“الجهاد الإلكتروني”.. ماذا تعرف عن مجموعات “الهاكرز” الفلسطينية وعملياتها ضد إسرائيل؟

عندما تتعرض أرضك للغزو، وتدب في عروقها آثار أحذية جنود المحتل، ستبحث عن كل الوسائل الممكنة لمحو هذه الآثار، ولو كان ذلك "بلسانك"، ما قاله لنا أستاذ اللغة العربية في سنوات الابتدائي هو ما يحاول جل الفلسطينيين فعله كل يوم.

فمنذ أن بدأ الصهاينة شن أعمال إرهابية سعت لتهجير الساكنة الفلسطينية من أرضها، تنوعت وسائل المقاومة التي بحثت وطورت من استراتيجيتها طيلة فترة الاحتلال، والتي انتقلت من الوسائل التقليدية كالهبات الجماهيرية والمسيرات والانتفاضات وغيرها من الوسائل التي سنعرج على ذكرها، إلى وسائل استفادت من التطور الرقمي والتكنولوجي الذي يعرفه العالم، هذه الوسائل الجديدة ساهمت في ظهور جيل رقمي جديد من الشباب الفلسطينيين الذين ساروا على خُطى أجدادهم الشهداء لمقاومة الاحتلال الصهيوني.

الفلسطينيون على الإنترنت 

وقبل شهرين  ذكر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية أن عدد مستخدمي الإنترنت بفلسطين سنة 2022 وصل لـ3,7 مليون مستخدم، بينما يقارب عددهم بإسرائيل الثمانية ملايين مستخدم،  جل هؤلاء يقوم بالعمل على التعريف بقضاياه وفضح ممارسات سلطات الاحتلال بالقدس وبالمناطق الأخرى من فلسطين.

وبحسب الإحصاء الفلسطيني ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فإن أكثر من نصف كبار السن يستخدمون الإنترنت، ويوضح المصدر ذاته أنه قد بلغت نسبة كبار السن الذين استخدموا الإنترنت من أي مكان 53 بالمئة في فلسطين؛ بواقع 57 بالمئة في الضفة الغربية و44 بالمئة في قطاع غزة.

بينما  بلغت نسبة الأفراد "10 سنوات فأكثر"، الذين استخدموا الإنترنت في فلسطين من أي مكان حوالي 88 بالمئة، بواقع تسعين بالمئة في الضفة الغربية وأزيد من 80 بالمئة في قطاع غزة، وعلى صعيد الجنس فقد بلغت هذه النسبة بين الذكور أزيد من خمسين بالمئة مقابل 49 بالمئة بين الإناث.

توضح هذه المعطيات تطور استخدام الإنترنت بفلسطين ليصبح وسيلة مقاومة خالصة، سواء من خلال التبليغ عن الوقائع، أو إيصال الرسالة للمجتمع الدولي، أو التعريف بالقضية الفلسطينية، وإيقاظ الضمير العاطفي الدولي تجاه الانتهاكات الإسرائيلية، كما يظهر جلياً التحول الكبير في طرق المقاومة الفلسطينية؛ حيث انتقلت من الوسائل التقليدية إلى وسائل حديثة استطاعت تجاوز الحدود الدولية والعقبات والتضييقات التي تفرضها السلطات الإسرائيلية.

المقاومة التقليدية بفلسطين 

بين عامي 1967 و1987، اعتمدت المقاومة الفلسطينية، رغم قوة الاحتلال في عتاده العسكري، وسائل مختلفة تراوحت بين الانخراط في وحدات الجيش الأردني، والعمل في خلايا صغيرة بكل ما تملكه من أسلحة بسيطة وبدائية كالحجارة وغيرها،  ولو أن أقوى مظاهر المقاومة هي البقاء في القدس وعدم مغادرتها رغم بطش الاحتلال.

