منذ الظهور الأول لأجهزة الحاسوب بمختلف أنواعها وتعدد مهامها ومسمياتها، فإنها كانت هدفاً مهماً لمجموعة من الأشخاص المُخترِقين والذين أطلق عليهم فيما بعدُ اسم "الهاكرز"، وهؤلاء الأشخاص يجمعهم هدف واحد وهو استهداف أجهزة الحاسوب؛ من أجل الاستيلاء بشكل غير قانوني على ملفات الضحية (الشخص المُخترَق) والتي تعد ذات أهمية كبيرة لأصحابها؛ نظراً إلى خصوصيتها واحتوائها على معلومات ذات طابع حساس ومهم كالأرقام السرية للبطاقات الائتمانية وغيرها من المعلومات التي غالباً ما تشكل مصدر قلق لأصحابها؛ خوفاً من سرقتها والاطلاع عليها.
ولا شك في أن الجميع هدف للمُخترِقين مؤسسات وأفراداً، لذلك فإن الجميع معنيٌّ بهذه القضية المهمة، لأنها تشكل خطراً كبيراً وتهديداً ضخماً على كل من الأفراد ومؤسسات الدولة بمختلف وظائفها واختصاصاتها، ونتائجها- لا شك- ستكون كارثية وخطيرة وربما ستؤدي إلى خسائر مادية ومعنوية فادحة تؤثر بشكل سلبي على الأمن القومي للدول وعلى استقرار حياة الأفراد وعوائلهم.
ومع التطور التكنولوجي الكبير في مجال التواصل والاتصال وظهور شبكة الإنترنت وأجهزة الهواتف الذكية "Smartphones" التي بات معظم سكان العالم يستخدمونها. وبحسب تقرير أصدرته مؤخراً مؤسسة "نيوزوو" العالمية المتخصصة في إحصائيات الألعاب الإلكترونية، فإن عدد مستخدمي الهواتف الذكية حول العالم بلغ قرابة 3.8 مليار مستخدم نشط من أصل 7.9 مليار نسمة، وهذه الأرقام تشكل ما نسبته 50% من عدد سكان العالم المستخدمين النشطين للهواتف الذكية، وهي- بلا شك- نسبة كبيرة وفي ازدياد مستمر، كما أن نسبة الاستخدام النشط في العالم العربي كبيرة جداً وآخذة في الازدياد بشكل كبير.
هذا التطور الكبير وهذا الانتشار الواسع لأجهزة الاتصال الحديثة ولمواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من إيجابياته فإنه أيضاً شكَّل تهديداً أمنياً كبيراً لشريحة واسعة من المستخدمين، بسبب عدم درايتهم بوسائل الحماية لأجهزتهم وخصوصيتهم من المُخترِقين الذين وجدوا بهذه الشريحة بيئةً خصبةً لتحقيق أهدافهم.
ولا شك في أنه من الطبيعي في ظل التطور التكنولوجي الكبير الذي جلب معه تهديدات أمنية جديدة خطيرة تتمثل باختراق أجهزة المستخدمين وتكبيدهم خسائر مادية ومعنوية كبيرة، أن تتطور وسائل الحماية ووسائل الحفاظ على سرية وأمن المعلومات وعلى حماية خصوصيتها من المهاجمين، فوسائل الحماية تعد على درجة عالية من التعقيد، ومن الصعوبة بمكانٍ اختراق أي جهاز أو الاطلاع على أية ملفات، بسبب استخدام تقنيات متطورة في تشفير البيانات وحمايتها، لذلك عمد هؤلاء المهاجمون إلى استهداف أهم وأضعف عنصر في المنظومة المعلوماتية وهو العنصر البشري، أهم عنصر لأنه المحرك الرئيسي والمستخدم الأساسي لكل تلك التكنولوجيا، وهو أيضاً أضعف عنصر في المنظومة، لأنه من السهولة اختراق العقل البشري بأساليب ووسائل متعددة والحصول من خلاله على معلومات تعد ذات أهمية تمكّن المهندس الاجتماعي من اختراق أي جهاز وأية مؤسسة مهما كانت أهميتها.
