في خضم متابعتنا للكثير من الأحداث السياسية الجارية في عالمنا، تتكرر بعض المصطلحات والمفاهيم السياسية على آذاننا دون فهم حقيقي لما تعنيه، ومن هذه المفاهيم كلمة "السلطوية"، التي تطلق على الكثير من الأنظمة السياسية والعديد من الحكومات، فما هو مفهوم السلطوية بشكل دقيق؟
السلطوية هي نظام حكم سياسي عام، تغيب فيه المساءلة والمحاسبة للسلطة الفعلية التي تحكم وتقرر، ولأنها تنتصر لسلطة القوة التي تتغذى من امتلاكها لأدوات التحكم الأمنية والإعلامية والسياسية، فهي قد تحظى بقبول سلبي عام، من أهم مظاهره شيوع قيم التزلف والنفاق والاستفادة من ريع المال العمومي والتداول الانتخابي من أجل خدمة السلطة لا من أجل ممارستها.
كما تضيق الأنظمة السلطوية ذرعاً حتى بالقوانين التي تبنتها وشرعتها، كلما كانت هذه القوانين عائقاً أمام شرهها السلطوي اللامحدود، فتتمرد عليها، ويصبح القانون قانونها في الميدان.
إن السلطوية لا تقنعها المؤسسات، حتى وإن كانت محضرة وفق توجهها، وما يقنعها هو المزاج العام الذي يحكم نظرتها للمجتمع وللناس ولبنية الحكم، فإذا توافقت المؤسسات مع مزاجها العام، فذاك هو المطلوب لديها، وإذا تفارقت استدعت مؤسساتها الخاصة اللامرئية التي لا يسلط عليها ضوء الدستور والقانون، لتشغلها في الظلام، وتنتج من خلالها قراراتها العمومية.
إنها تعشق الكواليس ولغة التعليمات والتخلص من كل نسق مؤسساتي قد يحاسب فعلها وتصرفها وقرارها العموميين.
كما أن السلطوية هي من فصيلة جنس الاستبداد، لكن ليست هي للاستبداد بعينه، فهي قد تتسلح بالمؤسسات لفرض تعليماتها، وقد تستدعي انتقائياً كل تأويل للقانون يخدم أجندتها في تنزيل سياستها ومواجهة خصومها، وقد تعاند بشكل سادي كل توجهات الرأي العام، بل وقد تجعله رأياً خاصاً، بينما تعتبر توجه مناصريها هو الرأي العام، وهو الشعب، وهو الإرادة العامة.
السلطوية داء قوي التأثير على محيطه وعلى الجسم المجتمعي الضعيف في ممانعته، وهي ذات طبيعة متعدية، ليس في قاموسها التداولي مصطلحات التوافق والحوار وحسن الإنصات والاستماع، في المقابل لها قاموسها الخاص في التصنيف وفي أحكام القيمة.
السلطوية تعتدي وتنتعش بالاعتداء وتحيا شرايينها بالإحساس بانتصاراتها على كل خصم أو عدو، ولو كان ميكروسكوبي البنية، هي لا تستأذن في اعتدائها، بل تمضي مسطرة استهدافاتها الاعتدائية.
السلطوية هي نظام ومنهج، لا تتركز في شخص، بل تتوزع اختصاصات انتهاكاتها للحقوق والحريات على كل مؤسساتها الخاصة والعامة، حتى إذا وقع الانتهاك توزعت آثار الضحايا على كل هذه المؤسسات، فلا تجد حينها من ستعتبره مسؤولاً عن هذا الانتهاك أو ذاك؛ لأن كل من مؤسساتها ونظامها له حظ متناغم ومنهجي في انتهاك معين.
إنها تواجه أصوات الحرية وقوى الممانعة بشكل منهجي (systématique)، والطريق نحو الوقوف بشكل ناجع في وجه سياساتها الانتهاكية للحقوق وللحريات وللمال العام وللمسؤوليات العمومية بدون محاسبة ولسمو الإرادة الشعبية، هو تكتل استراتيجي ومتين من حيث منطلقاته وأجندته النضالية، يجمع كل هذه القوى والأصوات الحرة وأحرار الوطن، وإلا فستلتهم هذه السلطوية بشره سادي كل خصومها فرداً فرداً وتنظيماً تنظيماً، وبشكل منهجي يستحيل فيه توجيه إصبع المسؤولية على جهة أو شخص أو مؤسسة معينة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.