هل نحتاج لوقتٍ معين للحديث عن "عادل إمام"؟
حدث مهم كتعاون فني جديد مع أحد نجوم الشباك المتواضعين في الوقت الحالي؟ أم تصريح صحفي ناري؟ أم الحديث عنه كما يتحدث الجميع كل عام في عيد ميلاده؟
لا يمكن اختزال عادل إمام في مناسبة واحدة، ولا يمكننا التطرق للحديث عنه لوجود مناسبة. لطالما كان عادل إمام هو الحدث الأبرز في تاريخ السينما المصرية، كيف لا وهو ملكها المتوج وزعيمها الذي اقتنص من ذاكرتها الممتدة لـ100 عام أكثر من 60 سنة!
من البدايات التي كانت تُبشر بميلاد مهرج وكوميديان بارع انبثق الميلاد، ومن الاجتهاد والسعي للحصول على كل شيء نجح عادل إمام ببراعة وموهبة في الحصول على ما لا يمكن توقعه، ولكن هل يمكننا رغم كل هذا أن يتحول الزعيم إلی إله لمجرد أنه زعيم!
في الفن لا توجد مقدسات، ولا يجب أن يخلق المتلقي من لا يمكن نقده؛ لأن الفن في الأساس هو نقد للواقع مهما اختلفت أشكاله، ولأن الفنان معول نقد للواقع المخلوق منه، لإجازة ما يمكن للمتلقي بناؤه من جديد.
بحجم المسيرة المتاخمة يمكن تقديم رؤى عديدة ومختلفة للزعيم، ولكن لأن كل ما يمكن قوله قد قيل عن أعمال فنية صارت جزءاً أصيلاً في الوعي الجمعي وداخل وجدان كل من شاهد عادل إمام على مدار سنوات طويلة في أكثر من صورة؛ فإننا من حين لآخر نحتاج لإعادة النظر من منظور مختلف لكل شيء، لذا فإن محاولة الكتابة عن الزعيم لا تأتي من منظور إعادة التقديم أو الإشادة فقط؛ لأن هذه مرحلة تجاوزها تاريخ عادل إمام نفسه الذي صار ملتصقاً بنا كجزء من التاريخ الثقافي والفني؛ لذا فإن الكتابة هنا تأتي من متلقٍّ لهذا الفن، ومتأثر به، ومتفاعل معه، وكمن يحاول إبراز نتائج هذه المسيرة الفنية الضخمة علی أبناء جيله بالسلب وبالإيجاب.
سنوات مجد الزعيم
متی صار الزعيم زعيماً؟ ومن منحه اللقب؟ ومتی يمكن أن يتحول فنان ونجم إلی زعيم حقيقي له سلطة على ملايين المحبين كما يحظى عادل إمام!
ربما وصل عادل إمام لهذا المكانة بعد علامات فارقة في تاريخ السينما المصرية، بعد أفلام مثل (البحث عن فضيحة – سلام يا صاحبي – المشبوه – الحريف – الإرهاب والكباب – عمارة يعقوبيان)، أو مسرحيات مثل (مدرسة المشاغبين – الزعيم) أو بسبب أعمال أخری قد تكون أكثر أهمية، وعلى الرغم من وجود تصنيف أكثر جدية لأهمية الأعمال التي قدمها عادل إمام إلا أن مثابرة عادل إمام سبب أساسي في تتويجه باللقب، هي ما منحته السيطرة المطلقة على المتلقي والمنافس على حدٍ سواء. نجح عادل إمام في السيطرة التامة علی إيرادات شباك التذاكر علی مدار سنوات على الرغم من معاصرته فنانين كباراً أثروا أرشيف السينما بأعمال عظيمة، ولكن الشباك كان أول عوامل النجاح دائماً باعتباره مؤشراً سريعاً على النجاح.
يعترف الكثيرون بأهمية أحمد زكي وحجم موهبته، يعترفون ببراعة نور الشريف الذي لا يمكن مقارنته، ويعترفون بقدرات محمود عبد العزيز كفنان متعدد الوجوه، ولكن عادل هو من قدم للناس ما يُمكّنهم من عبور أيامهم الصعبة.