وقد تعددت منذ سنة 1967، سبل المقاومة لدى المقدسيين، وكان أبرزها على سبيل الذكر لا الحصر، الهبات الجماهيرية والمسيرات والانتفاضات، وكذا الاعتصامات، فقد عبرت كل الشرائح الفلسطينية عن رفضها لقرارات الاحتلال في مدينة القدس، إضافة لتوقيعها عدة عرائض ومذكرات احتجاجية سعت إلى فرض الضغط على المجتمع الدولي، وذلك كان عندما بعث "رجالات القدس" بعريضة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك "ليفي أشكول" وكذا إلى الحاكم العسكري بالضفة الغربية، جاء فيها استنكارهم لقيام القوات الإسرائيلية بمصادرة أراض من المدينة، إضافة لإرسالهم لمجموعة من المذكرات التي تستنكر وترفض إبعاد قوات الاحتلال أمين القدس السيد روحي الخطيب.

كما استخدم المقدسيون، سنة 1967، المنشورات والبيانات كوسيلة لتوجيه الرأي العام الوطني والدولي، وكانت تتولى ذلك الشخصيات الوطنية الاعتبارية وكذا مركز للمؤسسات الوطنية والسياسية، الأمر الذي ساهم في تطور المواقف السياسية المناهضة لإجراءات المحتل الصهيوني، وقد تعددت الوسائل التقليدية التي استخدمها رجالات ونساء فلسطين لدحر المحتل، وتراوحت بين ما هو سلمي وما هو عسكري، إلا أن ذلك اصطدم بعجرفة واضحة للمحتل الذي سعى منذ الشرارات الأولى لهذه المقاومات لدفنها وإطفائها عبر سلسلة اغتيالات واعتقالات.

ولا يمكن أن نغفل عن أقوى طرق المقاومة التقليدية التي ما زالت لحدود اليوم تستعمل من قبل الشبان الفلسطينيين، وهي عمليات الطعن بالسكين التي نفذ منها المقدسيون خلال عشرين سنة عشرات العمليات، ويتم اللجوء إلى هذا الأسلوب في الدول المحتلة والتي تشهد شح السلاح، وتستعمل أيضاً العمليات العسكرية المسلحة من خلال فصائل المقاومة، التي عملت على تجميع السلاح والتنافس فيما بينها للقيام بعمليات استشهاد حية تودي بخسائر فادحة في صفوف قوات الاحتلال، أما الأسلوب التقليدي الأخير للمقاومة في القدس الذي سنتحدث عنه فهو الرباط أو المرابطة في المسجد الأقصى لأيام وليال متواصلة، لمنع المستوطنين وقوات الاحتلال من اقتحام المسجد الأقصى، لعل أبرزها ما حدث سنة 2015، شهر سبتمبر/أيلول بمناسبة عيد المظلة أو عيد "السوكوت" العبري، الذي يعد الشهر الأكثر انتهاكاً لجنبات المسجد الأقصى، والذي قدم فيه عشرات من المرابطين المقدسيين تضحيات ومقاومة باسلة ضد المقتحمين رغم إطلاق القوات الإسرائيلية للقنابل المسيلة للدموع وقنابل الصوت، لكن صمود المرابطين كان قوياً.

"الجهاد الإلكتروني"

كل هذه الوسائل التقليدية تطورت اليوم، فالشباب الفلسطيني الجديد لم يغير العديد من الأساليب السابقة، لكن بعضهم فضل طرقاً جديدة للمقاومة، تعتمد على التطور الرقمي والتكنولوجي الحاصل بالعالم، ستمكن هذه  الطرق من وصول القضية الفلسطينية إلى أبعد الحدود، وستتلاقح مع التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم. 

