في البداية، لا بد من التنويه بأن الرئيس الأوكراني زيلينسكي لا يخوض مواجهة مع بوتين وجنوده فحسب، بل هو في حالة حرب أيضاً مع تاريخ بلاده الثقافي والاجتماعي والديني. وهذا ما يفسر، جزئياً، سبب مغادرة ونزوح قرابة 8 ملايين أوكراني إلى خارج البلاد أو داخلها؛ حيث لا رغبة جدية لهؤلاء بالانسلاخ عن ماضيهم؛ لذلك فضلوا الانكفاء على المشاركة في حرب عبثية، خصوصاً أننا نشهد سخاءً غربياً منقطع النظير في تمويل هذه الحرب، وكذا عدم جدية القيادة الأوكرانية في مواجهة الروس قبل اندلاع الحرب، وهو ما صرح به الجنرال ريتشارد بارونز، القائد السابق لقيادة القوات المشتركة البريطانية، الذي قال "إن أوكرانيا كانت قد نشرت قبل بداية الحرب حوالي 30 ألفاً من جنودها في منطقة دونباس، لكن الآن أصبح معظم المدافعين عن الجبهة الأوكرانية متطوعين، بينهم معلمون وسائقو سيارات أجرة، بلا أية خبرة قتالية وإذا سلّمنا بإرادة الأوكرانيين مقاومة الروس، فإن هذه الحرب ستنتهي إما بيأس الروس أو بيأس الغرب من الأوكران".
ورغم الازدياد المطرد في هزائم الجيش الأوكراني أخيراً، ما زالت الولايات المتحدة تجبر القيادة الأوكرانية على رفض أية محادثات لإيقاف هذه الحرب، وعلى ما يبدو من ذلك فإن أمريكا من خلال حرب أوكرانيا الدائرة تريد إضعاف أوروبا للسيطرة على قرارها وضرب أية توجهات استقلالية في القارة العجوز لسنوات قادمة؛ لأن هذه الحرب تستنزف اقتصاد الدول الأوروبية بشكل لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.
وما يؤكد هذا الأمر هو حماس بريطانيا الزائد والمزيف في حرصها على أمن أوروبا بعد أن فعلت المستحيل لمغادرة الاتحاد الأوروبي. ولهذا السبب أيضاً أدار بايدن ظهره لرؤية كيسنجر العقلانية حول ضرورة أن تبدأ المفاوضات قبل أن تحدث اضطرابات وتوترات لن يتم التغلب عليها بسهولة، واعتبر كيسنجر أنه من الناحية المثالية، يجب أن توافق أوكرانيا على التخلّي عن جزء كبير من دونباس وشبه جزيرة القرم لصالح روسيا.
أما حول مسارات الحرب في المستقبل، فمن المؤكد أن روسيا لن تنسحب من حوض الدونباس الذي تعادل مساحته مساحة دولة اليونان في أية محادثات سلام قادمة، خصوصاً أنها بعد سيطرتها على دونتسك ولوغانسك غيّرت سياستها في التعامل مع السكان؛ حيث تخلّت عن ترحيل السكان نحو الداخل الروسي، وبدأت بتأمين المساعدات لهم في قراهم الواقعة على خطوط التماس، كما بدأت عملية إعادة الإعمار للمناطق المتضررة مع اعتماد الروبل عملة رئيسية في تلك المناطق هذا في الشرق.
أما في الجنوب، فجمّدت روسيا عملياتها العسكرية بشكل مؤقت هناك لتسهيل تصدير القمح الأوكراني، لكن ما زالت مدينتا ميكولايف وأوديسا ضمن خطط التوسع الروسي، وفي الوسط أي في مقاطعتي خاركيف وزاباروجيا، فمن المؤكد أن روسيا ستتابع القضم التدريجي للأراضي والمدن هناك. أما بالنسبة لكييف العاصمة، فإن أي تسليح غربي نوعي لأوكرانيا سيزيد من احتمال الغزو الروسي للعاصمة الأوكرانية مجدداً.
من جهة أخرى، تزداد العلاقات توتراً بين هنغاريا وأوكرانيا؛ حيث اتهم وزير خارجية هنغاريا الرئيس زيلينسكي بأنه مصاب بمرض عقلي، ومن المعروف أن لهنغاريا مطامع في أراضي أوكرانيا.
وفي بولونيا اليوم تنمو حالة تذمر من اللاجئين الأوكران، وقد يكون في ذلك تمهيد لإنشاء حزام أمن في غرب أوكرانيا لعودة اللاجئين الأوكران على يد الجيش البولوني.
وفي الختام، يبدو أن انعدام الحس بالمسؤولية لدى القيادة الأوكرانية، وهذا الانصياع اللامعقول للإرادة الأمريكية سيضع أوكرانيا في النهاية على سكة الزوال عن خريطة العالم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.