ينتمي الزعيم إلى مدارس متعددة، بتعدد مراحله الفنية بين بدايات ضبابية ظهر فيها ككومبارس يشير له الكبار بموهبة لها مستقبل مشرق، وصولًا لأعمال متوسطة المستوی منحته القبول لدی جمهور السينما الذي يرغب في الضحك، ثم مرحلة النضج الفني طويل الأمد مقارنة بغيره، وحتی مراحل بداية الألفية الثالثة التي صار فيها عادل إمام هو الجزء الأهم في تاريخ السينما المصرية.
سلب في سلب!
منذ سنوات توقف نجم عادل إمام عن السطوع، لم ينطفئ النجم بشكل نهائي بحكم المسيرة الطويلة المنيرة، ولكن لم يعد نجم عادل إمام هو الأبرز سطوعاً علی الساحة الفنية؛ لأن التاريخ يُعيد نفسه؛ فإن الأسباب التي تسببت في احتلال عادل إمام مساحات شاسعة في قلوب الجمهور ساهمت في بزوغ نجوم آخرين، ليسوا بالقيمة نفسها أو القدر من الموهبة ولكن بقدرٍ معقول ساهم في التفاف الأجيال الجديدة حول ما هو رائج وجديد.
وكما تسلم الزعيم الراية من نجوم الفن لتقديم مدرسة مختلفة تعتمد علی الضحك تارة والتشبه بحياة المواطن العادي في صور أخری لكسب وده، فإن من سحبوا البساط من تحت أقدام النجم الكبير استخدموا الوصفة السحرية نفسها للحصول علی قدرٍ قليل من محبة الناس واستمالة قلوبهم.
ومع ذلك نحتاج للإشارة إلی أنه لا توجد مسيرة ناصعة البياض، ولا طريق مفروش بالزهور؛ لذا فمن المنطقي أن يتجه النقد بكل مدارسه نحو عادل إمام كفنان، وتجاه الشخصيات التي قام بتأديتها لاستمرار حياتها باعتبارها جزءاً من تاريخ الفن المصري، باعتبارها شخصيات ما زالت مؤثرة في كل من يتعرف عليها للمرة الأولى أو يُعيد تقييمها كل فترة، وبالنسبة لنا نحن من تشكل وعينا علی أن النقد وسيلة لمحاولة توضيح لغز العالم.
أنا واحد ممن تشكل وعيهم علی إعادة تقييم ما يحدث حولي أو ما أسلم به لضمان سلامة آرائي، ومنذ توقف عادل إمام عن الظهور علی الساحة الفنية بأعمال فنية أو لقاءات صحفية فإن محاولة النقد أصبحت معول هدم للمنتج الفني الذي قدمه ككل بلا رؤية شاملة. يسلب البعض مجد عادل إمام منه بإبراز الجانب السلبي فقط في مسيرته باعتباره المتحرش الأشهر في تاريخ السينما والمسرح والتلفزيون، باعتباره أحد تلاميذ مدرسة المشاغبين التي تأثرنا بها جميعاً بصورة سلبية دون النظر لرسالة العمل التي دفعت الممثلين لتأديته.
تبدو سلبيات المشروع الفني لعادل إمام قابلة للغفران ما دام صاحبها هو بطل فيلم الإرهاب والكباب، ما دام صاحبها هو الحصان الأسود الذي راهن وحيد حامد عليه وفاز بالرهان حينما نجحت كل الشخصيات التي كتبها في التعبير عن مواطني الطبقة العادية والاستمرار في الحياة، رغم اندثار هذه الطبقة تقريباً في عصرنا الحالي بسبب مشكلات متعددة.
تتوجه دوماً أصابع الاتهام لعادل إمام علی أنه المشوه الأول للإسلام والمسلمين، وهذا غير حقيقي؛ لأن فن وشخصيات عادل إمام المتعددة حاربت شخصيات أصولية تتبنى أفكاراً متطرفة نمت في جسد المجتمع كسرطان خبيث، والتجارب أثبتت حقيقة أفكار الرجل الذي حارب "طيور الظلام" وحده تقريباً في فترات التسعينيات التي تُشكل سنوات الحرب الضارية بين الفكر المتطرف والمصريين.
