لا قمح ولا سكر ولا دواجن.. لماذا سيشهد العالم كارثة في الأمن الغذائي خلال الشهور الثلاثة المقبلة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/14 الساعة 12:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/14 الساعة 12:34 بتوقيت غرينتش

بعد انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) في مدينة ووهان الصينية، وتفشيه بشكل كبير وانتشاره الواسع في العالم؛ أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ صحية عامة، تثير قلقاً عالمياً يجب معها أخذ أشد الاحتياطات الصحية لتفادي خسائر كبيرة في الأرواح، هذا الإعلان من منظمة الصحة العالمية دفع معظم دول العالم إلى عمل إغلاقات شاملة داخلياً وخارجياً عن طريق إغلاق جميع المنافذ، وفتحها للضرورة القصوى فقط، هذه الإغلاقات أصبحت مثار قلق كبير لحكومات الدول؛ فالأزمة لم تعد صحية فحسب، بل تشعبت وتعددت وتفاقمت لتشمل حدوث مشكلات اقتصادية واجتماعية ونفسية وتعليمية.

بالإضافة إلى أنها أثارت قلقاً كبيراً بسبب مشكلة تأمين الغذاء وتوفيره بشكل مستمر للمواطنين، ويعود سبب هذا التخوف إلى حالة الرعب التي أصابت المواطنين، والتي دفعتهم إلى تخزين كميات كبيرة من الأغذية لتجنب الخروج من المنزل والاحتكاك بالناس، والذي أدى إلى زيادة الطلب على الأغذية الأساسية واستهلاكها بشكل كبير؛ بحيث أصبح استهلاك الفرد لحصته الغذائية أكبر من المعدل المعتاد بسبب الجائحة؛ فقد تم استهلاك الكثير من المخزون الاستراتيجي إن لم يكن معظمه؛ ما دفع الحكومات إلى الاعتماد على الذات من خلال مضاعفة الإنتاج المحلي، وهذا الخيار أتى متأخراً لكثير من الدول التي تعتمد في غذائها والكثير من مواردها على الاستيراد؛ ما وضعها في أزمة كبيرة أمام شعوبها، هذا الطلب الكبير على الغذاء أدى إلى تضاعف سعرها بشكل يفوق قدرة الفرد الشرائية، وبالتالي أدى إلى عجز في الحصول على الحصة الغذائية.

في الحقيقة ربما أن الجائحة ساهمت بشكل كبير في مفاقمة الأمن الغذائي العالمي، إلا أن هنالك أسباباً كثيرة، ومن غير الإنصاف أن نلقي اللوم على الجائحة فقط؛ فالأسباب كبيرة متراكمة منذ سنوات، وربما أبرز تلك الأسباب هو الثورة الصناعية التي أدت إلى عزوف الكثير من المزارعين عن الإنتاج الزراعي، والتوجه نحو العمل بالصناعة الذي لا شك أنه يدر ربحاً أكبر بكثير من العمل في الزراعة، أضف إلى ذلك أنه بسبب التلوث الكبير الناتج من انبعاث الغازات الدفيئة ودخان المصانع والسيارات وغيرها من الآلات التي تعمل بالوقود، أدى إلى تغير كبير في مناخ الأرض بسبب الانبعاثات المستمرة والمتزايدة، وما زالت الانبعاثات مستمرة في الارتفاع، ونتيجة لذلك أصبحت الكرة الأرضية الآن أكثر دفئاً بمقدار 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه في أواخر القرن التاسع عشر. وكان العقد الماضي (2011-2020) الأكثر دفئاً على الإطلاق.

ويعتقد البعض أن التغييرات قد تحصل في منطقة واحدة، إلا أن التغييرات في منطقة واحدة، في الحقيقة، قد تؤدي إلى تغييرات في جميع المناطق الأخرى. تشمل عواقب تغير المناخ، من بين أمور أخرى، الجفاف الشديد وندرة المياه والحرائق الشديدة وارتفاع مستويات سطح البحر والفيضانات وذوبان الجليد القطبي والعواصف الكارثية وتدهور التنوع البيولوجي، وهنا يكمن الخطر الكبير على الأمن الغذائي العالمي.

ربما كان تسليط الضوء على الحرب الروسية الأوكرانية، وربطها بمخاوف دولية بخصوص الأمن الغذائي العالمي، وارتفاع الأسعار، أمراً منطقياً؛ فالدولتان المتصارعتان تمدان العالم، وفقاً لتوقعات وزارة الزراعة الأمريكية للسنة التسويقية 2021/2022، بربع الإمداد العالمي من القمح، وهذه نسبة كبيرة، ومؤشر خطير للعالم إذا ما استمرت الحرب!

