الحكومة الانقلابية نجحت في أن تخلق أسوأ منظومة حكم في تاريخ السودان الحديث، وأقلها كفاءة على الإطلاق بتشكيلة على استعجال، تمت في أيام معدودات قبل الانقلاب وبالتنسيق مع علي كرتي.
هذا الفريق من محدودي القدرات من الوزراء والمسؤولين التنفيذيين أتاح لجبريل إبراهيم فرصة ذهبية في السيطرة عليهم، متحكماً في مصادر تمويلهم، ومستخدماً سلطاتهم لتحقيق مصالحه الشخصية أو الجهوية أو الحزبية، مستغلاً عدم وجود رئيس وزراء يتحكم في الجهاز التنفيذي، وفي غياب كامل للدولة ورقابة منظومة الحكم.
خير مثال على هذه الفوضى التسريبات عن نقل بعض توربينات محطة بري الحرارية لدارفور، استرضاءً من وزير الطاقة المكلف لجبريل إبراهيم ورهطه، دون وضع أي اعتبارات للتحديات التي تجابه هذا القطاع في كل إنحاء السودان والقطاعات الإنتاجية وعجزه التام في إيجاد حلول لمشاكل القطاع المزمنة ليزيد هذا القرار، إن صح، الطين بلة.
كما أن إعلان هذه الوزارة عن خطط عبثية إعلامياً لتضليل الرأي العام مثل إعلان مشاريع نقل كهرباء بآلاف الميغاوط من إثيوبيا في استثمار لمصلحة دولة أخري، بدلاً من التركيز على المشاريع الوطنية في قطاع حيوي للأمن الاقتصادي والقومي للبلد.
أيضاً حديثاً تسربت فضيحة شكوى الحكومة الانقلابية للثوار أمام الأمم المتحدة، مدعية عليهم تكسير سيارات ومراكز شرطة، إن صحَّت هذه الرواية فستكون سابقة ودلالة على ضحالة وانعدام كفاءة ما يسمى بوزير الخارجية وطاقمه، الذين يحاولون جاهدين مجابهة تقارير المنظمات الإنسانية والرد على المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة السنغالي أداما دينغ حول جرائم المنظومة الانقلابية الموثقة ضد الإنسانية في قتل وجرح العديد والاعتقالات التعسفية لآلاف من المتظاهرين السلميين من الأطفال والنساء والشباب منذ تاريخ انقلابهم في 25 أكتوبر/تشرين الأول.
وأخيراً تم كشف مؤامرة وزير التعليم العالي الكوز، الذي سعى لتعيين مديرين للجامعات الحكومية موالين للانقلابيين والنظام البائد، ومن دون موافقة مجالس الجامعات، في تنكر واضح لاستقلالية الجامعات التي نصت عليها الوثيقة الدستورية.
وتم فضح هذا الوزير ومَن دعمه بعد أن تنكر الانقلابي برهان أمام المحكمة لإقالة مجلس جامعة الخرطوم، بما يدل على أنه لم يُقِل أياً من مجالس الجامعات الحكومية الأخري رغم إعلان وكالة الأنباء الرسمية سونا وصفحة مجلس السيادة في فيسبوك عن إقالة مجالس الجامعات، مما يضع الوزير الكوز وكل طاقمه من مديري الجامعات الذين أتى بهم تحت مسؤولية قانونية مباشرة عن كل القرارات الإدارية والمالية التي تمت دون موافقة مجالس الجامعات، في مخالفة واضحة للوائح الجامعات والتعليم العالي.
والطامة الكبرى أيضاً في الوزراء الذين يعلنون عن اتفاقيات مع شركات وهمية، مدعيين أنها شركات عالمية، متناسين أن عهد خداع الشعب السوداني بهذه الأكاذيب قد ولَّى وأن دولتهم الانقلابية في عزلة تامة، وحتي تلك الدول التي تستخدمهم لنهب ثروات السودان لا تستطيع التعامل المباشر معهم اتقاءً لشر أمريكا، التي تقف لهم بالمرصاد.
وأكثر الأمثلة عن فشل الدولة نشر ادعاءات بأن هناك جهة حكومية تهرِّب الذهب، وهو يمثل الحكومة، وبصفاقة يُجري صفقات قبلية باسم حكومة السودان في غياب كامل للدولة، وفي سابقة تاريخية ليس لها مثيل حتى في أسوأ أيام نظام البشير الفاسد.
أضاع الانقلابيون وأعوانهم على الشعب السوداني فرصة إعادة ثقة العالم لهذا البلد المقهور بعسكره منذ الاستقلال، ومحاولات تأسيس منظومة استثمار ضخمة في الفترة الانتقالية، كانت سترد العافية للشعب السوداني وتؤسس لنقلة اقتصادية معتبرة.
لقد شهدت شخصياً قدراً من هذه الطموحات في بداية ومنتصف 2021، حيث سعت معظم الوزارات لتجهيز مشاريع إنتاجية كبرى لمؤتمر باريس واستثمارات البنك الدولي وأمريكا ودول الخليج وغيرها بعشرات مليارات الدولارات.
لقد أضاع هؤلاء الانقلابيون تلكم المشاريع بأنانية ولمصالح جهوية وحزبية وشخصية ضيقة، وللأسف بعضهم يخدم مصالح دول
تستأجرهم لنهب ثروات الشعب السوداني وتدمير مشروع دولة وطنية ديمقراطية ذات مؤسسات تتمتع بشفافية وتحمي مصالح الشعب في المقام الأول.
بالطبع لن يرحمهم التاريخ ولا الشعب السوداني، وليعتلِ كل من أعان هؤلاء الانقلابيين على جريمتهم مقعده من التاريخ، وسيبقى الشعب السوداني، والخير الذي فيه، قائماً عليهم ليهزمهم ويدكَّ حصونهم طالت أعمارهم أم قصرت.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.