 اعتمدت هذه المقاومة الجديدة على طرق قانونية وأخرى ميدانية، لكن كيف للمقدسيين أن يقاوموا بطرق قانونية فقط والمحتل ينتهك ليل نهار القانون الدولي، وآخر انتهاك جسيم كان توجيه رصاصة غادرة للصحفية شيرين أبو عاقلة؟

لذلك عمد عديد من الشباب الفلسطينيين إلى قرصنة المواقع الإسرائيلية الحساسة، وهنا سننتقل للحديث عن مجموعة "جيش هبد الإلكتروني"، التي تعمل على مهاجمة حسابات الشخصيات المؤيدة لإسرائيل وكل الدعايات الإسرائيلية بمواقع التواصل الاجتماعي، لم يقتصر عمل جيش هبد على مهاجمة الحسابات والدعايات المؤيدة لإسرائيل بل عمل أيضاً على إطلاق حملات دولية لدعم الأسرى المضربين عن الطعام، وبالتالي ساهمت هذه المجموعة بشكل كبير في التأثير في الرأي العام الدولي والعربي من خلال حملاتها الإلكترونية ومنشوراتها.

إلى جانب هذه المجموعة،  نجد "فريق هاكر غزة"، الذي ينشط من خلال عمليات اختراق منتظمة ومكثفة على المواقع الإسرائيلية الحساسة سواء الأمنية أو الاقتصادية، والتي تهدف من خلالها إلى إحداث خسائر اقتصادية وأمنية لدى العدو، حيث إن هذه الاختراقات تعرقل الحياة اليومية في منطقة نفوذ الاحتلال، وهو ما يشكل وسيلة ضغط قوية، هذا ما حدث سنة 2013 عندما قام هذا الفريق باختراق كاميرات المراقبة لأحد الأنفاق بحيفا، وهو ما أدى لإغلاقه فيما بعد، وكانت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تلك العملية لا يستهان بها، إلى جانب ذلك يعمل الفريق على كسب حرب المعلومة والحرب النفسية ببث الوقائع والصور الحقيقية التي توضح الانتهاكات الإسرائيلية وتزيل اللثام عن التزييفات الإسرائيلية التي رافقت جل الأحداث بفلسطين.

وعلى غرار هذا الفريق نجد "لواء القدس" الذي يعد مجموعة إلكترونية أسستها سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي سنة 2008، سعت هذه المجموعة إلى تحدي التطور التكنولوجي للجيش الإسرائيلي، وذلك من خلال منع التجسس الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية وكذا الهجوم على البنية السيبرانية للعدو، وهو ما حدث عند عملية "عمود السحاب" الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث قام لواء القدس باختراق أحد المواقع الحكومية الإسرائيلية والتي استطاع من خلالها النفاذ لعناوين بريد عدد من الجنود الإسرائيليين، الذين تلقوا حينها رسائل تهديد زرعت الرعب في نفوسهم، أما حركة حماس فسعت من خلال الدعم الأجنبي الذي تتلقاه، إلى الاستثمار في مجال الحروب الإلكترونية، وذلك من خلال تطوير وتدريب مقاتلين ومحاربين سيبيرانيين داخل لواء عز الدين القسام. 

الشبكات الاجتماعية متنفس النشطاء الفلسطينيين 

لا يكتفي المقدسيون بالطرق العنيفة الميدانية، ولو أنها تبقى الحل الأكثر واقعية في مواجهة محتل غاشم يستعمل كل الوسائل المتاحة لطمس هوية فلسطين وإرادة شعب في استقلال أرضه، بل فضل بعض النشطاء الفلسطينيين التوجه لوسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم  والتعريف بقضيتهم حول العالم.

 وهنا تحدث إلينا الناشط الفلسطيني رمزي العباسي المقيم بالعاصمة الفلسطينية مدينة القدس، حول كيفية تحول تطبيق "إنستغرام" إلى وسيلة ناجعة لإيصال صوت القدس للعالم العربي والعالم بشكل عام، يعمل رمزي على إنتاج فيديوهات قصيرة بالتطبيق بصيغة "reels"، توضح تارة الانتهاكات الإسرائيلية وتارة الأجواء التي يعيشها المسجد الأقصى، كما يرصد رمزي حالات الاعتقال التي يتعرض لها الشباب الفلسطيني.