ويمكن القول إن الهندسة الاجتماعية هي مجموعة الحيل والتقنيات التي تستخدم لخداع الناس وسلبهم معلومات تعد بالغة الأهمية، ويمكن للمهندس الاجتماعي الاعتماد على أساليب الاحتيال وحدها دون استخدام تقنيات برمجيات الاختراق لتحقيق غاياته، فمن أهم طرق اختراق المستخدمين الاحتيال أو انتحال الشخصية، بكل بساطة يمكن لأي مُخترِقٍ انتحال شخصية فتاة جميلة أو مؤسسة خيرية أو مسؤول كبير في الدولة ليقوم بعدها بالتواصل مع الشخص الضحية، ليقوم بعد الثقة بالشخص المُخترِق بتزويده بما يريد من معلومات مهمة وحساسة، فمثلاً لاختراق منشأة نووية أو مؤسسة عسكرية يقوم المهندس الاجتماعي بالتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع أحد العاملين هناك؛ ليحصل فيما بعد- وبعد أن ينال ثقته- على كل ما يريد من معلومات، حيث تعد عملية انتحال الشخصية من أكثر الطرق رواجاً لاختراق المستخدمين، بسبب تعدد طرقها وسهولة تطبيقها.
أما عن نسبة انتشار الاختراق باستخدام طرق الهندسة الاجتماعية في اختراق الضحايا بالدول العربية، فهي منتشرة بشكل كبير يجب معه دق ناقوس الخطر، خصوصاً في مناطق الخليج العربي، حيث يتم تحويل ملايين الدولارات سنوياً بشكل احتيالي، وذلك من خلال انتحال شخصية مؤسسات خيرية أو دوائر حكومية تقوم بتسهيل تقديم خدمات معينة أو من خلال انتحال شخصيات وهمية للاحتيال على الضحية والاستيلاء على أمواله بشكل غير قانوني، وهناك أيضاً شبكات متخصصة في هذا المجال جمعت ملايين الدولارات من هذا الفعل غير الأخلاقي، فعلى الرغم من عدم وجود أية دراسة حول نسبة المُخترَقين في الوطن العربي فإنها كبيرة، ويجب على المؤسسات المختصة عمل دراسة وافية حول ذلك الموضوع المهم، كما أن الحديث أو الشكوى من قبل المخترقين في الوطن العربي قليلة جداً؛ وذلك بسبب تحرج الضحايا من التصريح بما تعرضوا له من هجمات وعمليات احتيال إلكترونية، بسبب العادات والتقاليد ونظرة المجتمع إلى الأشخاص المستهدفين، كما أنه يجب على الحكومات العربية أن تأخذ على عاتقها تثقيف مواطنيها حول تلك القضية المهمة من خلال وضع مادة دراسية في المناهج المدرسية ومناهج يفضل أن تكون إلزامية في المرحلة الجامعية، إضافة إلى عقد الدورات التدريبية والنشرات التوعوية؛ لرفع مستوى الوعي عند الأفراد بهذا الموضوع المهم.
وحتى نكون بالجانب الآمن ونحافظ على أموالنا واستقرارنا النفسي والأسري، يجب على المواطن العربي على وجه التخصيص، عدم الإفصاح عن أية معلومات سرية لأي جهة كانت إلا بعد التأكد من رسميتها وحصولها على تخويل رسمي بالإفصاح عن أية معلومة كانت، كما أنه يجب التواصل بحذر مع الأشخاص الغرباء على مواقع التواصل الاجتماعي وعدم الإفصاح لهم عن أية معلومة كانت، والحذر أيضاً من الإدلاء بأية معلومة لأي شخص كان قريباً أم بعيداً، ولا بد من التأكد من إتلاف أية ورقة مدون عليها أية معلومات بشكل كامل؛ حتى لا تقع بيد أحد المُخترِقين، كما أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أنه لا توجد مؤسسات أو جهات أو أشخاص تقدم مساعدات أو جوائز أو خدمات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى لو وجدت فإنه يجب التأكد من هويتها؛ للحفاظ على أموالنا وخصوصيتنا واستقرارنا الأسري والمادي والنفسي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.