 ومن غير المنصف أن نوجه أصابع الاتهام إلى تلك الحرب فقط؛ فالحرب الروسية الأوكرانية سبقتها العديد من الحروب الهمجية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على العديد من الدول من دون مبرر سوى استباحة الدماء وهدم الدول، ولعل أبرزها الغزو على العراق وأفغانستان، وتدخلها السافر في الصومال بدعم القوات الإثيوبية الغازية، والعقوبات الاقتصادية غير المبررة على السودان، وحرب فيتنام وغيرها من الحروب الفوضوية التي ساهمت بشكل كبير في تأخر القطاع الزراعي في الدول التي تدخلت بها الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر وغير مباشر، بالإضافة إلى تلويث البيئة والمساهمة بشكل كبير في تغيرات المناخ بسبب الأسلحة غير الأخلاقية التي تم دعمها بها واستخدامها في حروبها غير المبررة، بالإضافة إلى العديد من الحروب التي خاضتها دول أخرى ونزاعات داخلية بمباركة دولية، في مقدمتها الولايات المتحدة، كل تلك الحروب والنزاعات، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية، ساهمت بشكل كبير في مفاقمة الأزمة الغذائية عالمياً.

كما أن موجة الحرائق التي اجتاحت معظم دول العالم أدت إلى تدمير الأنظمة البيئية التي تعيش بداخلها بالكامل، كما تشكل حرائق الغابات عاملاً كبيراً من عوامل الزحف الصحراوي للقارات؛ حيث تمثل الغابات موانع زحف، والكثبان الرملية تمثل العديد من مصادر التربة الخصبة، هذه الحراق الكبيرة الضخمة التي أكلت مساحات شاسعة من الغطاء النباتي هناك من يدعي أنها حرائق مفتعلة ومنظمة من أجل تحقيق أمر ما دبر بليل حسب ادعاءات بعض حكومات تلك الدول!

إذاً الحرائق، والحروب، والتلوث، والاستهتار، وعدم تشجيع دول عديدة مواطنيها لممارسة العمل الزراعي، وتسهيل وتذليل العقبات أمامهم أدى إلى ما نحن فيه من أزمة غذائية عالمية قد تصل إلى حد المجاعة إذا ما تم تكثيف الجهود الدولية لتفادي حدوث ذلك.

أما في وطننا العربي فالأمر مقلق جداً؛ حيث إن الدول التي تعد سلة غذاء العالم العربي وضعها الزراعي في أسوأ حالاته، ولا أريد الحديث عن الأسباب؛ لأنها ربما تكون معروفة للجميع، لكن المقلق ما جاء في تقرير مشترك صادر عن برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) عن احتمال أن يتدهور انعدام الأمن الغذائي في 20 دولة خلال الشهور الثلاثة المقبلة، من ضمنها 5 دول عربية هي سوريا والسودان واليمن والصومال ولبنان؛ حيث دعت الأمم المتحدة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات إنسانية عاجلة لتلك الدول، المحزن في الأمر أن تلك الدول كانت يوماً من الأيام تعتبر ذات بعد استراتيجي للدول العربية من ناحية الأمن الغذائي، بل إن دولة واحدة منهن، كالسودان، كفيلة بتأمين الغذاء للدول العربية مدى الحياة!

الوضع العالمي فيما يخص الأمن الغذائي مقلق جداً، وربما في الأيام القادمة سيزاد سوءاً نظراً إلى ما تم التحدث به سابقاً في هذا المقال، فعندما تعلن دولة كالهند، والتي تعد أكبر منتج للسكر في العالم، عن تقييد إجراءات تصدير السكر للعالم للحفاظ على مخزون السكر في البلاد، وعن حظر تصدير القمح للحفاظ على مخزونها الاستراتيجي، وعندما تعلن ماليزيا عن تقييد صادرات الدجاج إلى جيرانها، قائلة إن "أولوية الحكومة هي شعبنا"، فهذا أمر مقلق وخطير؛ لذلك يجب على العالم أن يفكر بشكل جدي لإنقاذ العالم من أسوأ أزمة سوف تمر عليه إن حدثت، والحديث عن انعدام الأمن الغذائي لا يشمل فقط ندرة المواد الغذائية وعدم توفرها، بل أيضاً عدم قدرة الفرد على شرائها بسبب ارتفاع أسعار السلع المستمر، والذي ربما يتضاعف بشكل كبير يفوق قدرة الفرد الشرائية؛ لذا يجب على المواطنين الاعتماد على أنفسهم بالدرجة الأولى، وذلك عن طريق تخزين ما يكفي من السلع الأساسية، واستثمار الأراضي الزراعية الخاصة بهم، حتى لو كانت بسيطة، لتأمين احتياجاتهم من الطعام والشراب، والعمل أيضاً على تربية بعض الحيوانات والطيور لتزويدهم بما يكفي من اللحوم، تحسباً لأي أمر طارئ إن حدث، وإن لم يحدث فقد يكون المواطن سلك نمطاً استهلاكياً رشيداً معتمداً على نفسه، محققاً اكتفاءً ذاتياً له ولأسرته.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

جلال الجنيدي
كاتب وباحث في الشئون الإجتماعية والسياسية
كاتب في العديد من المواضيع الاجتماعية والسياسية والتقنية على العديد من المواقع وناشط في المجال الاجتماعي والدعوي والسياسي، ومحاضر في التنمية البشرية وتطوير الذات
تحميل المزيد