كان السلطان محمد الفاتح يحب شيخه شمس الدين حباً عظيماً، وكانت له مكانة كبيرة في نفسه، وقد قال السلطان لمن حوله بعد الفتح: "إنكم ترونني فرحاً، فرحي ليس فقط لفتح هذه القلعة، إن فرحي يتمثل في وجود شيخ عزيز الجانب في عهدي، هو مؤدبي الشيخ آق شمس الدين".
وعبَّر السلطان عن تهيّبه لشيخه، في حديث له مع وزيره محمود باشا، قال السلطان الفاتح: "إن احترامي للشيخ آق شمس الدين احترام غير اختياري، إنني أشعر وأنا بجانبه بالانفعال والرهبة".
ذكر صاحب البدر الطالع أنه ".. ثم بعد يوم جاء السلطان إلى خيمة صاحب الترجمة -أي آق شمس الدين- وهو مضطجع فلم يقمُ له فقبَّل السلطان يده، وقال له: جئتك لحاجة. قال: وما هي؟ قال: أن أدخل الخلوة عندك، فأبى. فأبرم عليه السلطان مراراً وهو يقول: لا، فغضب السلطان، وقال: إنه يأتي إليك واحد من الأتراك فتدخله الخلوة بكلمة واحدة، وأنا تأبى عليّ، فقال الشيخ: إنك إذا دخلت الخلوة تجد لذة تسقط عندها السلطنة من عينيك فتختل أمورها فيمقت الله علينا ذلك، والغرض من الخلوة تحصيل العدالة، فعليك أن تفعل كذا وكذا، وذكر له شيئاً من النصائح، ثم أرسل إليه ألف دينار فلم يقبل، ولما خرج السلطان محمد خان قال لبعض من معه: ما قام الشيخ لي، فقال له: لعله شاهد فيك من الزهو بسبب هذا الفتح الذي لم يتيسر مثله للسلاطين العظام، فأراد بذلك أن يدفع عنك بعض الزهو.."، هكذا كان هذا العالم الجليل الذي حرص على تربية محمد الفاتح على معاني الإيمان والإسلام والإحسان، ولم يكن هذا الشيخ متبحراً في علوم الدين والتزكية فقط، بل كان عالماً في النبات والطب والصيدلة، وكان مشهوراً في عصره بالعلوم الدنيوية وبحوثه في علم النبات ومدى مناسبتها للعلاج من الأمراض، وبلغت شهرته في ذلك أن أصبح مثلاً بين الناس يقول: "إن النبات ليحدث آق شمس الدين".
وقال الشوكاني عنه: "وصار مع كونه طبيباً للقلوب طبيباً للأبدان، فإنه اشتهر أن الشجرة كانت تناديه، وتقول: أنا شفاء من المرض الفلاني، ثم اشتهرت بركته وظهر فضله..".
وكان الشيخ آق شمس الدين يهتم بالأمراض البدنية قدر عنايته بالأمراض النفسية، واهتم اهتماماً خاصاً بالأمراض المُعدية، فقد كانت هذه الأمراض في عصره تتسبب في موت الآلاف، وألَّف في ذلك كتاباً بالتركية بعنوان "مادة الحياة"، قال فيه: "من الخطأ تصوُّر أن الأمراض تظهر على الأشخاص تلقائياً، فالأمراض تنتقل من شخص إلى آخر بطريق العدوى، هذه العدوى صغيرة ودقيقة إلى درجة عدم القدرة على رؤيتها بالعين المجردة، لكن هذا يحدث بواسطة بذور حية".
وبذلك وضع الشيخ آق شمس الدين تعريف الميكروب في القرن الـ15 الميلادي، وهو أول من فعل ذلك، ولم يكن الميكروسكوب قد خرج بعد، وبعد 4 قرون من حياة الشيخ آق شمس الدين جاء الكيميائي والبيولوجي الفرنسي لويس باستور ليقوم بأبحاثه وليصل إلى نفس النتيجة.
واهتم الشيخ آق شمس الدين أيضاً بالسرطان وكتب عنه، وفي الطب ألَّف الشيخ كتابين هما "مادة الحياة"، و"كتاب الطب" وهما باللغة التركية، وللشيخ باللغة العربية 7 كتب، هي: "حل المشكلات"، و"الرسالة النورية"، و"مقالات الأولياء"، و"رسالة في ذكر الله"، و"تلخيص المتائن"، و"دفع المتائن"، و"رسالة في شرح حاجي بايرام ولي".
"إن من الأمور التي تحتاج إلى تجلية وتوضيح ما يتصل بشخصية آق شمس الدين من الناحيتين التربوية والفكرية، فقد كان معلماً ومربياً ومرشداً ومصلحاً اجتماعياً، أشرف على تربية وتعليم السلطان محمد الثاني، فجعل منه قائداً عظيماً ودفعه نحو فتح القسطنطينية، ثم شارك معه في الجهاد ووقف إلى جانبه يساعده ويدعم موقفه إلى أن تم الفتح، وبسبب هذه الجهود استحق الشيخ آق شمس الدين لقب "الفاتح المعنوي للقسطنطينية".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.