هل النضوج الفكري وَهْم؟
وإذا كان الأمر عكس ذلك فما هو النضوج الفكري، وهل النضوج الفكري له تعريف محدد بين شخص وآخر، أم أن الأمر متفاوت؟
ما نحن بصدده هذه الأيام من أقوال وأفعال ممن يسمون أنفسهم مفكرين ومجددين ما هو إلا ترهات تجعل الفكر ينحدر إلى القاع ولا يعلو أبداً.
فإن شاهدتهم أو قرأت لهم تشعر أن ما أدخلوه في عقلك لم يملأ شيئاً، بل يجعل عقلك أكثر خواءً وضعفاً، فيصيب كل المعتقدات الثابتة ويحولها لمعتقدات مهترئة.
هؤلاء تسميتهم بمفكرين ليست بصحيحة، إنهم هادمون لكل فكر صحيح متزن، ويتبنون كل فكر باطل منحرف، حتى تشعر أنهم لا يريدون الخير أبداً.
يريدون الشر بجميع أشكاله الخبيثة، يرتدون أزياء فارهة على عقول تافهة، جميعهم نفس البضاعة بملامح مختلفة، فالنضوج الفكري ليست كلمة تقال هراء، إنها مجموعة من الأشياء الثابتة التي لا تتغير من بداية الأزل، لكن ما هو تعريف النضوج الفكري بالتحديد؟
تعريف النضوج الفكري
هو رؤية الإنسان للحق كما هو، وللباطل كما هو، على حسب معتقدات الإنسان التي يقابلها في حياته، وبما أن عقول البشر متفاوتة في التفكير والرؤية، فإن ما يحدد النضوج الحقيقي هو فهم الإنسان لما أمر الله به من أوامر ونواهٍ؛ فإذا كان كل إنسان يحدد النضوج على حسب نظرته، فلن يعرف أبداً النضوج الفكري الصحيح أبداً، فلذلك يجب علينا أن نتبع ما أمر به الله فقط، فهو الخالق العالم الذي يجب أن نحتكم إليه في كل شيء.
كما رأينا فيما سبق تعريف النضوج الفكري، لكن ما هي أسباب الانحطاط الفكري؟
أسباب الانحطاط الفكري
أولاً: النظرة القاصرة للواقع
أن تنظر للنتائج أن لها سبباً أو عدة أسباب في نظرك أنت وتمحو الأسباب المخفية عن ناظريك.. فهذه هي النظرة القاصرة بعينها، فعندما ينظر المرء تلك النظرة للحياة فسوف ينتشر في عقله وفكره مجموعة من الأفكار المغلوطة التي في نهاية المطاف ستؤدي للتهلكة والانحطاط الفكري، حيث يرى الإنسان أن أسبابه هي الصحيحة وأن أسباب الآخرين في قمة الخطأ والتدني، فيؤدي ذلك أيضاً للتكبر والغرور، فينحط الفكر أكثر وأكثر، وتقصر رؤية الإنسان عن الحق، ويتجه بقدميه إلى الهاوية التي تنهى الإنسان بدون وعي.
ثانياً: الاستماع دون علم
عندما نستمع لآراء أو أقوال من أناس نظن بهم خيراً ونحن لا يوجد لدينا خلفية محددة تجعلنا نقيس ما نأخذه من معلومات، فسوف تحدث معضلة كبيرة وهي اختلاط الأفكار الخاطئة مع الأفكار الصحيحة، ونتوهم حينها أننا أصبحنا ذا ثقافية عالية، لكن في الحقيقة أن الأمر مروع؛ لأن ما سيحدث حينها انحطاط الفكر، واختلاط الحق بالباطل، وتشوه العقل ودخوله في مسارات لن يحسد عليها المرء حينما يعلم الحقيقة في نهاية المطاف.