يتوجه البعض لنقد "أمير الظلام" استناداً على ظهوره في الفيلم كرجل أعمی خارق بينما كل العميان حوله بلهاء وسُذج، وهذا غير صحيح بصورة كاملة؛ لأن الشخصية الرئيسة في الفيلم كانت لطيار سابق ورجل نابه، بينما رواد دار المكفوفين كانوا مجرد شباب لم يروا العالم أبداً، ولا يعرفون مدی اتساعه؛ لذا كانت كل حكايات "الجنرال" بالنسبة لهم حكايات مدهشة.
وبالطبع لا يمكن نكران تأثير تحرشات عادل إمام علی كل الأجيال التي تربت علی فنه، ولكن هذا الخطأ الذي لا يغتفر قد نتج تقريباً بلا وعي، بصورة شبه طبيعية لمحاولة تجسيد الواقع علی الشاشة، قد تكون الأزمة تفاقمت من خلال تأثير المرئي علی المتلقي، ولكن هذا لا ينفي وجودها من الأساس وخصوصا في عدة فترات مرت فيها السينما والمجتمع بتحولات كبيرة بصورة غير متوقعة.
هل يمكن نقد الزعيم؟
تربينا علی أن الزعيم واحد منا، لا يمكن نقده! ولكن لا يمكن اعتبار عادل إمام فوق النقد؛ لأن نقد التجربة السينمائية لكل من تعاونوا معه لن يخلو من نقده باعتباره الشخصية الرئيسة، وباعتبار وجود عادل إمام بصورة رئيسة في النصف الثاني من تاريخ السينما المصرية ككل، لذا فإن هذا التاريخ الشخصي غير القابل للتصديق يجعلنا نتلاحم مع آراء عادل إمام المطروحة في أعماله والمتبناة بواسطته بصور عنيفة في بعض الأحيان للتعبير عن المحبة! الزعيم الذي سقط الجميع في حبه لا يمكن كرهه بشكل كامل، يقع الجانب العاطفي في المصريين بشكل كامل في حب عادل إمام باختلافنا جميعاً، ونقف بحسب الآراء الشخصية والرؤی النقدية للفن علی مسافات متفاوتة من تقدير هذه المسيرة.
يبدو عادل إمام بفعل العادة كممثل رجل متعدد الشخصيات؛ يساري عنيد يحارب الأفكار الإرهابية وحده في بعض الأحيان، يُعادي الدولة ويسخر من الزعيم بصورة رمزية شديدة الوضوح للتهوين علی الناس، فتی أحلام أكثر النساء جمالاً وغواية في أوقاتٍ كثيرة، شخص يحمل الضحك في جراب ويوزعه علی الجميع بلا تمييز، عادل إمام يُضحكك مهما كانت حالتك النفسية أو مستواك الاجتماعي، ويبدو في بعض الأحيان رجلاً مُسالماً علی يمين السلطة التي تستخدمه كعصفورة هدفها لفت انتباه المواطن المطحون علی كل الأصعدة لتُفسد حياتهم وتسلب أموالهم في سهولة ويسر.
أتناقش في عدة أحيان مع بعض الناس عن موقفهم من عادل إمام، البعض يتوقف عند ذكر بعض السلبيات ولكنهم يختمون حديثهم (بس ده الزعيم)! لتنفي الكلمات الأخيرة كل سيئات المسيرة بالنسبة لهم، والبعض الآخر يرددون بلا توقف أسباباً متعددة لحب عادل إمام، وآخرون يحبون الزعيم لدرجة تخصيص يوم ميلاده لنشر مقاطع فريدة من أعماله الفنية مرفقة بتعليقات مثل (ربنا يخلي لينا الزعيم)، و(الحمد لله أننا نمتلك عادل إمام)، يقع كل هذا القدر من العواطف المتضاربة في جعبة فنان واحد فقط شكل وعي الملايين ونال حبهم بكل الأشكال، حتی نصيبه من عدم الحب أو القبول جزء يكاد أن يكون غير مرئي.
لذا فإننا في بعض الأوقات نصرخ ونوضح سلبيات هذه التجربة، ومع كل مرة نضحك فيها علی أفعال (بهجت الأباصيري) ورفاقه نقول: (ربنا يخلي لينا الزعيم).
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.