يقول لنا رمزي العباسي إن قضية تحرير فلسطين تشغل بال كل فلسطيني حر في الليل والنهار، "ولا يمكن بأي وسيلة إيقاف مقاومتنا التي ستستمر حتى تحرير آخر بقعة من فلسطين"، ويضيف رمزي أن اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي لفضح ممارسات الاحتلال  ورصد الحياة بالقدس وقطاع غزة، كان خياراً صائباً؛ لأنه يتماشى مع التطور التكنولوجي الذي يعرفه العالم.

يؤكد المتحدث ذاته أن قوات الاحتلال تمارس خروقات يومية لم يمارسها أبطش الطغاة على مر التاريخ، وأن فضح هذه التجاوزات لن يكون ممكناً إلا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، التي تمكن بحسبه من الانتشار السريع للخبر أو الفيديو والصورة، مضيفاً في الوقت ذاته أنه في كثير من الأحيان ينتج المحتوى الذي ينتجه عبر "إنستغرام" تفاعلاً دولياً كبيراً ورسائل من جل بقاع المعمور، تعبر عن التضامن المادي والمعنوي معه ومع شعب فلسطين.

لم يكتفِ رمزي بفضح انتهاكات المحتل، بل سعى إلى الترويج لجمال أرض فلسطين المقدسة من خلال تصوير المناطق السياحية والحياة الثقافية، وكذا إبراز مظاهر حياة المواطن الفلسطيني، ويصل متابعوه إلى أزيد من 400 ألف متابع يتزايدون كل يوم، كما يكسب محتواه الرقمي تفاعلاً غير مسبوق.

إنتاج محتوى مقدسي بطريقة مبتكرة عمل يختص به الناشط الفلسطيني، عدنان برق، وهو فوتوغرافي ومصمم فيديوهات، فبعد أن وجد متعته في مجال الغرافيزم والتصميم الإبداعي، قرر عدنان أن يوظف موهبته لخدمة قضيته، معتبراً  أن حمل الكاميرا والتجول في مدينته القدس أصبح همه الوحيد، فهو يحاول اقتناص كل مظاهر الحياة في القدس للتعبير عن معاناة شعب يطمح للتحرير والاستقلال.

بحسب عدنان، فإن الفيديوهات التي ينتجها عبر تطبيقي "إنستغرام"  و"تيك توك"  مكنته لحد الساعة من كشف جزء مهم من حياة المقدسيين، والتي تم تجاهلها في عديد من وسائل الإعلام، ويضيف عدنان أن توظيفه للجانب الإبداعي في فيديوهاته وصوره مكنه من إيصال العديد من الأفكار إلى العالم، والتي تسعى إلى هدف أساسي هو أن يصل صوت فلسطين الحر إلى العالم. 

يقر عدنان بوجود عدد من المعيقات التي تواجه الناشطين الفلسطينيين بمواقع التواصل الاجتماعي، أولها تعرض حساباتهم للاختراق المتواصل، وهو ما يعتبره محاولات إسرائيلية بائسة لإسكات صوت الحرية، وبحسبه دائماً، فإن جودة الإنترنت بفلسطين ضعيفة جداً، وتحتاج لإعادة هيكلة وتدعيم لبنيات التوصيل وتحديث برامج الاستقبال والتوزيع، ذلك أن تحميل فيديو واحد قصير لا تتعدى مدته ثلاثين ثانية، قد يستغرق ساعات طويلة بحسب عدنان.

المصادر:

• مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات. 
• تيسير جبارة، "دور الحركات الإسلامية في الانتفاضة الفلسطينية المباركة". 
• المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات. 
• الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني
• إيريك سكاريه، "الجهاد الرقمي: المقاومة الفلسطينية في العصر الرقمي". 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]