ثالثاً: التربية الخاطئة
التنشئة الخاطئة تؤخر عملية النضوج الفكري للفرد، فعندما يتم زرع عقل الطفل منذ الولادة بالتفاهة وبعدم التفكير ويترعرع في هذا الجو الخطير طوال سنوات تكوين شخصيته، فمن الطبيعي حينها أن نرى أجيالاً تستقبل كل ما هو مؤذٍ للعقل ويزيد انحطاطه انحطاطاً، والأسرة التي تقدم فيها الماديات قبل العقليات فهي تنتج أفراداً في المجتمع لا فائدة لهم غير قتل العقل الواعي واستبداله بالعقل الواهم اللامبالي لأي شيء.
رابعاً: منصات التواصل الاجتماعي
ما تخرجه منصات التواصل الاجتماعي كل يوم على أدمغة الأطفال أو المراهقين أو الشباب يؤثر على العقل الباطن الذي يرسل إشارات للعقل الواعي، فعندما تكون الإشارات سلبية يؤثر ذلك بالسلب والعكس صحيح، فعندما يكون الأساس ضعيفاً يكون من السهل هدمه وهذا ما تفعله وسائل التواصل الاجتماعي مع عادمي الوعي، الذين لا يدركون خطورة ما يدخلونه في عقولهم كل يوم من أفكار شنيعة خاطئة تؤثر على الفرد قبل المجتمع، فتجعل المجتمع مجموعة من الأفراد غير الناضجين فكرياً، تحركهم الرياح دائماً حيث يكونون حينها إمعةً لا رأي لهم أو فكر.
خامساً: التمرد على الواقع
عندما يكون هناك فهم خاطئ للعادات والتقاليد والمعتقدات سوف يكون حينها التوجه إلى وجهة أخرى سهلاً، على سبيل المثال عندما يتمسك الإنسان بعاداته وتقاليده التي غالباً تكون منبثقة من دينه أو عقيدته أو أعراف المجتمع فذلك سيحمي المجتمع من أضرار كثيرة فكرية، وأما على الجانب الآخر يؤدي لانحطاط المجتمع من خلال عدم احترام الأفكار العامة، فعندما تكسر أو تجتاز عرفاً ما فذلك يؤثر على من حولك ممن يمتلكون عقولاً هينة، فينتشر في المجتمع حينها الخنوع الفكري، ويقل النضوج الفكري، فالشعارات الكاذبة ما هي إلا شرارة إنذار للضلال.
كما رأينا فيما سبق أسباب الانحطاط الفكري، وبعض أضراره على المجتمع، فالنضوج الفكري لا يعتبر كلاماً في الهواء أو وحياً من الخيال، لكن هو أساس أي مجتمع بحيث ينضج الفرد فكرياً من خلال فهمه الجيد للواقع عبر الدراسة الجيدة بمناهج ناضجة في المدارس والجامعات، أو من خلال فهم دينه بطريقة واعية غير متداخل معها أفكار خاطئة تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه في آخر المطاف، فالإنسان مجموعة من التراكيب المختلفة من عقل ونفس وروح، فإن لم يكن الإنسان متزناً بينهم كلهم لن ينضج أبداً.
إن توازن الإنسان من توازنهم، واضطرابه من اضطرابهم، فالنشأة الصحيحة دائماً هي الأساس، فالأسرة الواعية تنتج أفراداً واعين محترمين لعقلهم وعقل من حولهم، أما الأسرة المهملة التي لا تهتم بصلاح أفرادها فسوف تنتج أفراداً لا هم لهم غير مصالحهم الخاصة، أو أفراداً غير ناضجين مضرين للمجتمع، فيجب على كل فرد مهما كان عمله أو مكانته في المجتمع أن يعي كل شيء حوله، وأن لا يدخل أية معلومة إلى عقله إلا إذا وعيها وفهمها، فالعقل فريد يجب أن يُحترم، وأن نعامله بأفضل معاملة، إذا قدمنا له الاهتمام سيقدم لنا النضوج والعلو الفكري دائماً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.