النبي ﷺ، في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
ومن المعارك التي شارك فيها خالد بعد حياة النبي ﷺ:
– يوم اليمامة.
– يوم مقتل مسيلمة.
– حروب المرتدين.
– ذات السلاسل.
– المزار.
– الولجة.
– عين التمر.
– الأنبار.
– موقعة عقربا.
– فتوحات العراق والشام.
– معارك دمشق وحمص.
خاتمة
لم يكن خالد بن الوليد (رضي الله عنه) رجلاً عادياً، بل قامة تاريخية عظيمة، وصحابياً جليلاً، ومن رجالات الإسلام الذين أسسوا لدعوة الله ورسالة التوحيد في الأرض، ومن حماتها العِظام الذين نشروا الدين وفق المنهج القرآني في الجهاد والتعامل مع غير المسلمين ومعرفة الحق والزود عنه، ودفع الباطل ومحاربة أهله، ولم يترك معركة ولا فتحاً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم (بعد إسلامه) ولا معركة أيام أبي بكر الصديق إلا وبذل الغالي والرخيص ليكون على رأسها فاتحاً ومنتصراً بقوة الله وعزيمة الحق وأخلاق المؤمنين، وأما ما قيل عنه من زور وباطل فهو زبد يذهب جفاءً، قال تعالى: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْاَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّٰهُ الْأَمْثَالَ".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.